بغداد | أنجز العراق انتخابات رئاسة الجمهورية، وأعاد فتح العملية السياسية، من دون كثير مشكلات، على رغم القصف – الرسالة الذي استهدف “المنطقة الخضراء” قبيل انعقاد جلسة الانتخاب، والذي كان “التيار الصدري”، أوّل مَن استنكره، في ما بدا أنه ردّ استباقي على مَن يمكن أن يوجّه إليه اتهاماً بالمسؤولية عنه. وفي خضمّ ذلك، يجد التيار، الذي اختار الخروج من العملية السياسية، نفسه وحيداً بلا خيارات تقريباً سوى انتظار فشل الحكومة الجديدة والضغط في اتّجاه إجراء انتخابات مبكرة، وإنما من دون تهديد الحدّ الأدنى من الأمن، الذي يبدو الجميع في العراق، إضافة إلى القوى الإقليمية والدولية المعنيّة، حريصين عليه
أنهت القوى السياسية العراقية، باستثناء “التيار الصدري”، عبر انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، انسداداً سياسياً دام عاماً كاملاً منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت في تشرين الأول 2021، بكلّ ما شهدته تلك الفترة من توتّر وصدامات دامية في الشارع كادت تجرّ البلاد إلى اقتتال شيعي – شيعي، تَبيّن أن أحداً في الداخل لا يستطيع تحمّل وِزره، وأن أحداً في الخارج ليست له مصلحة فيه، بخاصة في بلد نفطي كالعراق، في ظلّ انشغال العالم بحرب أوكرانيا. وأدّى تقاطع هذه الظروف، كما يبدو، إلى خسارة صافية لزعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، الذي كان حتى الأمس القريب يسعى لنسف أيّ احتمال لتشكيل سلطة سياسية ليست مناسبة له، من خلال تحرّكات أنصاره في الشارع، ومن ثمّ ليستكين تماماً بعد أن ثبت عدم وجود أفق لأيّ تحرّك من هذا النوع، في انتظار أن يؤدّي فشل الحكومة الجديدة إلى توفير ظروف مناسبة لتحرّكات جديدة.
“التيار الصدري”: “الإطار” سيتحمّل مسؤولية إراقة الدماء العراقية وتبديد الأموال التي ستُصرف
والحلّ العراقي، كان حلاً كردياً أيضاً، حيث جاء انتخاب رشيد باتفاق ضمني غير معلَن بين “الحزب الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” بعد إصرار الحزب على استبعاد الرئيس المنتهية ولايته، برهم صالح، وقبول الاتحاد، ضمناً أيضاً، وساطة “الإطار التنسيقي” التي قضت بأن تنتخب القوى الأخرى رشيد من دون أن يضطرّ الاتحاد إلى سحب مرشّحه الرسمي، أي برهم صالح. وهكذا تقاسم رشيد وصالح الأصوات في الجولة الأولى من الاقتراع التي يحتاج المرشّح فيها إلى غالبية ثلثَي أصوات مجلس النواب، وحصل الأوّل في الجولة الأولى على 157 صوتاً والثاني على 99 صوتاً. ثمّ قُضي الأمر في الجولة الثانية حيث نال رشيد 150 صوتاً ليصبح رئيساً للعراق، بينما حصل صالح على 90 صوتاً، والبقيّة كانت إمّا أوراقاً باطلة أو أوراقاً بيضاء. وانعكس تمسّك الاتحاد بصالح انقساماً داخل “التنسيقي” نفسه، إذ صوّت “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي لرشيد، بينما صوّتت بقية كتل الإطار لصالح. وعلى الرغم من أنه تَقدّم بترشيحه لرئاسة الجمهورية كمستقل، إلا أن رشيد كان قد رافق “الاتحاد الوطني الكردستاني” منذ تأسيسه في المنفى في دمشق عام 1975، وهو عديل الزعيم التاريخي له، الرئيس الراحل جلال طالباني، وكان أقدم مستشار له في الرئاسة. ولعب دوراً كبيراً في المعارضة العراقية لصدام حسين حين كان ممثّلاً لحزبه في لندن، ثمّ تولّى مناصب عدة بعد سقوط نظام صدام، أبرزها وزير الموارد المائية.
ولغرض إتمام إعادة تشكيل السلطة، كانت كتل “الإطار التنسيقي”، قد تقدّمت قبل بدء التصويت، بطلب إلى رئاسة مجلس النواب لاعتباره الكتلة النيابية الأكبر عدداً، ضمن وثائق ضمّت تواقيع أغلب الكتل السياسية المنضوية فيه، وذلك تمهيداً لتمرير تكليف مرشّحها لرئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني، مباشرة بعد انتخاب الرئيس. وهو ما حدث بالفعل، إذ سرعان ما جرى تكليف السوداني بتشكيل الحكومة خلال مدّة ثلاثين يوماً، في ما يمثّل وجهاً إضافياً من وجوه الخسارة “الصدرية”، باعتبار أن مجرّد تسمية الرجل دفعت بأنصار التيّار إلى الشارع، ليقتحموا في نهاية آب الماضي مقرَّي الحكومة والرئاسة، ما أدى إلى مواجهات دامية أسفرت عن عشرات القتلى.