| إسماعيل مروة
ما من أستاذ وأكاديمي أدى ما أداه الدكتور حسام الخطيب خلال حياته العلمية الأكاديمية الطويلة، ومن حسن حظ جيلنا أن تتلمذ على يدي الدكتور حسام، ونهل من علمه وأسلوبه، وأخذ من هدوئه وعلميته ونبرة صوته الواثقة في قاعة يسودها الصمت المطلق، ويصدر صوت الأستاذ الدكتور حسام الخطيب هادئاً وهادراً ومليئاً بالعلم والتجربة واللغة، يمزج ببراعة وحب وإخلاص للعلم الذي تعلمه سواء كان هذا العلم عربياً أم غربياً.
العربية المنطلق والغاية
لا يعرف كثيرون سيرة أستاذنا الراحل، فهو شغوف بالعربية أحبها، تخصص فيها، وكان من الرواد، لكن نهمه للعلم جعله يدخل مضمار اللغة الإنكليزية، فيدرسها أيضاً في دمشق لينال الإجازة بتفوق، ثم يقصد بريطانيا ليدرس في أرقى جامعاتها (الكمبردج) وقد يكون الدكتور الخطيب من القلة الذين أتقنوا الإنكليزية وتخصصوا فيها قبل سفره، بينما كان الآخرون يدرسون اللغة بعد إيفادهم لذلك وجدنا أستاذنا في محاضراته ومناقشاته وحواراته لا يلحن بالعربية، ولا ينتصر لها على اللغات الأخرى، ولا ينال منها كرمى للغة تعلمها، بتعمقه الفطري في اللغتين، وفي لغات أخرى جعله يضع كل لغة في مكانتها بلا غلو أو تطرف، وهذا ما ظهر في دراساته الأدبية واللغوية والمقارنة، وفي مناقشاته الأكاديمية التي شارك فيها مشرفاً ومناقشاً، وفي كل ذلك، وفي ذروة غضبه كانت ابتسامته لا تفارق ثغره وقامته المديدة.
التدريس والتأهيل
درس جيلنا على يدي د. الخطيب مادتين مهمتين صعبتين هما: الأدب المقارن، والأدب والنقد في الغرب، ولا يذهب من الخاطر أن هذا الرائد علمنا الأدب المقارن، وأشار علينا بدراسة كتاب سابقه الدكتور محمد غنيمي هلال، علماً بأنه أضاف أشياء كثيرة من متابعته للاختصاص بحكم الزمن والتطور، لكنه بقي يقف أمام الرائد باحترام وتوقير، ودرسنا في هذا الاختصاص كتاباً للرائد الأسبق رومي الخالدي، وللأستاذ الدكتور حسام الخطيب الفضل الأكبر في تعزيز مكانة الأدب المقارن في جامعة دمشق، فأصل لهذا الاختصاص، وصارت جامعة دمشق صنو الجامعات المصرية في زمانه، بل أسهم في عقد مؤتمرات في جامعة دمشق حول الأدب المقارن، وأذكر أنه في عضويته للمكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب أسهم في تعزيز الأدب المقارن والأدب الغربي وفهمه من خلال مجلة (الآداب الأجنبية) ومجلة (الموقف الأدبي)، وبلغت رسالته غايتها، وكنت أشهدها مع عدد كبير من الطلبة الجزائريين الذين جاؤوا إلى دمشق للدراسات العليا، وكان جلهم من الذين أشرف عليهم الخطيب وتبناهم وأرشدهم ودعمهم وكان معهم على مدار الوقت في الجامعة واتحاد الكتاب ومكتبه، وأغلبهم كان ذاكراً وشاكراً هذا الإشراف والمتابعة من التسجيل حتى المناقشة والعودة، وربما كان الدكتور الخطيب أقرب إليهم بسبب فهمه لآليات التفكير القريبة من الغرب عندهم.
الخطيب وعلاقاته الأدبية
كان الدكتور حسام الخطيب على علاقات طيبة مع غالبية الأدباء، وكان حريصاً على عدم إيذاء مشاعرهم وإبداعاتهم، ولم أشهد له انغماساً، ولو على حق، في النيل من أدب واحد منهم، ومن العلاقات المميزة التي شهدتها ورافقتها وحضرتها علاقته بالقاص والدبلوماسي الدكتور بديع حقي، فقد أخلص الخطيب لصديقه وأدبه من (التراب الحزين) وإلى كل أدبه المنشور، وحين صدرت رواية حقي (همسات العكازة المسكينة) عن دار العلم للملايين ببيروت، دعا الخطيب إلى ندوة نقدية في اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وتناوب عدد من النقاد على الحديث، وأغلب المتحدثين انتقدوا رومانسية حقي ولغته المترفة، والدكتور الخطيب تحدث بشكل مختلف، وانتصر لإبداع حقي ولغته وخصوصيته من دون أن يكون مبالغاً، ومسح، على الحقيقة، دمعة نزلت على خد حقي، وبعد رحيل حقي تحدثت إلى أستاذي أبي الأمين، الذي كان متألماً حقاً لفراقه، وأذكر له كلمة نقدية (أنا الفلسطيني عليّ أن أكون وفياً لهذا المبدع الصديق، فمجموعته التراب الحزين هي من أهم الأدب الذي فتح أعين الناس على القضية الفلسطينية وبيارات البرتقال) وهناك صداقات حدثني عنها الدكتور الخطيب في جلسات خاصة، لست أذكر تفاصيلها، والتي يستغربها الآخرون لاختلاف التوجهات والميول، وعلى رأسها علاقته الودودة والعميقة مع الأستاذ أحمد راتب النفاخ رحمه الله، فقد كان الصديق الذي يلتقيه في كل وقت، ويتبادلان الأحاديث العلمية، وربما، أقول ربما جمعتهما سنوات من دراسة الأدب العربي جعلتهما متحابين في وقت لا يرجو الناس الحب!
الخطيب والقصة السورية
قرأنا عن القصة السورية والرواية السورية مقالات متفرقة بعضها كان قبل د. الخطيب، وبعضها جاء بعده، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن الدكتور حسام الخطيب في حديثه وكتبه ومقالاته عن القصة القصيرة كان الرائد في دراسة القصة القصيرة السورية، والرائد في دراسة الرواية السورية والكشف عنها وعن أعلامها وروادها من معروف الأرنؤوط إلى شكيب الجابري وروايته (نهم) وروايته (وداعاً أفاميا) فعن طريق الدكتور الخطيب عرف القراء والدارسون والباحثون الروائيين السوريين وريادتهم مع محمد حسين هيكل صاحب رواية (زينب) وربما قبله، وتعرفنا إلى طرائق انتقال الفن الروائي إلى الأدب العربي بشكل منهجي وفني، ولعل دراساته الصادرة عن وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب هي المنجم الأول للرواية والقصة السورية، وحين تصدى دارسون غربيون للقصة السورية كانت كتب الدكتور الخطيب هي المصدر الأول، وربما الوحيد في كثير من القضايا، وربما جاء بعده من أخذ عن كتبه وانتقص، ونسب أشياء من جهود الخطيب له، وكل ذلك لم يتوقف عنده الدكتور الخطيب، بل تابع مسيرته النقدية القائمة على العلم والمعرفة.
وللدكتور الخطيب فضل كبير حين أشرف على جمع تراث القاص والروائي السوري فؤاد الشايب، وبذل جهداً كبيراً لجمعها وتنظيمها وطباعتها على مطابع وزارة الثقافة، ولولا جهد الدكتور الخطيب لضاع هذا الإرث المهم، خاصة مع وجود من ينتقد الشايب، وبأنه كان رجل سلطة ومسؤولاً، ولم يجد الشايب الإنصاف إلا من عبد السلام العجيلي وحسام الخطيب.
وصادف وصول نبأ وفاته دخولي إلى طلابي لتدرسيهم شعر (القروي) رشيد سليم الخوري، وهذا العمل الجليل كان بإشراف ومقدمة للدكتور حسام الخطيب على مطابع اتحاد الكتاب العرب، وهي الطبعة الوحيدة للديوان في سورية والأكثر استيعاباً وتوثيقاً.
الجهود التربوية الكبيرة
عرفنا الدكتور الخطيب أستاذاً جليلاً ملتزماً بالوقت على كثرة مشاغله وشهرته في المرحلة الجامعية الأولى في السنة الرابعة، وعرفناه استاذاً منهجياً في الدراسات العليا، ولا تزال طريقته في تدريسنا لـ(ت، س، إليوت) و(تشيلي) ماثلة أمامنا، وحديثه عن الترجمة وخصوصيتها، وعن ترجمة الشعر العربي إلى اللغات الأخرى فتح أعيننا على الأرض اليباب أو الخراب، وأغنية الريح والمدارس النقدية الغربية، واستطاع خلال عقود أن يزرع طلابه ومنهجه في الكثيرين سواء أحبوه أم لم يفعلوا!
اعترفوا أو تنكروا! فمثّل الدكتور الخطيب منهجاً فريداً بين أساتذة قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، وكان النجم الذي نحبه، فإذا تحدث في العربية وتراثها ولغتها كان مجلياً، وإذا تحدث في المقارن كان الفارس، وإذا تحدث في الغربي كان البحر، وقد فهمه الكثيرون وأساء فهمه الكثيرون أيضاً.
وفي عام 2000 التقيت أستاذي وحظيت منه بجلسة طويلة في مكتبه الخاص، تحدث عن مشروعه الرقمي والإلكتروني في الكتب والطباعة وغير ذلك، وكان قد بدأ إنتاج هذا المشروع على أرض الواقع.
وحين تنادى أحبابه لإهداء كتاب له ولعلمه كان كتاباً رائعاً ومميزاً شارك فيه أصدقاؤه وتلامذته في بحوث له أو عنه، وصدر عنه كتاب تكريمي أيضاً في وزارة الثقافة ضمّ دراسات عنه ومقالات له أو عنه..
لأستاذنا الراحل الدكتور حسام الخطيب (أبو الأمين) الجهود المشهودة في الصحافة التخصصية من (المعرفة) إلى (الموقف الأدبي) إلى (الآداب الأجنبية) وكان دوماً المتفوق في كل ميدان، وليته لم يختر الاغتراب الطوعي لهذه الفترة الزمنية الطويلة فحُرم طلابه وأحبابه من فيض علمه، اختار الغربة المركبة عن فلسطين التي أنجبته، وعن سورية التي أطلقته وكرمته فهل كان أبو الأمين يدري أنه باقٍ في سورية وقلوب طلابه وأحبابه الذين هزهم نبأ رحيله بعيداً عن جامعته ومدينته وأحبابه؟
لك الرحمات أيها العالم الجليل، وقد عشت واضحاً وشعاعاً من علم ونور.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن