آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الروسفوبيا _ سر العداء البريطاني لروسيا….(1)

الروسفوبيا _ سر العداء البريطاني لروسيا….(1)

 

باسل علي الخطيب

 

في عام 1945 و مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وضع الجيش البريطاني بأوامر ونستون تشرشل رئيس الوزراء آنذاك خطة لمهاجمة الاتحاد السوفييتي، حملت الخطة اسم

( العملية التي لا تخطر على البال – unthinkable operation)…..

الخطة تضمنت إقناع الرئيس الامريكي آنذاك هنري ترومان، استعمال الأسلحة النووية ضد الاتحاد السوفييتي، تلك الأسلحة التي كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تمتلكها حينها، لحسن الحظ خسر وينستون تشرشل انتخابات عام 1945 و تجنب العالم الحرب العالمية الثالثة…..

و عندما عاد تشرشل و ربح انتخابات عام 1950، صارت مهاجمة الاتحاد السوفييتي مستحيلة، لانه صار قوة نووية بعد امتلاكهم السلاح النووي عام 1949….

 

لا يخفى على أحد أن بريطانيا تبدو و كانها تتزعم جبهة الحرب على روسيا، و الدلائل على ذلك كثيرة، الدعم العسكري الاقتصادي المالي الاستخباراتي اللامحدود الذي تقدمه لكييف، بريطانيا هي كانت السباقة في فرض أشد العقوبات على روسيا، بريطانيا و على لسان وزير خارجيتها السابقة ليزا تروس شجعت ودعمت تطوع المرتزقة في القتال إلى جانب النازيين الأوكران، بل أن تروس حضت البريطانيين على الذهاب للقتال، على فكرة عديد المرتزقة المقاتلين هناك إلى جانب النازيين وصل إلى قرابة 30 ألف مقاتل حسب بعض التقارير الغربية، يشكل البريطانيون بينهم النسبة الأكبر، حيث يبلغ عددهم قرابة 4800 مرتزق….

مما يجدر ذكره في هذا السياق، أن الفيلق الاجنبي المشارك في الحرب الاوكرانية، ويقصد به المقاتلين الاجانب هو الثالث في التاريخ من حيث العدد، بعد سوريا والحرب الأهلية الإسبانية…..

هؤلاء ليسوا أشخاصاً عاديين، جميعم جنود سابقين محترفين، و يشكلون جزءاً مهماً من القوة القتالية الأوكرانية…

أضف إلى ذلك هناك دلائل عملياتية كثيرة و مهمة على الانخراط البريطاني الكبير في الحرب، العدد الأكبر من الخبراء و ضباط الاستخبارات و المستشارين الذين يعملون مع الأوكران هم من البريطانيين….

هؤلاء على فكرة عن من يخطط و يقود المعارك، على سبيل المثال، تفجير نوردستورم، تفجير جسر القرم، إغراق الطراد موسكوفا، الهجوم على أسطول البحر الأسود في سيفاستوبل…

الاستراتيجية البريطانية فيما خص الحرب في أوكرانيا تنطلق من القناعة التالية: أنها تعتبر هذه الحرب فرصة لن تتكرر للقضاء على روسيا….

 

ترى ما سر هذا العداء البريطاني الفج لروسيا؟ …

يمكن القول أن بريطانيا و روسيا متشابهتان من الناحية الجيوسياسية، فكلاهما تقعان أقصى القارة الأوروربية، بريطانيا أقصى الغرب، و روسيا أقصى الشرق، الدولتان لا تنتميان بالكامل إلى أوروبا جغرافياً، 80% من مساحة روسيا تقع في أسيا، بريطانيا لا تنتمي إلى البر الأوربي، هذه الحقائق الجغرافية فرضت سطوتها على سياسات البلدين تاريخياً……..

( جينياً) الدولتان هما النموذج الأمثل للأمبراطورية العالمية.

الجغرافيا السياسية فرضت على موسكو و لندن التفكير بمجال حيوي أكبر من مجرد القارة الأوروبية….

كان من الثوابت الاستراتيجية للسياسة البريطانية عدم ظهور قوة عظمى وحيدة في البر الأوروبي تسيطر على القارة، وقع الكثير من المحللين في الخطأ أن هذا أيضاً من الثوابت الاستراتيجية الروسية، و على أساس هذا التحليل الخاطئ بنوا استنتاجاتهم أنه و للمفارقة التاريخية روسيا و بريطانيا تحالفتا في الحروب ضد أعداء مشتركين أكثر من أن يكونا قد تحاربا، هكذا حصل في الحروب مع نابليون 1801 _ 1815، و في الحرب العالمية الأولى 1914 _ 1918، و في الحرب العالمية الثانية 1939 _ 1945….

