حسين صقر:
لأن التكافل الاجتماعي يساهم في تنمية المجتمع عبر تركيزه على تعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية، وتمكين العلاقة مع الآخرين بهدف الحفاظ على المصلحة العامة، تتعدد صوره وأشكاله.
وقد تجلى هذا التكافل بأبهى صوره أثناء كارثة القارب اللبناني الذي راح ضحيته ما ينوف عن المئة شخص عدا المفقودين، حيث اندفع خلال الحادثة المؤسفة كل من مكانه ليقدم أقصى مالديه من إمكانات لانتشال الضحايا، والبحث عن مفقودين، حيث أعطى أهلنا في مدينة طرطوس وجزيرة أرواد نماذج إضافية لما يقوم به السوريون أثناء الأزمات لأنه يقرب الناس من بعضهم البعض، ويشجعهم على مشاركة الأفراح والأتراح، والوقوف إلى جانب بعضهم عند الحاجة، كي تكون تلك المواقف دروساً يستفيد منها الجميع، ويقتدون بها أثناء الملمات، وتستفيد الأجيال على اختلاف الأعمار والأجناس لكونهم جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.
حادثة القارب اللبناني المؤسفة أعادتني إلى الأيام الخوالي عندما كان الناس على اختلاف مشاربهم يندفعون لرد الضرر وإصلاح الحال، وذلك في مواجهة الأخطار الطبيعية وحوادث الطرق، وحتى القيام بالأعمال العادية كالبناء والزراعة والحصاد وغير ذلك من الأعمال، حيث ذكرتني تلك الحادثة بحوادث كثيرة كانت كلما حصلت يلتئم شمل القرى والمناطق لإنقاذ المتعرض لها، وأذكر مثلاً عندما كانت سيارة ما أو حافلة نقل، تجنح عن الطريق أو تتدهور، يأتي الأهالي من كل حدب وصوب وكل معه آلاته ومعداته البسيطة لتقديم العون والمساعدة ضمن إمكاناته، وهكذا حتى يتم إنجاز العمل وإنقاذ السيارة، وإسعاف المصابين ونقلهم أو مداواتهم في نفس المكان لمن يكون وضعه طبيعياً، وذلك دون الحاجة إلى رافعة نقل، إلا في الحالات الصعبة جداً والميؤوس منها.
كما يجتمع الناس أثناء حدوث السيول والأمطار لتسليك الطرقات والأقنية وتحييد المياه عن المنازل، ومساعدة المتضررين منهم، وأذكر أيضاً عام ١٩٩٢ أثناء هطول الثلج وأغلقت الطرقات، ونفدت المؤن، وأصبح الأهالي يتفقدون بعضهم البعض، وخاصة أن بيوتاً كاملة غطاها الثلج وطمرها، حيث تجمع أهالي الأحياء وتقدموا كرجل واحد لتقديم العون والمساعدة واصطحاب ما أمكن من خبز ومواد غذائية، مؤكدين انهم معاً في السراء و على الضراء، مقدمين أجمل صورة عن التكافل الاجتماعي، انطلاقاً من أن من يؤمن بأن المجتمع كتلة واحدة يؤمن بفردية الفرد وتميزه في شخصيته، مع الانتباه أن الخير دائماً يعم الجميع، وينعكس عليهم.
وفي حادثة حصلت في منزل أخي عندما شب فيه حريق ذات يوم، وبدأت ألسنة النار واللهب ترتفع، أذكر كيف جاءت إحدى الفتيات الغيورات من مسافة مئتي متر وهي تحمل صفيحة الماء من منزلها للمساهمة في إطفاء الحريق، وكيف بدأت النسوة والشبان يقلدونها، وهذا أحضر خرطوم الماء وذاك قام بفتح الخزانات في الحي وتجهيزها للضخ، وآخرون قاموا بإبعاد مالم تصل إليه النيران، وأخمد الحريق خلال دقائق بفضل التعاضد والتعاون والشعور بالآخرين.
هؤلاء هم السوريون، وتلك الصور ليست إلا صوراً بسيطة عن التعاون والمروءة وإغاثة الملهوف، وماجرى خلال الحرب الإرهابية على سورية أيضاً يعطي صورا أخرى كثيرة عن التعاون والتكافل الاجتماعي الذي يضمن الراحة وإدخال الفرحة لقلوبهم حتى لو كان ذلك في ساعات وأيام المآسي والآلام، وذلك بهدف لملمة الجراح وتخفيف حدتها، وكيف استقبلوا بعضهم في بيوتهم، ولم يقتصر ذلك على الحرب على سورية، فذاكرة اللبنانيين والعراقيين مازالت ملأى بالمواقف النبيلة التي وقفها السوريون لاحتواء وإيواء إخوانهم العرب.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة