| إيمى غسان
تتصدر فنزويلا قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخماً لعام 2022 بنسبة 1100 بالمئة يليها السودان فلبنان وصولاً إلى سورية التي بلغت نسبة التضخم فيها 130 بالمئة حسب «تريدينغ ايكونمك»، أما لائحة الدول التي تتصدر قائمة التضخم بأسعار الغذاء حسب البنك الدولي، فتتصدرها زيمبابوي بنسبة تفوق 300 بالمئة تليها لبنان ثم فنزويلا، وتظهر من هذه القوائم علاقة العقوبات الغربية بالتضخم، فعند الاطلاع على الدول المتصدرة لمؤشر التضخم وقائمة الدول المعاقبة نرى أنها بأغلبيتها مشتركة في القائمتين.
وفي سورية، بدأت مؤشرات التضخم بالارتفاع بدءاً من عام 2012 كنتيجة طبيعية للحرب، ولكن الارتفاع الأكبر في مؤشرات التضخم حدث في 2019 حين بدأت الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب بتنفيذ عقوبات «قانون قيصر» الذي ابتدعته الإدارة الأميركية.
الدكتورة في الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد في القنيطرة رشا سيروب بينت لجريدة «الوطن» أسباب التضخم، فإضافة إلى العقوبات توجد مجموعة من الأسباب المتداخلة التي تسهم في ارتفاع الأسعار والتضخم، مؤكدةً أن التضخم تعدى كونه أثراً ونتيجة وبات بحد ذاته سبباً لمشكلات اقتصادية أخرى تؤدي لارتفاعه مجدداً.
وفي حين تلعب العقوبات دوراً مهماً في ارتفاع معدلات التضخم في سورية، نفت الدكتورة سيروب أن تكون للحرب الروسية-الأوكرانية دور فيها، حيث أظهرت بيانات التضخم الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء لعام 2020 ارتفاعاً بنسبة 114 بالمئة مقارنةً بعام 2019 أي قبل الحرب الروسية-الأوكرانية، موضحةً أن الناس يشعرون الآن بالتضخم أكثر من أي وقت مضى بسبب الارتفاع الملحوظ في أسعار السلع الغذائية التي أصبحت تشكل معظم إنفاقهم اليومي، حيث ارتفع متوسط السعر الشهري لسلة الغذاء المرجعية القياسية لبرنامج الأغذية العالمي بنسبة 45 بالمئة خلال النصف الأول من العام الحالي، وتقريباً الضعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك حسب نشرة مراقبة أسعار السوق لبرنامج الأغذية العالمي في سورية، وحسب سيروب يظهر البنك الدولي في أحدث تقرير له ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك الغذائي في سورية ليصل إلى 71 بالمئة في حزيران الماضي مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2021.
وأضافت سيروب: يمكن التمييز بين نوعين من المحركات الأساسية للتضخم في سورية، الأول محركات قديمة وهي غياب السياسات الاقتصادية التي تستخدمها معظم الدول في محاولة لكبح التضخم مثل معدلات الفائدة، والاحتياطي القانوني، والضرائب، موضحةً أن التشوه الكبير في آليات عمل الاقتصاد السوري وكمية الأخطاء في السياسات الحكومية المتخذة خلال السنوات السابقة راكما وعقدا طرق وأدوات الإصلاح.
أما الثاني فهو محركات ديناميكية متمثلة بتدهور سعر صرف الليرة الذي ينعكس بارتفاع أسعار السلع المستوردة مثل القمح والمشتقات النفطية وغيرهما من السلع الأساسية، وتعاظم أرباح الشركات المحلية (الأرباح الخفية وليس مصرحاً بها) والتي لجأت إلى رفع مبيعاتها بمعدلات أعلى بكثير من ارتفاع تكاليفها، حيث أظهرت بيانات إحدى شركات الزيوت في سورية ارتفاع صافي أرباحها 160 بالمئة في عام 2021 مقارنةً بعام 2020 رغم انخفاض حجم مبيعاتها، وذلك بسبب الاحتكار وعدم وجود منافسة والفساد وعدم قدرة مؤسسات التدخل الإيجابي على التأثير على أسعار السلع في السوق.
وأوضحت سيروب أن وصول السوريين إلى قناعة مفادها أن كل الأسعار في ارتفاع باستثناء الأجور مما جعل توقعات التضخم تحقق ذاتها وتراجعت الثقة بالليرة السورية وفقدت دورها كمخزن للقيمة ووسيلة للتداول، وأصبح الدولار الأميركي هو المفضل في التداول من الأسر والشركات بشكلٍ غير معلن.
وعن الحلول قالت سيروب إنه لا يوجد حل سحري ذو نتائج فورية على الاقتصاد، ولكن الحل الوحيد هو إصلاح القدرة الإنتاجية للاقتصاد (الصناعة والزراعة) من خلال سياسات وإجراءات داعمة مثل دعم مدخلات العملية الإنتاجية مع ضمان توافر مخرجات الإنتاج بجودة معينة، وتعزيز قدرة المواطن الشرائية من خلال رفع الرواتب ومنح القروض لشراء هذه السلع المنتجة محلياً، وأن تكون غاية الإنتاج هي توفير الطلب المحلي أولاً وليس التصدير، موضحة أن الاقتصاد ليس عملية حسابية ويجب ألا يكون الهدف مجموعة قيم نقدية مالية (عجز- موازنة – قطع أجنبي)، وإنما الاقتصاد مجموعة أنشطة وعمليات تستهدف حاضر المواطن ومستقبله وأهم أركان نجاحه القدرة على تلبية حاجات المواطن وإشعاره بالطمأنينة، داعيةً الحكومة والمصرف المركزي إلى التركيز على معالجة العوامل الأساسية للتضخم، وتعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد لتلبية الطلب المحلي.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن