} حسن حردان شكلت مسودّة اتفاق ترسيم الحدود البحرية سقوطاً لخط هوف، الذي كان يُراد منه اقتطاع جزء كبير من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وتسليماً بالمطالب والشروط اللبنانية، إنجازاً هاماً على المستوى الوطني اللبناني.. انّ إشهار المقاومة لسلاحها الدقيق ومعادلاتها الردعية ووحدة الموقف الرسمي اللبناني، وضع كيان الاحتلال ومعه الأميركي أمام خيارين: إما التسليم بحقوق لبنان، أو رفض التسليم بهذه الحقوق ومواجهة المخاطر التالية: أولاً، عدم السماح لكيان الاحتلال باستخراج الغاز والنفط من حقل كاريش، بل وعدم السماح له أيضاً بمواصلة استخراج الغاز من كلّ بحر فلسطين المحتلة طالما استمرّ منع الشركات الدولية من التنقيب عن الغاز والنفط في الحقول اللبنانية غير المتنازع عليها.. ثانياً، خسارة كيان الاحتلال فرصة استخراج الغاز من كاريش ودخول السوق كلاعب مهمّ في هذه الفترة الحساسة التي يزداد فيها الطلب العالمي على الغاز، وبالتالي خسارة فرصة تحقيق العائدات المالية الكبيرة الناجمة عن بيع الغاز بأسعار مرتفعة وما تعنيه من انعكاسات على الاقتصادي «الإسرائيلي»… ثالثاً، خسارة الولايات المتحدة إمكانية تعويض أوروبا جزء من النقص الذي تعاني منه نتيجة تراجع وارداتها من الغاز الروسي. رابعاً، ارتفاع منسوب التوتر واحتمال تطور الوضع إلى اندلاع مواجهة عسكرية بين المقاومة وكيان العدو، مما سيؤدّي إلى اضطرار واشنطن إلى تركيز جزء هامّ من اهتمامها على الوضع في المنطقة لما لكيان العدو من أهمية استراتيجية بالنسبة للسياسة الأميركية، وكذلك لما للوبي «الإسرائيلي» في الولايات المتحدة من تأثير كبير على دوائر صنع القرار الأميركي.. وهذا كان سيعني تراجع التركيز على الحرب الدائرة في أوكرانيا لمصلحة الاهتمام بالمنطقة واحتمالات تصاعد وتوسع الصراع. لكن ماذا تعني موافقة واشنطن وتل أبيب على مسودة اتفاق تحقق مطالب لبنان تجنباً لمخاطر المواجهة المذكورة آنفاً: 1 ـ نجاح لبنان، بفضل إشهار المقاومة لقوّتها الردعية، وفرضها معادلة كاريش وما بعد ما بعد كاريش، في انتزاع كلّ ما حدّده لبنان الرسمي من شروط لإنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وهي، اعتبار الخط 23 مستقيماً هو الخط الفاصل للحدود البحرية، إلى جانب اعتبار كامل حقل قانا من حصة لبنان مقابل حصول كيان العدو على كامل حقل كاريش، ومعروف أنّ حقل قانا يمتدّ في جزء منه داخل المياه الإقليمية الفلسطينية… 2 ـ سقوط خط هوف الذي حاولت فرضه على لبنان كلّ من واشنطن وتل أبيب، والذي كان سيتمّ بموجبه اقتطاع جزء هام من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة لمصلحة سيطرة كيان الاحتلال عليها لكونها تحتوي على كميات واعدة من الثروة الغازية والنفطية. 3 ـ إجبار واشنطن وتل أبيب على رفع الحصار المفروض على لبنان ويمنع الشركات الدولية من البدء بعمليات التنقيب الاستخراج في الحقول اللبنانية، حيث تنصّ مسودة الاتفاق على ان شركة «توتال» الفرنسية ستبدأ عمليات التنقيب في حقل قانا وغيره من الحقول اللبنانية فور التوقيع الرسمي على الاتفاق، مقابل السماح لكيان العدو البدء بعمليات استخراج الغاز من حقل كاريش. 4 ـ عدم توقيع لبنان ايّ اتفاق أو معاهدة مع كيان العدو، والاكتفاء بتوقيع كلّ طرف على مسودة الاتفاق، التي سيرسل نسخة عنها لكلّ طرف، المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، بصيغتها النهائية بعد إنجاز التعديلات الفنية والتقنية عليها، ليتمّ بعد ذلك إرسالها الى الأمم المتحدة، لأنّ لبنان لا يعترف بكيان الاحتلال، كما لم يتضمّن الاتفاق ايّ صيغة من صيغ الشراكة في الحقول النفطية لأنّ لبنان اعتبرها عملية تطبيع يسعى إليها كيان العدو، ويرفضها لبنان. انّ إتمام الاتفاق وفق هذه الشروط سيشكل سابقة في الصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني، وانتصاراً جديداً للبنان يبرهن من جديد أنّ معادلة الجيش والشعب والمقاومة إلى جانب وحدة الموقف اللبناني الرسمي، هي المعادلة القادرة على حماية حقوق لبنان وسيادته وحماية أرضه وثرواته في مواجهة عدو عرف بأطماعه التوسعية وبأنه لا يفهم لغة سوى لغة القوة.. ولا شكّ بأنّ التقاط المقاومة اللحظة المواتية التي يحتاج فيها كيان العدو وراعيته الولايات المتحدة لاستخراج الغاز من كاريش في هذا التوقيت بالذات، شكل الفرصة المواتية لانتزاع حقوق لبنان وإلزام كلّ من واشنطن وتل أبيب الإقرار بهذه الحقوق والتخلي عن السعي للاستيلاء على جزء هامّ منها، وهو الأمر الذي اعترف به المسؤولون والمحللون الصهاينة والصحافة «الإسرائيلية»…
(سيرياهوم نيوز1-البناء4-102022)