| هيام القصيفي
إلغاء زيارة الوفد الوزاري الى سوريا لا تلغي مفاعيل الخطوة الناقصة، بالمعنى السياسي، لوضع ملف الترسيم البحري معها على طاولة مكشوفة أممياً، ربطاً بالقرار 1860. كيف يمكن لسوريا وحزب الله القبول حالياً بالترسيم البحري؟
ولفت القرار الدولي الى طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري عام 2006 وشارك فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. حينها، أخذ موضوع الترسيم مع سوريا التي كان جيشها قد خرج من لبنان عام 2005، حيّزاً كبيراً من النقاش بين الأفرقاء اللبنانيين المنقسمين بين 8 و14 آذار، وجرى حوار مستفيض حول الخلاف على اعتماد كلمة ترسيم أو تحديد الحدود. وقد نفى نصر الله لاحقاً حصول «إجماع وطني على طاولة الحوار حول الترسيم مع سوريا»، فيما ردّ عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط آنذاك، مؤكداً الإجماع على موضوع الترسيم وإصرار نصر الله على كلمة «تحديد» بدل ترسيم. ورغم أن الهدف حينها كان التصويب على موضوع مزارع شبعا في موضوع الترسيم، ربطاً بسلاح حزب الله وعمل المقاومة، إلا أن المعنى الذي دعت إليه قوى 14 آذار شمل الترسيم البري كاملاً كتأكيد على سيادة لبنان واستقلاله، وقد جرت مطالبات عدة آنذاك بتوسيع مهمة القوات الدولية لتشمل الحدود البرية. فيما تحدث قرار الأمم المتحدة، في شكل عام، عن كامل الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها مع سوريا، بما في ذلك شبعا والحدود البرية الشمالية والجنوبية والبحرية الشمالية.
من هنا أتى استعجال العهد لفتح ملف الترسيم البحري مع سوريا وتحديد الزيارة الوزارية قبل يوم واحد من توقيع الاتفاق في صورة غير مباشرة مع إسرائيل، ليثير «نقزة» لدى سوريا وحزب الله على السواء، في ما اعتبر خطوة ناقصة بالمعنى السياسي المباشر. فالعهد أو من تحمس من أركانه لاستثمار الترسيم البحري مع إسرائيل، لم يتعامل مع أبعاد المشكلة مع سوريا بالحد الجدي، بل انجرف في الحماسة لتحقيق إنجاز قبل نهاية العهد، من دون الأخذ في الحسبان الى أيّ حدّ هذا الملف شائك وما يعنيه لسوريا واحتمال توسع المطالبة به برياً، ولم يدرس الفريق المعني بعمق ارتداد هذه الخطوة سياسياً على سوريا والحزب، بما هو أبعد من تقنيات الترسيم المطروح منذ سنوات وجرت إشكالات تقنية ودبلوماسية حوله بين دمشق وبيروت. فأيّ وضع للملف على طاولة البحث، حتى لو كان الأمر يتعلق بخطوات ضرورية لاستكمال الترسيم مع قبرص، سيفتح الباب واسعاً أمام تحويل ملف الحدود برمّته من مزارع شبعا حتى البحر الشمالي أمام المجتمع الدولي.
لبنان الذي فصل الترسيم البري عن البحري مع إسرائيل قد يقع تحت ضغط داخلي لتكامل الترسيمين مع سوريا
وهذا الأمر ليس في مصلحة سوريا ولا حزب الله. كما أن أيّ ربط بين الترسيم مع إسرائيل والترسيم مع سوريا لا تنظر إليه الأخيرة بعين الرضى، لأنّ فيه اختلافات جذرية، ولا سيما أن لبنان الذي فصل الترسيم البري عن البحري قد يقع تحت ضغط داخلي لتكامل الترسيمين مع سوريا. لذلك من الصعب تصوّر موافقة دمشق على خطوة من هذا النوع، تعيد رقابة المجتمع الدولي الى خطوات يمكن أن تتخذها مع لبنان، ومن دون جدول أعمال واضح، ونزع كل الألغام أمامه، قياساً الى رؤية سوريا وموقف حزب الله. وإذا كان الترسيم مع إسرائيل له أبعاده الإقليمية والدولية، وله ظروفه المختلفة في حسابات الربح والخسارة، إلا أنه تمّ برعاية دولية وأميركية وفرنسية. فكيف يمكن تصوّر خطوة ثنائية في موضوع شائك الى هذا الحد؟ وأيّ خطوة ناقصة في العلاقة مع سوريا لها محاذيرها المحلية والإقليمية، وتضع حزب الله أمام مقاربة لملف غير مناسب لا شكلاً ولا مضموناً، وتفتح الباب أمام تصعيد داخلي وتعيد تسخين النقاش في توقيت غير ملائم. فالجميع في غنى عن أيّ تصعيد، وخصوصاً إذا كانت الرؤية بين حلفاء حزب الله أنفسهم مختلفة في مقاربة ملف الترسيم من شبعا الى البحر.