طلال ماضي
ثمان سنوات مضت على إحداث وزارة التنمية الإدارية وتحديد مهامها وصلاحياتها وأهدافها في تنظيم وتطوير أداء الإدارة والوظيفة العامة، وتحسين خدماتها للمواطنين ومكافحة الفساد الإداري والتطوير المؤسساتي، وتأهيل الكوادر البشرية واستخدام تقانات المعلومات هذا على الورق.. لكن مانشاهده اليوم وتعلنه جميع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي يتناقض مع كل ذلك في ظل استقالة العمال بالعشرات، وهجرة الخبرات والكفاءات لمؤسسات الدولة، ورفض غالبية من لديه أدنى خبرة وأخلاق أن يستلم أي منصب وظيفي، وخاصة إذا كانت غايتهم عدم الاستفادة أو إذا كان المنصب لا يحمل سيارة كون السيارة اليوم في عيون الجميع وثمن مخصصاتها من البنزين بالسعر الحر حوالي نصف مليون ليرة سورية.
حالات الاستقالة التي نشاهدها ليست في محافظة واحدة أو وزارة بعينها وإن كانت أكثر في الريف السوي كون من غير المقبول أن يدفع الموظف في وسائل النقل أكثر من ثلثي راتبه أجور نقل، وأن يتم تواجده في الحد الأدنى خمس ساعات في عمله مقابل فرنكات يقبضها آخر الشهر .. هذا إذا لم يصادفه مدير منفصل عن الواقع لا يفهم بالعمل وليس من اختصاصه و لديه واسطة ويجلس كشرطي دوام وتدقيق على الداخل والخارج، ويعمل على الحسم من راتبه وما أكثرهم في مؤسساتنا.
يشير بعض المديرين ممن قلبهم على البلد و يعملون بصدق إلى أن بعض المؤسسات تكاد تكون خالية من خبراء المعلوماتية والمبرمجين، ويكاد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وأن أصحاب الخبرات يقبضون رواتب في القطاع الخاص تتجاوز المليون ليرة أو يعملون لصالح الغير في الدول العربية والأجنبية عن بعد مقابل مبلغ مادي يحقق كفايتهم مع العلم أنه يتم استغلالهم ويضيع تعبهم لكنهم مضطرون لتأمين احتياجاتهم ..
أحدهم قال بالمختصر المفيد: “التنمية الإدارية في بلدنا إما طفشت الخبرات أو أجبرتهم على العمل عبيد لدى الغير بفرنكات”, وبالأمس اطلعت على إجراءات معاملة إدارية في دوائر الخدمات في محافظة دمشق وقلّبت العديد من المخاطبات حول مخالفة كبيرة وفساد ومحاولة تضليل المسؤولين واللف والدوران والتأخير والمماطلة قام بها مجموعة من الموظفين، ومن المفترض أن يكون لديهم خبرة ليست قليلة, والسؤال من أجبر هؤلاء على اللف والدوران في المخاطبة الإدارية ؟، أو بالمختصر من أجبرهم على أن يصبحوا فاسدين ؟ , ولو كان في البلد قانون من المفترض تسريحهم من العمل بتهمة الخيانة لأخلاق العمل والتزوير وتلقي الرشاوي وغيرها.
صحيح أن هؤلاء القلة هناك من يحميهم ويديرهم أي يتبعون إلى فاسد كبير , لكن السؤال مالذي أجبرهم على الفساد؟, في المرحلة الأولى كانت الحاجة وبعد إشباع رغباتهم أصبح الطموح للوصول وترأس عصابة فاسدين .
حالة الفساد الإداري والرشوة والتزوير وبيع أملاك الدولة والتغاضي عن المخالفات وغيرها الكثير ممن الممارسات الإدارية التي يمارسها موظفين صغار لإرضاء أسيادهم أجبرت خبراء سورية على الاستقالة، وهناك الكثير منهم لا يرغب بأن يعمل خارج القانون ولا أن يفت في صحن الفساد الذي يأكل منه الحيتان، ولا أن يبيع نفسه، فكان خيارهم الوحيد الاستقالة لمن وجد عملاً في القطاع الخاص، ورفض استلام المهام لمن يتمتع بشخصية قيادية، ويرفض الخطأ والعمل بالحد الأدنى في مؤسسات الدولة، ويلتفت إلى خبرته وينميها ويراقب بسخرية مايحدث من تعفيس إداري ومحاولة الاستعانة بطلاب أو ب… لسد النقص والهدف الله أعلم.
الفساد الناتج عن سوء التنمية الإدارية هو السبب الأساسي للفساد المالي والسبب الأساسي لفوات عائدات على الدولة , والسبب الأساسي لهجرة الخبرات, والسبب الأساسي لتدني عملية الإنتاج, وسوف يأت اليوم الذي ستدفع الحكومة فيه لمن طفشتهم أجور بالعملة الصعبة للاستفادة من خبراتهم كمستشارين لتقديم خبرة بصفحة أو بسطر هذا الواقع لمن يعلم ويصمت فليتحمل المسؤولية ولمن لا يعلم مسؤوليته أكبر .
(سيرياهوم نيوز1-الساعة25)