ما لا يجري التطرّق إليه في كلّ المفاوضات أو التصريحات العلنية المتّصلة بأيّ ملفّ مع العدو، هو المنظور «الاستراتيجي» لدى القيادات الإسرائيلية المعنيّة، لتأثير هذا الملفّ أو غيره على بنية الردع الاستراتيجي للكيان، وبالتالي على المصالح الكبرى للعدو.
في ملفّ المفاوضات البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال، لم يكن دخول المقاومة على الخطّ عاملاً حاسماً لتثبيت حقوق لبنان فحسب، بل مثّل عاملاً رئيسيّاً في جعْل العدو يضطرّ إلى التصرّف وفق منطق مختلف عن الساحات الأخرى. ذلك أن المشكلة الرئيسيّة لدى القيادات العليا في إسرائيل مع ملفّ لبنان، ليست الخضوع لإرادة مقاومته فقط، بل في كوْن كلّ نجاح تسجّله المقاومة هنا، ينعكس مباشرة على مكانة المقاومة وفعاليّتها في فلسطين. فكيف الحال والأخيرة تفكّر منذ زمن بعيد في الآليات الآيلة إلى كسْر الحصار عن القطاع وبقيّة الأراضي المحتلّة؟
اليوم، يلمس العدو أن المقاومة في فلسطين تدرس ما يجري على الجبهة اللبنانية بتعمّق. كما يعرف أن حجم التنسيق بين المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين بات أعلى بكثير ممّا كان عليه قبل عشر سنوات، وهو يدرك أن المقاومة الفلسطينية تسعى إلى تطوير قدراتها التسليحية التي تمنحها قدرة دفاعية أو هجومية في البحر، سواء من خلال المسيّرات أو الصواريخ البحرية أو من خلال الزوارق المسيّرة أيضاً. وفي ذلك تجربة تقدّمت كثيراً في ساحات عمل قوى «محور المقاومة»، من إيران إلى اليمن، مروراً بسوريا ولبنان والعراق. وحتى فلسطين نفسها، فقد شهدت تجارب تعكس إمكانية تحقيق هدف امتلاك قدرات تساعد على خوض معركة استرداد الحقوق في البحر