شذى حمود
حين ننظر إلى الجامعات السورية الرسمية كافة وهي تنعم بتدريس جميع موادها على اختلاف اختصاصاتها العلمية والأدبية باللغة العربية، لا بد لنا أن نتوقف ملياً عند صاحب الفضل الأول لهذه الميزة التي تنفرد بها الجامعات السورية عن قريناتها العربيات الأخريات، إنه الدكتور رضا سعيد الذي يعتبر بحق رائد تعريب التعليم في سورية.
جهود الدكتور رضا سعيد في هذا الاتجاه كانت محور محاضرة الباحث أحمد بوبس التي جاءت بعنوان “دور رضا سعيد في تعريب التعليم في جامعة دمشق”، واستضافها مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي أوضح أن رضا سعيد كان يتحسر وهو يرى لغته العربية تقبع في زوايا النسيان في قطاع التدريس، بينما كانت اللغة التركية هي السائدة آنذاك، مشيراً إلى أنه كان واحداً ممن عاشوا هذه المعاناة حين تلقى تعليمه الابتدائي، والثانوي، والطبي باللغة التركية، لذلك كان حلمه الدائم أن تحل اللغة العربية مكان اللغة التركية في التعليم، وظل هذا الحلم يراوده حتى جاءت الفرصة المواتية لتحقيقه.
وقبل أن يخوض بوبس في جهود رضا سعيد في تعريب التعليم سلط الضوء على نشأته وتكوينه الثقافي الذي دفعه في هذا الاتجاه، فهو الذي ترعرع ونشأ في بيت شديد الانضباط، فبعد أن أنهى دراسته في المدرسة الرشيدية أرسله والده إلى اسطنبول ليلتحق بالقسم الداخلي للمدرسة الطبية التي تخرج منها عام 1902 طبيباً ضابطاً.وتابع: في عام 1909 تم إيفاد رضا سعيد إلى باريس للتخصص في الأمراض العينية، حيث التحق بمشفى “أوتيل ديو” التابع لكلية الطب في جامعة باريس، وفي عام 1913 تم نقله إلى دمشق ليعمل في المشفى العسكري “مشفى المزة العسكري حالياً”، ليتنقل بعدها في عدة مواقع إلى أن انتخب عام 1917 رئيساً لبلدية دمشق.
وعن تأسيسه المعهد الطبي العربي بدمشق، بين بوبس أنه في عام 1918 تعرضت دمشق لجائحة التيفوئيد، فانهمك رضا سعيد في مكافحتها، لكن المرض تسلل إلى بيته وأصاب زوجته وتوفيت على إثره، حيث طلب منه الأمير فيصل إنشاء معهد طبي في دمشق، وكان شرط سعيد الوحيد أن يكون التدريس فيه باللغة العربية، حيث أوكل مهمة وضع المناهج الطبية باللغة العربية إلى الدكتور مرشد خاطر الذي بدأ عامه الدراسي الأول عام 1919.
ولفت بوبس إلى أن تعريب التعليم في المعهد الطبي بدمشق لم يكن لتدريس الطب فقط، وإنما كان القاعدة الأساس في تعريب التعليم الجامعي، لافتاً إلى أنه لم يشأ رضا سعيد أن تبقى تجربة تدريس الطب باللغة العربية حبيسة المعهد، وإنما أراد تعريف الأوساط الثقافية والعلمية بها داخل سورية وخارجها، فقرر إنشاء مجلة طبية تابعة للمعهد تصدر شهرياً بهدف ترسيخ تدريس الطب، وتشجيع التفكير والبحث العلمي الطبي باللغة العربية، بشرط أن تكون الدراسات والأبحاث بها والتي كان رئيس تحريرها الدكتور مرشد خاطر حيث صدر العدد الأول في شهر كانون الثاني 1924.
وكان الهاجس الكبير للدكتور رضا سعيد حسب بوبس الحصول على اعتراف عربي بعملية تعريب مناهج المعهد الطبي العربي، لافتاً إلى أن الخطوة الأهم التي خطاها هي الحصول على الاعتراف العالمي بشهادة المعهد، من خلال استقدامه لأربعة من كبار أساتذة الطب في فرنسا للتدريس فيه، بهدف الاستفادة من أحدث ما توصل إليه الطب في أوروبا.
وأشار بوبس إلى أن رضا سعيد كان سعيه الدائم إلى أن يعزز مكانة اللغة العربية، ليس في مسألة التدريس فحسب، وإنما على الصعيد الرسمي والعلمي والثقافي والاجتماعي، بعد أن كانت اللغة الفرنسية هي المسيطرة، ولا سيما في الجانب الرسمي، فعمل على إحداث مدرسة للآداب تتولى تدريس اللغة العربية بشكل أساسي، إضافة إلى الأدب العربي والثقافة العربية.
وقد وضع رضا سعيد القاعدة الأساس في تعريب التعليم الجامعي، والتي سارت عليها الكليات التي أحدثت بعد ذلك، لتغدو اللغة العربية لغة التدريس والعلم في الجامعة السورية التي تحمل الآن اسم جامعة دمشق، بل إن هذا الأمر انتقل إلى الجامعات السورية الرسمية المحدثة فيما بعد، فأصبحت اللغة العربية لغة التدريس والعلم فيها.
لم تقتصر جهود رضا سعيد على تعريب التعليم الجامعي، بل امتدت لتشمل التعليم ما قبل الجامعي، لتصبح اللغة العربية هي الأساس في التدريس في البكالوريا السورية الجديدة بدل اللغة الفرنسية، وبذلك توج رضا سعيد جهوده في تعريب التعليم، ليشمل التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، الذي تنعم به سورية الآن بفضل جهوده الذي يستحق عليها كل الإجلال والتقدير.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا