رشا عيسى:
يتجه وضع الغابات الحراجية إلى الاستقرار، بعد أن منيت تلك الباسقات في الشريط الساحلي بنكبة كبيرة مع اندلاع حرائق عام 2020، ليؤكد خبراء الحراج والباحثون الزراعيون أن الغابات تحتاج 25 عاماً لترمم نفسها سواء طبيعياً أو بتدخل بشري مشروط بالظروف الملائمة التي إن تخلخلت أدت إلى المزيد من السنوات والتي تفوق الـ25 عاماً وهي المدة العلمية للتجديد.
ورغم أن الوضع في طور الاستقرار، لاتزال الغابات الحراجية في قلب النار لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى مرتبطة بشكل وثيق بارتفاع أسعار المحروقات وتقليص توزيعها، ما يعني استمرار التعديات، في وقت وصل فيه مشروع قانون الحراج الجديد إلى خواتيمه ويحمل تغيرات جذرية بخصوص التشدد بالعقوبات و التعامل مع المواقع المحروقة، وإشراك المجتمع المحلي في عمليات الإدارة والتنظيم مع الرفض الشديد لاقتطاع مساحة من الحراج لزراعتها بالزراعات الموسمية أو غيرها، لأن المساعي تنصب نحو الحفاظ على هذه الثروة الوطنية لا الاجتزاء منها.
الحراج (تتنفس الصعداء)
مدير الحراج في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الدكتور علي ثابت أكد لـ( تشرين)، أن الحراج في سورية تسير نحو التحسن بعد الانتكاسة التي تعرضت لها بفعل سنوات الحرب الإر*ها*بية وما نجم عنها من تعديات وحرائق طالت مساحات كبيرة منها خلال العام 2020 وأثرت في وضع ونوعية وتوزع وكثافة الغطاء النباتي، إضافة إلى التعديات التي نتجت عن اعتماد الناس على الأحطاب في التدفئة عن المحروقات.
وبعد حرائق العام 2020 وحتى تاريخه، انخفض عدد الحرائق وبدأ الغطاء النباتي يستعيد عافيته رويداً رويداً، تزامناً مع اتخاذ مجموعة إجراءات صارمة لحمايته ومنع الاقتراب من المساحات المحروقة، أو إزالة الأشجار المحروقة أو قطعها وإبقائها ضمن الموقع لدورها في حماية التربة من الانجراف وصيانتها والمحافظة على الوحدات التكاثرية ضمنها.
يوضح ثابت أنه بعد مرور سنتين على الحرائق، لاحظنا من خلال الجولات الميدانية، استعادة سريعة للغطاء النباتي وتجدده سواء بذرياً أو من خلال الإخلاف، ويتجلى دور المعنيين بالحراج في المراقبة، وفي حال وجود ضرورة التدخل يتم العمل مباشرة، وإن لم نجد ضرورة نترك الطبيعة تأخذ مسارها ودورها حتى تتم استعادة النظام البيئي الذي كان سائداً قبل اندلاع الحرائق.
القانون الجديد
يشق مشروع قانون الحراج الجديد طريقه نحو الصيغة النهائية ويحمل العديد من النقاط الجديدة سواء من ناحية تعديل العقوبات وطريقة التعامل مع المواقع المحروقة وإشراك المجتمع المحلي في عمليات الإدارة والتنظيم وغيرها. ويبين ثابت أن القانون المقترح يحمل الكثير من التغيير وخاصة من ناحية التشدد بالعقوبات والتخصص فيها.
مضيفاً أن مسودة مقترح مشروع القانون الجديد شبه جاهزة، ويتم العمل حالياً على التعليمات التنفيذية التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة، حيث يشدد القانون الجديد في مسألة العقوبات التي تتضمن السجن والغرامات المالية، وعليه أصبح لكل جرم عقوبة خاصة، بينما الوضع القانوني السابق كان يشمل سلسلة مخالفات لها العقوبة نفسها.
كما يتضمن مقترح القانون الجديد طريقة وآلية التعامل مع المناطق المحروقة والآليات الواجب اتباعها حتى تتم استعادة النظام البيئي وتجنب التعديات.
واستبعد مدير الحراج بشكل كامل إمكانية توزيع مساحات محددة من الغابات المحروقة للأهالي المجاورين لها أو لعوائل الشهداء أو حتى لمهندسين زراعيين بغية زراعتها وتحويلها إلى أراض منتجة، والسبب وراء هذا الرفض الذي يدعمه القانون يوضح ثابت أن المساعي تنصب نحو التوسع في مساحة الحراج، لا أن يتم الاجتزاء منها، مؤكداً أن مساحة العقارات الحراجية حالياً لا تزيد على 3% من مساحة سورية.
وأشار ثابت إلى أن القانون الجديد يضمن إشراك المجتمع المحلي في عمليات إدارة وتنظيم الغابات بما فيها عمليات التحريج والتقليم وأي عمليات أخرى مرتبطة بتطوير المواقع الحراجية بما فيها الحماية والمكافحة وبشكل مأجور وبالتالي تحقيق فائدة مادية للمجتمعات المجاورة للغابات الحراجية من خلال اعتماد مبدأ النهج التشاركي لإشراك المجتمع المحلي الموجود بجوار الغابات.
خطط التحريج
أكد ثابت وجود خطة سنوية للتحريج الاصطناعي وخطة لإنتاج الغراس الحراجية، حيث يتم التدخل في المناطق المحروقة حسب شدة الحريق الذي تعرض له الغطاء النباتي، سواء باستخدام الغراس الحراجية بعد تحديد نوعها ومساحة الموقع، أو من خلال الترقيع أو رفع كثافة بعض المواقع تبعاً للحاجة المقررة، مبيناً أن فرق التحريج التابعة لوزارة الزراعة في المحافظات تباشر بعمليات التحريج خلال الفترة الممتدة من 1/11 وحتى 31/3 من العام التالي.
المشاتل الحراجية
توفر المشاتل الحراجية المتواجدة في العديد من المواقع والمناطق السورية، الغراس الحراجية حسب المنطقة الموجودة فيها، وفقاً لثابت، الذي أكد أن العدد الفعلي للمشاتل الحراجية في الخدمة تصل إلى 30 مشتلاً حراجياً، وكل مشتل يختص بغراس حراجية محددة تبعاً للمنطقة التي يتواجد فيها، بحيث تؤمن هذه المشاتل جميع الأنواع الحراجية الموجودة محلياً والمنتشرة طبيعياً إلى جانب بعض الأنواع المدخلة وغير المنتشرة طبيعياً في بلدنا، و يتم العمل على إنتاجها وأثبتت جدارة مثل الصنوبر الثمري والذي ينجح في المنطقة الساحلية وحماة (مصياف والغاب) أي في المناطق التي يبلغ معدل الهطول المطري فيها أكثر من 400 ملم في السنة، إضافة إلى نوع الروبينيا (زهرة العنقود) والذي يُعد نباتاً رحيقياً يتغذى عليه النحل، والأكاليبتوس والصنوبر البروتي والحلبي والسرو والدردار و الزيزفون والسنديانات.
ويتم في مشتل حماة المركزي، (حسب ثابت)، إنتاج البطم الأطلسي ليغذي مناطق انتشاره وهو موجود في (بادية حماة- جبل البلعاس)، ولكن وضعه الحالي متدهور بحكم التعديات التي تعرض إليها خلال الأزمة، علماً أن الموقع الذي ينتشر به البطم الأطلسي هو محمية طبيعية تُسمى محمية البلعاس، ويتواجد في اللاذقية وتحديداً في منطقة صلنفة: محمية الأرز والشوح، وهي البقايا الطبيعية الوحيدة الموجودة في سورية وفي منطقة المتوسط لهذين النوعين.
الغابة الأوجية
الباحث الزراعي الدكتور أسامة رضوان يشرح المدة العلمية التي تحتاجها الغابات للتجدد، ويوضح أنه في حال توافرت الظروف المناسبة فإن تشكل الغابة الأوجية بحاجة إلى حوالي 25 سنة على الأقل، أما في حال استمرار الظروف الحالية من تعديات وحرائق متكررة وعمليات إر*ها*بية فإن تشكل الغابة بحاجة إلى سنوات أكثر لا يمكن التكهن بها.
ويرى أنه مادامت الظروف الحالية باقية فإن الخطر مستمر، وخلال السنوات الماضية عانت غاباتنا من مجموعة كبيرة من التهديدات وعلى رأسها الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة في وقت قصير، كما هو حال الحرائق في عام 2020، بالإضافة إلى أن الوضع المعيشي السيئ وقلة مصادر الطاقة (كهرباء- غاز- مازوت) أدى إلى زيادة التعديات بالقطع ضمن الغابات لتأمين مصدر طاقة بديل أو لتأمين مصدر دخل بديل، حيث لجأ الكثير من السكان لامتهان تجارة الأخشاب نظراً لكثرة الطلب عليها وارتفاع أسعارها.
ويتقاسم رضوان الرأي مع مدير الحراج حول رفض اقتطاع أي جزء من المساحات الحراجية وتخصيصها للزراعات المتنوعة، موضحاً أنه وفق المادة رقم 14 من قانون الحراج رقم 6 لعام 2018 لا يمكن أبداً تمليك أو تأجير أراضي حراج الدولة، حيث إن الحراج ثروة وطنية يجب حمايتها وتنميتها وأي تعدٍ على الأراضي الحراجية يعد مخالفة قانونية تستوجب المساءلة.
لجان مشتركة
وعن الدراسات التي أجريت على المواقع المحروقة يجيب رضوان بأن وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي شكلتا لجاناً متخصصة لحصر الأضرار والمساحات المتضررة من جراء حدوث الحرائق في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وقامت هذه اللجان بإجراء مسوحات ميدانية على كامل هذه المواقع، وخلصت دراسات اللجان إلى أنه تم حصر المواقع المحروقة وتبيان الأنواع المتضررة والمتبقية وفق استمارات محددة، لتوصي اللجنة بالإسراع في تنفيذ أعمال القطع والترحيل للأشجار المحروقة للصنوبر البروتي وفق خطة علمية وبشروط فنية مدروسة.
كما تم اقتراح بعض النقاط الهامة لمنع حدوث أو التخفيف من أضرار هذه الحرائق، و أبرزها مراجعة ودراسة الطرق الحراجية وخطوط النار، و إنشاء نظام إنذار مبكر يضم فريقاً مدرباً ومتخصصاً على إدارة الكوارث الطبيعية وحرائق الغابات، و تطوير عمل المخافر الحراجية وتأمين العدد الكافي من الحراس الحراجيين ومنحهم الحوافز الملائمة لمهامهم، وترميم وتفعيل وزيادة عدد أبراج المراقبة وتأمين المعدات اللازمة والتجهيزات اللازمة من وسائل اتصال متطورة، ودعم المشاتل الحراجية وتأمين مستلزماتها.
استثمار أخشاب الحرائق
بالنسبة لما ينتج عن الحرائق من أحطاب وكيف يتم التعامل معها؟ يوضح رضوان أنه نصت المادة رقم /9/ من قانون الحراج على أن (تقوم المديرية باستثمار الأخشاب الناتجة عن الحرائق بما في ذلك بيعها وفق نظام العقود).
وبناء عليه تتم إزالة الأشجار المحروقة من قبل فرق مديرية الزراعة، ومن ثم بيعها وفق نظام العقود، بالإضافة لتأمين كميات لأهالي القرى الحراجية بأسعار الوزارة، وفي حال عدم توفر الإمكانات اللازمة لإزالة هذه الأخشاب من قبل فرق المديرية يتم طرحها بمزادات علنية، وهي واقفة على سوقها، مع التأكيد على الإشراف الفني من طواقم المديرية وباشتراطات مشددة.
خيارات الترميم
الخيارات المتاحة علمياً لترميم الغابات المحروقة يشرحها رضوان كما يلي، في حال وجود أمات بذرية يمكن ترك الغابة للتجدد الطبيعي وإعادة ترميم نفسها بنفسها، في حال عدم نجاح التجدد الطبيعي يجب التدخل البشري من خلال إحدى الطريقتين: إما زراعة الموقع على وضعه الحالي بطريقة الجيوب الترابية طبعاً بعد اختيار الأنواع الحراجية الملائمة بيئياً لكل موقع، وإما تجهيز الموقع بطريقة الاستصلاح على شكل مدرجات ومن ثم زراعته بالأنواع الحراجية الجديدة بهدف تأمين بعض الفوائد للمجتمع المحلي من خلال اختيار أنواع ذات مردود اقتصادي أو أنواع رحيقية أو أنواع طبية وعطرية.
رفض محلي
تواصلت (تشرين) مع عدد من الأهالي في اللاذقية ممن التهمت النيران بساتينهم من أشجار الزيتون والحمضيات، وخاصة في الريف الشمالي (بللوران _ زغرين)، وأكدوا عدم رغبتهم باستبدال بساتينهم بزراعات أخرى مثل الزراعات الحولية ذات المردودية السريعة، وأيضاً رفضوا مقترح الحصول على أراض حراجية وزراعتها إن كان ذلك جائزاً.
الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش يؤكد المحاولات التي أجريت خلال مؤتمر لتطوير الواقع الزراعي في منطقة الفاخورة خلال الفترة السابقة، برعاية الأمانة السورية للتنمية و بالتعاون مع الفعاليات كافة من وزارة الزراعة وغيرها من المؤسسات العامة و من منظمات زراعية عربية مثل (أكساد) وغيرها على اعتبار منطقة الفاخورة هي الأكثر تضرراً بالحرائق.
ووصف درويش الواقع بالصعب، بسبب حدوث اختلاف حول الفكر الزراعي السائد، مشيراً إلى أن أغلب المزارعين فقدوا أشجارهم في الحرائق، سواء حمضيات أم زيتون، وأصبحت أراضيهم خاوية، وقد واجهنا صعوبة في إقناعهم بزراعة المحاصيل الحولية ذات الريعية السريعة، وكان أغلب المزارعين يفكرون بإعادة تجديد البستان، يعني الانتظار لفترة لا تقل عن ٦ سنوات حتى يستعيد البستان دورة إنتاجه سواء كان حمضيات أم زيتوناً.
سيرياهوم نيوز 6 – تشرين