| د. سعـد بساطـة
تتناول وسائل الإعـلام كلها استقالة رئيسة وزراء بريطانيا (التي كانت «عـظمى»)؛ بعـد مرور (44) يوماً فقط عـلى توليها المنصب! فقد اعـترفت أنها ارتكبت أخطاء؛ ولم تنجح بخطة لخروج بلدها من أزماته الاقتصادية؛ ووصلت إلى حارة مغلقة (Closed alley)!
ولاشك أن الشجاعـة تقتضي ترك المنصب إذا شعـر صاحبه أنه فاشل بأداء مهمته، ، فليست مقادير المواطن حقلاً للتجريب؛ ولا هو وعـائلته فئران تجارب.
حديثنا ليس اجتماعـياً كما قد يبدو لأول وهلة؛ ولا فلسفة وتحليل للمواقف؛ ولا يتعـرّض لأخلاقيات المهنة؛ بل هو اقتصادي صرف.. كما سنرى!
الأمثلة كثيرة عـن أناس وعـدوا بحلول سحرية للأزمات (وهم في غـرف مكاتبهم المريحة)؛ ولما استلموا مقاليد مهامهم فوجئوا بحجم المسؤولية العـويصة!
ولكن في الحياة الواقعـية: ليست الأمور بهذه البساطة!
بلدنا يتعـرّض لأزمات اقتصادية ألخصها في أهم نقاط: العـقوبات الأميركية الجائرة؛ الندرة في المواد؛ الاحتكار؛ عـدم تناسب الدخل مع الأسعـار؛ عـدم تناسب عـقلية بعـض الإدارات مع منطق القرن (21)؛ وفساد بعـض المفاصل الرقابية.
ولطالما تصدّى مديرون وغـيرهم بحلول وهمية عـلى الورق؛ ولما انبروا للتنفيذ؛ وجدوا أن حساب السوق لا ينطبق عـلى الصندوق. لكن لم نجد أحدً هزته النخوة للتقدّم بالاستقالة عـندما يفشل بأداء مهمته؛ بل هنالك دائماً «شماّعـة» جاهزة لتبرير الفشل…. كيف؟ لن أجيب سوى بوصف كاريكاتير بصحيفة مصرية: حيث الولد يحضر للبيت دستة بيض؛ ويقول أمام والديه المدهوشين «أسعـاره تضاعـفت لأن الروس قصفوا – كييف- »!
بعـض المديرين يفاجأ بتحسـّن ملحوظ بأداء الشركة بعـد استقالته؛ «يا ترى العـذر كان من مين؟!»
مهاتير محمد كان معجباً بنهضة بلادنا – في الستينيات-؛ واستطاع ضمن ظروف صعـبة؛ أن ينهض بماليزيا من دولة مصدّرة للمواد الخام (دون قيمة مضافة تذكر) إلى بلد مفعـم بالتقانة؛ ولديه صناعـات الكترونية متطورة؛ تقتحم تنافسية العـالم الشرسة في القرن (21). وأذكر أنه شارك في مؤتمر عـن الديـن والشريعـة؛ ولما أتى دوره للخطاب؛ تحدث عـن الإنتاجية والجودة بقصد التصدير… ولما عـاتبوه أنه لم يتطرّق إلى الدين؛ قال بهدوء: «إنما عـن الديـن كنت أتحدث».
لن نحتاج لمهاتير محمد ببلادنا؛ فلو أتيح المجال؛ فلدينا مئات مثله؛ ولكن الشخص المسؤول: مديراً كان أم رئيس قسم؛ يحتاج إلى:
– فريق عـمل منسجم؛ لا أن يبني؛ ويتكفـّل غـيره بالهدم.
– مناخ مناسب من حيث التشريعـات.
– أن يتحوّل للتنفيذ ما يجده مناسباً بمؤسسته؛ فلا رأي لمن لا يـُطاع!
– وأن يكون في خاتمة المطاف: حساب، إما عـقاب أو ثواب (لا أن يترك الحبل عـلى غاربه).
للخروج من الجو القاتم؛ دعـونا نر مصيبة الغـير: مدير في عـمله جاءه سكرتيره قائلاً: «أرباحنا هبطت 6%؛ وخسرنا المناقصة الأخيرة؛ ما يدعـو لتسريح ربع العـمال؛ ونائبك تقدم باستقالته؛ واتصلت زوجتك قائلة إنها سترفع دعـوى طلاق وستترك البيت للأبد مصطحبة الأطفال؛ ورئيس مجلس الإدارة يريد رؤيتك.. وهو غـاضب للغـاية».. احتج المدير مرغـياً ومزبداً «ليس عـندك إلا أخبار السلبية.. أليس هنالك من نبأ إيجابي؟» أجاب: «بلى؛ تبيـّن أن تحليلك للإيدز إيجابي»..!
سيرياهوم نيوز3 – الوطن