| ناصر النجار
الأزمة المالية عصفت بالرياضة من بابها لمحرابها، فالرياضة ليست خارج المجتمع، والغلاء الفاحش على التجهيزات الرياضية والتعويضات المالية التي لم تعد تتلاءم مع أسعار السوق، وأجور المواصلات التي بلغت عنان السماء، كل ذلك ساهم بضغط النفقات، وأدى إلى تقليص النشاط إلى الحدود الدنيا.
الأندية التي تملك واردات واستثمارات وداعمين ما زالت على قيد الحياة، لكنها تعاني وتمارس نشاطها بصعوبة لم تكن معتادة من ذي قبل.
الألعاب التي ما زالت تمارس نشاطها الاعتيادي هي كرتا القدم والسلة لكونهما لعبتين احترافيتين ولأن لديهما واردات محلية وخارجية كثيرة ومتعددة.
ومع ذلك فليست كرة القدم كلها تنعم بالبحبوحة والدليل على ذلك تقليص دوري شباب الممتاز وتوزيع فرقه على مجموعتين لضغط النفقات، ونجد أن معاناة الأندية واضحة وعند الأندية الريفية أكثر وضوحاً، لذلك بدأت الاعتذارات عن المشاركة بالدوري كما فعل فريق شباب الكسوة ورجال الشعلة وفريق الضمير والحبل على الجرار.
أما الألعاب الأخرى فصارت نشاطاتها موسمية وبالكاد نجد أن هذه الاتحادات قادرة على تنفيذ روزنامة نشاط الموسم، ولأن الحرج كبير فما زال موضوع عقد المؤتمرات السنوية مجهولاً، وقد يتم استثناء هذا العام من هذه المؤتمرات، لأن المواجهة لن تكون محمودة بين المؤتمرات والقائمين على الرياضية بكل المؤسسات كبيرها وصغيرها.
ولن يجد المكتب التنفيذي الإجابات الشافية لنداءات الاستغاثة من الأندية واللجان الفنية والاتحادات الرياضية على حد سواء، والاتحادات الرياضية فضلت عدم عقد هذه المؤتمرات حتى لا تواجه المعارضين لها من الكوادر واللاعبين ومثلها الأندية أيضاً!
لكن السؤال الذي يفرض نفسه.. هل هذا عذر لكي يغيب بعض الاتحادات الرياضية عن الوجود ولو ضمن مبدأ أضعف الإيمان؟
واقع الحال الرياضي ينذر بالأسوأ والرياضة تدفع ثمن سوء الإدارة والتخطيط وعذر الإمكانات المتاحة لم يعد مقبولاً، لأن الواقع يؤكد أن الإنفاق عشوائي وغير مدروس، وتفتقد سياسة الإنفاق إلى توظيف الإمكانات المالية بالمكان الصحيح.
وأمام هذا الواقع المالي الصعب نجد بالمقابل تنامي الفساد في كل المؤسسات الرياضية وخصوصاً في الأندية وقد باتت الاستثمارات في كل الأندية ترسم إشارات استفهام عريضة؟
والمتابع للحالة الاحترافية في الأندية يجد الكثير من الأسئلة التي تغيب إجاباتها الصريحة والمقنعة.
الاتحادات الرياضية تعزف كلها على وتر المال، وإذا كانت مقومات هذه الألعاب باتت مفقودة بدءاً من المال إلى النشاط إلى حسن الإدارة، فكيف ستتطور؟
وغياب معن أسعد عن بطولة آسيا (مثلاً) حرمنا من ميدالية مهمة، ولا أظن أنه من الحكمة أن يغيب عن مثل هذه البطولة من أجل بطولة أقل قيمة ومستوى، وهذا يدل على سوء تخطيط اتحاد اللعبة!
ولو بحثنا في واقع كل اتحاد رياضي لوجدنا العجب العجاب، وعلى سبيل المثال اختفى اتحاد البلياردو والسنوكر، ومثله القوس والنشاب والرماية والترياتلون والجمباز وألعاب القوى والسباحة وغيرها، بعضها مختف شكلاً ومضموناً، وبعضها الآخر يقيم نصف بطولة من باب رفع العتب.
من الاتحادات الناشطة جزئياً اتحاد الريشة الطائرة الذي يقتصر نشاطه على معسكر مفتوح للمنتخب مملوء بلاعبين من أبناء كوادر اللعبة المدعومين، أما النشاطات الأخرى فهي غائبة ولا داعي لإيقاظها من نومها.
جولة في اتحاد الريشة الطائرة كنموذج عن الألعاب المدعومة بقوة لنتبين من خلالها رياضتنا كيف تسير وإلى أين تسير؟
السالب والموجب
في الريشة الطائرة يمكن الحديث عن أمور كثيرة متعددة أكثرها سالب، أما الإيجابيات فهي قليلة جداً، والتصور العام أن اللعبة ما زالت غير متوازنة وكل الإجراءات المتخذة قاصرة عن إيجاد الحلول الناجعة لإعادة إطلاق اللعبة من جديد على أمل استعادة مكانتها في المحيطين الإقليمي والعربي.
وعندما نتابع البطولات المختلفة التي نظمتها مصر قبل أسبوعين تحت تسميات مختلفة وشارك بها حشد من الدول العربية والإفريقية والأوروبية، ولا تجد ريشتنا ضمن هذه الكوكبة نشعر بالأسف لأننا صرنا خارج هذه المنظومة وأن مثل هذه البطولات لا تليق بنا، ولم تغلق مصر باب المشاركة بوجه ريشتنا إنما اتحاد الريشة لم يفكر أصلاً بالمشاركة، والسبب المباشر كما قيل: ضعف السيولة المالية، لكن السبب الحقيقي هو ضعف الريشة الطائرة، فالمشاركة ستفضح المستور!
وعلى النقيض تماماً فإننا مع المشاركة مهما كانت النتائج لأن أي لعبة رياضية تحتاج إلى المشاركات الخارجية لتكتسب الخبرة ولتعرف أين وصلت على مرحلة الإعداد والجاهزية، وكما نعلم أن الريشة عسكرت في روسيا مدة ثلاثة أشهر وهي في معسكر مغلق منذ أكثر من شهرين، لكنها تخشى المشاركات، فتخلفت عن المشاركة في المتوسط وغيرها من البطولات وربما تنتظر مشاركة على قياسها حتى لا تخرج بخيبة أمل تفتح عليها الأبواب المغلقة، وتصبح الأسئلة المحيرة نافذة المفعول بحثاً عن إجابات صادقة لا يملك اتحاد اللعبة منها أي إجابة، لذلك فالهروب إلى الأمام هو الحل الأفضل وإغلاق باب المشاركة يغلق معه الكثير من الأسرار والخفايا.
حالة إيجابية
من باب العدالة علينا أن نذكر إيجابيات اللعبة لأننا منفتحون على الجميع، وعملنا الإعلامي لا ينصب فقط على السلبيات، بل هناك بعض الإشراقات التي يمكن الإشارة إليها من باب إحقاق الحق، وهذا لا يمنع من تدوين العديد من الملاحظات على مبدأ كشف العيوب والنواقص، وعندما تكشف (الوطن) العيب وتشير إلى الخطأ فهذا من أولويات العمل المهني وهو واجب مفروض علينا من الأمانة الملقاة على عاتق السلطة الرابعة، والغاية منه دائماً وأبداً معالجة هذا الخلل وتصويب أي قرار وصولاً إلى حالة إدارية وفنية أفضل على كل الصعد تكون قادرة على إعادة اللعبة إلى طريقها الصحيح وتنشيط المسابقات وفتح آفاق جديدة للعبة بعد أن هجرها أهلها من لاعبين وكوادر لفقدانهم أي أمل بهذه اللعبة، وقد تعنت أصحاب القرار فيها واحتفظوا لأنفسهم بكل موارد اللعبة وخصوصيتها وقراراتها لدرجة أنها تحولت إلى (عائلة الريشة) وليس اتحاد الريشة!
الإيجابي الذي يمكن الإشارة إليه أن اتحاد اللعبة استطاع أن يخصص صالته الرئيسية في مدينة الفيحاء لتكون مؤهلة للمعسكرات الداخلية من حيث توافر كل مقومات التدريب والإقامة، والإطعام في فندق الهدف القريب من الصالة، وهي حالة إيجابية امتدحتها لاعبة المنتخب سناء محمد محمود وقد وصفت المعسكر بالجيد فنياً وأن مسؤولية التدريب يتولاها ثلاثة مدربين إن غاب أحدهم لسبب ما، فلن تتعطل الخطة الفنية.
والمعسكر هذا معدّ للمشاركة في البطولة العربية وبطولة غرب آسيا التي تستضيفها الكويت بدءاً من الخامس من الشهر القادم.
الوجه الآخر
ومع ذلك يجب ألا نغفل الوجه الآخر من اللعبة وخصوصاً أن المعاناة تصدر عن أهل اللعبة ولابد هنا من الانتصار للعبة وليس للأشخاص والحكاية هنا طويلة، فالمتحدثون من اللاعبين والكوادر كثيرون، شيء من هذه الأحاديث موثق لدينا وشيء آخر مفضوح على صفحات الفيس بوك.
السلبية الأبرز والأخطر في لعبة الريشة الطائرة هي مفهوم الولاء، وهذا المفهوم سلبي جداً لأنه محصور بالأشخاص فقط وليس باللعبة أي إن الولاء يجب أن يكون للقائمين على اللعبة وأي اعتراض أو شيء من هذا القبيل سيجد اللاعب أو أي أحد من كوادر اللعبة نفسه خارج رحمة الاتحاد وكل نشاطاته وفعالياته، لذلك نجد الكثير من اللاعبين إما هجر اللعبة وإما اعتزلها مكرهاً، حتى المغادرون إلى البلاد الأوروبية والذين يمارسون اللعبة في أنديتها لا يأبه لهم اتحاد اللعبة ولا يفتح معهم قنوات الاتصال رغم ولائهم المطلق للوطن، إلا أن ولاءهم للقائمين على اللعبة ناقص ولدينا من الأمثلة في هذه النقطة كثير.
وعلى صعيد الكوادر فإن الحمل على بعض الكوادر كبير، ونجد أن بعضهم وخصوصاً الذين يحظون بالرضا مكلفون بمهام كثيرة تحتاج إلى جيش من الكوادر الفنية والإدارية والتنظيمية، بينما نجد بقية الكوادر على مقاعد المتفرجين وقد يكون السبب في ذلك أنهم عارضوا قراراً أو تصرفاً أو إنهم محسوبون على تيارات رياضية أخرى لا تتوافق مع تيار اتحاد اللعبة.
عملية إبعاد الكوادر عن اللعبة لا تندرج تحت بند التصرف الحسن، فأي مدرب أو حكم أو إداري قضى نصف عمره في اللعبة واكتسب منها الخبرة المطلوبة التي يمكن أن تستثمر لمصلحة اللعبة في مفاصلها المختلفة لكنها اليوم معطلة وكلما كان التناغم في هذا المجال كاملاً كان التكامل في اللعبة واضحاً.
وأصل المشاكل والخلافات هنا يعود إلى الظلم والاحتكار بآن معاً، فعندما يحتكر اتحاد اللعبة الفوائد (سفر، تعويضات، تعيينات، مهمات، تكليف..) لأشخاص دون أشخاص، حيث تجد أن أحدهم (مثلاً) عضو في الاتحاد وعضو في اللجان العليا ومدرب هنا ومدرب هناك، وإداري بمكان آخر، ورئيس بعثة، و.و.و.. وغيره من الكوادر على الهامش تبدأ الخلافات والاعتراضات والمشاكل، وأصول التعيينات هذه لا تستند إلى الكفاءة والخبرة ومفهوم التمايز بالعمل بقدر ما تستند إلى مفهوم الولاء الخاص وهو داء يصيب اللعبة بالشلل، وللأسف هذا الداء مستشر برياضتنا كلها وبكل مفاصلها، والاتحاد مطالب بالعمل على رأب الصدع في اتحاده من خلال الاستفادة من خبرة كل الكوادر عبر استقطابها في عملية إصلاحية من المفترض أن تحدث اليوم قبل الغد، وهذا أفضل من حالة التشظي الموجودة في اللعبة واحتكار المهام الإدارية والتنظيمية والفنية بعدد قليل من الكوادر من أصحاب الولاء الشخصي.
مرور الكرام
الكلام السابق يدفعنا للتساؤل الدائم ماذا حدث بعد معسكر قازان الذي كلف خزينة الدولة عشرات الآلاف من العملة الصعبة وقد استمعنا لشهادة العديد من اللاعبين عن سوء التدريب وسوء الإطعام والمخالفات التي ارتكبها رئيس البعثة، لكن كل ذلك لم يلق الآذان المصغية وتوقعنا أن يتم تشكيل لجنة تحقيق في الأمر أو أن الاتحاد ذاته يصدر بياناً حول هذا المعسكر، لكن لا حياة لمن تنادي لأن اتحاد اللعبة اعتاد ألا يتعامل إلا مع الإعلام الذي يصفق له!
وربما هذا الأمر يفتح الكثير من الأبواب المغلقة التي لا يريد أحد فتحها وفي طليعتها موضوع المساعدات المالية والعينية والتجهيزات التي تصل من الاتحادات الإقليمية والدولية والتي يسأل عن مصيرها أبناء اللعبة، فكيف يصرف المال ولمن يتم توزيع التجهيزات؟ وهذه الأسئلة التي وصلتنا نضعها على طاولة اتحاد اللعبة ليجيب من يسأل عنها عبر الأطر الرسمية.
ابن سام
الجميع يعلم بما لا يدع مجالاً للشك أن اتحاد الريشة الطائرة من الاتحادات الرياضية المدعومة التي تنعم بحظ وافر من التسهيلات فضلاً عن أن الاتحاد بعيد عن المحاسبة والمساءلة، وهذا الأمر يجب أن يستثمر لمصلحة اللعبة في دعم اللعبة فنياً بشكل أكثر فاعلية من ذي قبل، وإشارات الاستفهام التي رفعها مدربو ولاعبو اللعبة عن المدرب الأجنبي الذي مكث ثلاثة أشهر في ديارنا وكلف الاتحاد العير والنفير وتبين للجميع أن وجوده كان للسياحة والاستجمام لأن مستواه الفني ضعيف جداً وأقل بكثير من مستوى مدربينا، وربما تم التعاقد معه لرفع مستوى الـ207 الخاص به، والكذبة التي مرت على الجميع أنه ابن المحاضر العالمي الماليزي سام، فلا يكفي أن يكون ابنه ليكون مدرباً ناجحاً ومحترفاً! ربما هذه الحالة تضاف إلى خانة سلبيات اتحاد اللعبة وتندرج أيضاً تحت بند هدر المال العام.
من الأشياء الإيجابية التي ذكرناها موضوع معسكر المنتخب الحالي، لكن موضوع النشاطات يمكن الوقوف عنده مطولاً، فالنشاطات باتت معدومة، وربما اتحاد اللعبة لا يملك روزنامة لذلك!
قد يكون كل هذا الاستعراض (وهو موثق لدينا) غير مهم للقائمين على اللعبة وغيرهم، لكنها منتهى الأمانة الصحفية نستودعها عند أصحاب الشأن، وإذا كانت جولتنا اليوم مع الريشة الطائرة، فلنا جولات قادمة مع اتحادات أخرى.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن