آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » بين كثبان الصحراء الإفريقية وضياع النفوذ: لماذا مرت الهزيمة الفرنسية بصمت؟

بين كثبان الصحراء الإفريقية وضياع النفوذ: لماذا مرت الهزيمة الفرنسية بصمت؟

| فراس عزيز ديب

بينما انشغلَ العالم بالانسحابِ الروسي من «خيرسون» لبناءِ التحليلات العاطفية عن الهزيمة الروسية في هذا الإقليم، مروراً بفشلِ أي من الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة حتى الآن بحسمِ نتائج انتخابات التجديد النصفي، وصولاً إلى قمةِ المناخ التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة والتي أثبتت أن معظم الدول العربية هي خارج مناخات الشعور بالخطر الاقتصادي الذي يداهمها لتبحث عن انتصاراتٍ إعلامية وصور بروتوكولية، مرَّ مرورَ الكرام خطابَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي أعلن فيهِ انتهاءَ مهمة قوة «برخان» التي أوكل إليها مهمة ملاحقة الإرهابيين في الساحل الإفريقي بادعاءِ إعادة رسم إستراتيجية جديدة للمهمة بالتشارك مع دول المنطقة والحلفاء، ربما لأنها إفريقية حيث القارة المنهوبة، لم يكترث أحد لهذا القرار، وربما لم يكترث أحد أساساً إن كان هناك إرهابيون أم لا لكن ما يجب الاكتراث إليه حقاً هل أن فرنسا أدت مهمتها وحققت الأهداف التي وضعتها الخارجية الفرنسية التي اعتبرت هذه الحرب حربها التي ستدعم النفوذ الفرنسي في تلك المنطقة، أم إن القرار أشبه بإخفاءِ شمس الحقيقة بالغربال؟!

مطلع العام 2013 لبَّى الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند ما وصفهُ يومها الإعلام الفرنسي بـ«نداء الاستغاثة» الذي وجههُ الرئيس المالي ديونكوندا تراوري بعد الحرب الأهلية التي ضربت هذا البلد وأدت لسيطرة ما يسمى بـحركتي «أنصار الدين» و«التوحيد والجهاد» على مناطق شاسعة من البلاد، يومها كان الحديث عن «مكافحة الإرهاب» أو حتى وقف تمدد التنظيمات الإسلامية يلقى تعاطُفاً شعبياً ورسمياً لا جِدَال فيه، تحديداً أن تنظيم الدولة في العراق والشام كان ينشَط في كل من ليبيا وسورية والعراق، وجرائمه تُبث عبر قنواتٍ إعلامية مباشرةً، نجح هولاند بلعبِ هذه الورقة لكنهُ بذات الوقت خسرَ ورقة الحلفاء عندما تُركَ وحيداً في الصحراء الإفريقية فألمانيا امتنعت وإيطاليا شاركت بخجل، أما الولايات المتحدة فهي أدرى بإدارة اللعبة عندما يكون الأمر مرتبطاً بالتنظيمات الإرهابية، بل ربما تكون قد طبقت ذات السيناريو الذي طبقتهُ في العراق مع سيطرة داعش على مقرات الجيش العراقي وحصولها على السلاح الأميركي ما يعني تبريراً إعلامياً لتسليح هذه التنظيمات، لكن هذا لا يعني بأن فرنسا لم تكن شريكة بتغذيةِ أفعى الإرهاب ومن ثم ادعاءَ محاربتها، هذا الكلام ليس للاستهلاك الإعلامي لكنهُ يستنِد إلى العديدِ من التقاطعات:

أولاً: بما يتعلق بحركة أنصار الدين فإن مؤسسها الحقيقي إياد آغ غالي، كان موجوداً في ليبيا وتحديداً في العاصمة طرابلس وكان من بين الذين قاتَلوا ضد الجيش الليبي حتى سقوط حكم الزعيم الراحل معمر القذافي، وكانت عودته من ليبيا إلى مالي برفقة عددٍ كبير من المقاتلين الراديكاليين بهدف استنساخ السيناريو الليبي في مالي من سيطرة للإسلاميين على مفاصل الدولة، هذا يعني بأنه كان على تواصلٍ مع «الثوار» الليبيين الذين دعمتهم فرنسا، هذا يعني بأن مَن خرج هولاند ليقاتلهم في مالي هم ذاتهم الذين رقصوا مع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في العاصمة طرابلس على أنغامِ «جيش محمد سوف يعود»، فرحاً بمقتل العقيد القذافي.