التحليل أعلاه تحليل سطحي، و بالتالي مخرجاته خاطئة بالمطلق، ظاهر الأمر أن روسيا و بريطانيا في تلك الحروب كانوا يواجهون عدواً مشتركاً كل مرة، أما الحقيقة فغير ذلك بالمطلق…

 

من حيث المبدأ، القضاء الحيوي لروسيا في أوروبا يتوقف عند حدود بولونيا، عند حدود الدولة التي يمثل فيها العرق السلافي الأغلبية، كلا، لم يكن لروسيا مصلحة في عدم قيام قوة عظمى في وسط أوروبا، ألمانيا أو فرنسا، بل بالعكس، أن وجود هكذا قوة عظمى سيوازن وجود بريطانيا العظمى و يشاغلها، يلهي بريطانيا نفسها عن روسيا و الاضرار بمصالحها، و يجعل بريطانيا في حاجة دائماً لروسيا، تجدر الإشارة أنه وحتى تاريخه، كانت أفضل علاقات روسيا الأوروبية مع ألمانيا وفرنسا….

 

من نافلة القول أن العقل الانجلوساكسون قد يكون أدهى العقول و أكثرها براغماتية على مر التاريخ، العقلية الأنجلوساكسونية رأت في روسيا و منذ بدايات نهوضها أواسط القرن السابع عشر أيام حكم إيفان الرهيب، أنها ستكون المنافس المحتمل الأخطر للإمبراطورية البريطانية… على مدى ثلاثة قرون و نصف سعت بريطانيا لتقويض روسيا و منع نهوضها و إشغالها و استنزافها في الكثير من الحروب، أغلب الحروب التي خاضتها روسيا فرضت عليها، و كانت خيار الاجبار و ليست خيار الاختيار، وصولاً إلى الحرب الحالية…

 

خلال الحروب الروسية – التركية و التي بلغ عددها 17 حرباً، كانت بريطانيا المحرض الرئيس لهذه الحروب، كانت تدفع السلطنة العثمانية لخوض هذه الحروب مع روسيا، على فكرة روسيا ربحت كل هذه الحروب إلا واحدة…

كانت الغاية الأساسية لبريطانيا من هذه الحروب، منع وصول روسيا إلى البحر الأسود و السيطرة على موانئ فيه، لأن ذلك يعني انطلاقها إلى فضاء جيوسياسي أرحب، و قد اشتركت بريطانيا في أحد هذه الحروب بشكل مباشر و هي حرب القرم 1854….ويمكن كتابة مجلدات عن خفايا الحروب التركية – الروسية، و كيف كانت بريطانيا عبر أدواتها المتغلغلة ضمن دوائر الحكم في الأستانة، تدفع تركيا للحرب، كلما استشعرت بريطانيا نهوضاً أو طموحاً جيوسياسياً روسياً…

 

مما يجدر ذكره من هذا السياق، أن بريطانيا كان بإمكانها في مطلع القرن التاسع تقويض الإمبراطورية العثمانية، و قد بلغت الإمبراطورية العثمانية آنذاك من الضعف درجة كبيرة، لكنها أبقت عليها لتستثمر وجودها في تحقيق مصالحاً أكبر لبريطانيا….والامثلة على ذلك كثيرة،

عندما تمكنت جيوش محمد علي حاكم مصر بقيادة ابنه إبراهيم باشا من هزيمة العثمانيين هزيمة ساحقة في معركة نصيبين عام 1839, خلال الحرب المصرية – العثمانية الثانية، و كاد يصل بحيشه إلى الأستانة، و يقضي على السلطة العثمانية، لكن بريطانيا تدخلت بكل قوتها و منعت حدوث ذلك…..

 

 

 

قد تكون من أكثر الأسئلة الكبرى العالقة في التاريخ سؤالان اثنان، لماذا غزا نابليون روسيا عام 1812؟

لماذا استثمر نابليون فائض القوة الهائل الذي كان لديه آنذاك في مهاجمة دولة لم تكن تشكل أي خطر ولو صغير على امبراطوريته؟

يتبع

(سيرياهوم نيوز-خاص بالموقع12-11-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حرب النقاط…

  باسل علي الخطيب نعم، هذه الحرب لا تربح بالضربة القاضية، هذه حرب النقاط… على فكرة هذه هي المدرسة السورية في إدارة الصراع مع الكيان ...