ثانياً: حركة التوحيد والجهاد، وهي حركة منشقة عن تنظيم القاعدة في المغرب العربي لكن اللافت أن هذه الحركة كانت على تواصل مباشر مع القيادي الإخواني حالياً والقاعدي سابقاً المقيم في قطر عبد الحكيم بلحاج الذي شارك بالجهاد في أفغانستان واعتُقل في غوانتانامو وخرجَ بوساطةٍ من المقبور يوسف القرضاوي ومشيخة قطر، ومع سقوط باب العزيزية أصبح بلحاج قائداً للمجلس العسكري في طرابلس برعايةٍ فرنسية لكونها القوة الأكبر يومها في قوات الناتو المشاركة بالإطاحة بنظام القذافي، وهو كما شقيقه بالإرهاب المهدي حاراتي، تورط بنقل إرهابيين وعتاد إلى سورية بعد اندلاع الأحداث فيها وتحديداً إلى ريف إدلب، اللافت يومها أن فرنسا ذات نفسها هي من كانت الداعم الأول لإرهابيي الشمال السوري عندما سقطت خان العسل!

هذا جزء يسير مما يمكن إيراده هنا عن بدهية أن الغرب من دون استثناء يتعاطى مع التنظيمات الإرهابية والشخصيات التي تُعتبر مرجعاً للفكر الراديكالي باتجاهين، اتجاه يصفهم بالمعارضة عندما يكون الهدف دولة خارج نفوذهم بهدف وضع اليد على قرارها السيادي، واتجاه يصفهم بالإرهابيين لذات الأسباب لكن لتسويغ التدخل العسكري، هذا يعني بأن فرنسا عملياًإما أنها كانت تقاتل الوهم أو أنها كانت تقاتل من رقصت معهم ودعمتهم ومولتهم، وفي الحالتين يبدو بأن الجانب الفرنسي يخرُج من منطقة الساحل بطريقة لا يحبذها، لأن معالم الهزيمة هناك بدَت واضحة مهما طغى خطاب الانتصارات الوهمية فكيف ذلك؟

أولاً: في العام 2019 نشرت مجلة «جون أفريك» تقريراً بعنوان «فلتسقط فرنسا.. فلترحل عملية سرفال»، هذا التقرير حدَّد يومها ملامح الهزيمة التي تتعرض لها فرنسا تدريجياً في الساحل الإفريقي مع التذكير هنا أن «سرفال» هو أول اسم أطلق على العملية عندما تدخلت فرنسا في مالي، فالقضية لم تكُن مجرد خسارةٍ في الجنود أو العتاد حيث أن ما تعرضت لهُ القوات الفرنسية من خسائر يبدو ضئيلاً قياساً بعدد سنوات الحرب هناك، القضية الأهم كانت خسارة في مكانة فرنسا لدى الدول الإفريقية تحديداً بعد تصاعد المظاهرات المعادية للوجود الفرنسي هناك والذي بات متَّهماً من الحالة الشعبية الغاضبة بأن الهدف منه رعاية الفوضى وليسَ إحلال الهدوء أو السلم، في سياقٍ آخر وفي الوقت الذي يرى فيهِ البعض بأن فرنسا ورغم تعاطيها مع القارة كحديقةٍ خلفية ترعاها فكرة الفرانكوفونية إلا أن النظرة لماضيها الاستعماري لم تتبدل، هذا الأمر دفعَ بالكثير من الدول نحو تغيير في البوصلة كالسماح بالتمدد الصيني والتركي وحالياً الروسي كما يحدث حالياً مع المجلس العسكري المالي الذي طالب القوات الفرنسية بالخروج واتهمها بصبِّ الزيت على النار فيما اتهمته فرنسا بالتبعية لروسيا، هذه التراكمات في حسابات الربح والخسارة تبدو مؤلمة للفرنسيين أكثر منها للأفارقة وهذا ما حدث.

ثانياً: المهمة المستحيلة، هذا هو الحال الذي خلصَ إليه الكثير ممن عملوا في حقول النفط واليورانيوم في تلك المناطق الحدودية، بالنسبةِ لهم لا يوجد شيء اسمهُ محاربة الإرهاب هناك، لأنك ستضيع في صحراءٍ يُتقن أهلها الهروب بين كثبانها، بالنسبةِ لهم لا العدة ولا العدد كانت بهدف خوض الحرب بل كانت بهدف تأمين المرافق الحيوية لا أكثر على الطريقة الأميركية في حقول «الرميلان» و«حقل عمر» في الجزيرة السورية، بل هناك من يذهب أبعدَ من ذلك بالقول إن ماكرون أرادَ فعلياً التخلص من هذا الإرث منتصفَ ولايتهِ السابقة لكن هناك من نصحهُ بالتريث حتى لا يُعطي اليمين المتطرف انتصاراً مجانياً تحديداً أن المنافسة السابقة في الانتخابات الرئاسية مارين لوبين كانت قد أعلنت صراحةً في شباط الماضي تأييدها لخروج القوات الفرنسية من مالي بأي ثمن بل وطالبت بطرد السفير المالي من فرنسا بعد قيام المجلس العسكري في مالي بطرد السفير الفرنسي لتكتشف بعدها بأنه ما من مبعوث دبلوماسي لمالي في باريس منذ عامين!

ثالثاً: الأزمة الاقتصادية إذ لم يعد خَافياً على أحد أن الدول الأوروبية باتت في وضعٍ لا تحسد عليه اقتصادياً، ضبط النفقات العامة وصلَ حتى إلى التوفير بوضع الزينة الخاصة بشهر الميلاد في الشوارع العامة، ضغط النفقات بات يهدد المجتمعات الأوروبية من دون استثناء تحديداً أن فرنسا تُركت وحيدة في هذه العملية وهذا ما يعيدنا لجوهر الأمر.

عوامل كثيرة سرَّعت الخروج العسكري الفرنسي من الساحل الإفريقي بطريقةٍ أشبهَ بالهزيمة تحديداً أن خطر التنظيمات الإرهابية هناك لم يتزحزح، بل تُركت الفوضى لأهل المنطقة كي يلموا أشواكها، لكن الأكثر إيلاماً الذي قد ينتظر فرنسا هو الخروج الاقتصادي والاجتماعي من هناك مع التذكير بأن دولاً كثيرة باتت جاهزة لملء الفراغ في هذهِ القارة، هزيمة مرَّت بصمت لأن النيات من الأساس لم تكن صادقة، سنقف جميعاً مع أي جهد فعلي من أي دولةٍ كان بهدف محاربة الإرهاب لكن في الأساس لا يمكن لكَ أن تحارب شيئاً كنت ولا تزال ترفض تعريفه، عندها ستتحول كما غيرك إلى مقامر بأرواح الأبرياء لا أكثر!

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قيادي بحركة “حماس”: لا صفقة تبادل مع إسرائيل دون وقف الحرب على غزة وهناك اتصالات لتحريك المفاوضات ونتنياهو العقبة

قال القيادي في حركة “حماس”، خليل الحية، إن اتصالات تجري حاليا لتحريك ملف المفاوضات، مؤكدا أن الحركة تبدي مرونة تجاه ذلك، وأنه لا صفقة تبادل ...