خلال فترة الفراغ الرئاسي، ستطرأ تعديلات جذرية على سعر الصرف. فالدولار الجمركي سيتم تعديله ليصبح 15 ألف ليرة اعتباراً من منتصف الشهر المقبل، فيما سيتم في نهاية كانون الثاني 2023 تعديل سعر الصرف المعتمد رسمياً. هذا ما اتفق عليه بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كشف أمس عن مسار النصف المتعلق بالتسعيرة المعتمدة رسمياً لسعر الدولار في لبنان، من دون أن يشير إلى السند القانوني الذي سيستعمل لاعتمادها. إلا أنه لفت في مقابلة مع قناة «الحرة» الأميركية إلى أن «بدء العمل بسعر الـ 15000 ليرة مقابل الدولار سيكون في أول شباط 2023، وسيصبح التعميمان 151 و158 على 15000 بدلاً من الـ 8000 والـ 12000». وبموجب هذا التعديل، قال سلامة إن «العمل بالتعاميم السابقة سيبقى سارياً»، لكنه استدرك بأن ذلك مرتبط بإقرار الـ«كابيتال كونترول»، عندها «سنُلغي كل هذه التعاميم، ونصبح محكومين بالتعاطي بين المودعين والمصارف تبعاً للقانون».
يتم التسويق لهذه التعديلات باعتبارها مبنية على أحد الشروط المسبقة للاتفاق مع صندوق النقد الدولي القاضية بـ«توحيد أسعار الصرف»، إلا أن المشكلة في هذا التعديل أنه سيكون جزءاً من سياسة سلامة المتبعة منذ ثلاث سنوات، والقائمة على إطفاء الخسائر من خلال تعدّدية أسعار الصرف. لذا، فإن التعديل الأخير، سيخلق سعر صرف جديداً ليس موجوداً أصلاً، وسيحلّ بدلاً من أسعار صرف قائمة في تعاميم مصرف لبنان حصراً، مثل التعميم 151 الذي يسعّر قيمة الدولار المصرفي بنحو 8000 ليرة ضمن سقف للسحب يبلغ أقصاه 3000 دولار شهرياً، وأيضاً في التعميم 158 الذي يسعّر الدولار بقيمة 12000 ليرة ضمن سقف للسحب يبلغ 400 دولار شهرياً نصفها تدفع بالليرة نقداً والنصف الآخر لا يمكن سحبها إنما تستعمل بواسطة البطاقات المصرفية. بالتالي فإن سعر الصرف الذي سيُعتمد بقيمة 15 ألف ليرة سيكون بمثابة سعر بديل لهذين السعرين، إلا أنه لن يحلّ بدلاً من سعر «صيرفة»، ولا بدلاً من سعر السوق الحرّة، ولن يوقف كل المضاربات التي كانت تحصل للاستفادة من فوارق الأسعار. هذه المضاربات باتت شبه إجبارية لكل من يريد الاستمرار في العيش في لبنان. إذ أنه في ظل رفض الدولة تصحيح الأجور بشكل طبيعي، تركت للحاكم التصرّف، كما كانت تفعل دائماً، من أجل تقديم دعم عام غير مباشر وعشوائي، وغير مقونن، عن طريق السياسات النقدية. وهذا الأمر ينطبق على الآلية التي تسمح لكل صاحب حساب بأن يستفيد لغاية 400 دولار من عمليات شراء للدولار على سعر صيرفة، ما يحقق له هامش ربح مقارنة مع السوق الحرّة بنحو 30% خلال يوم أو يومين كحدّ أقصى.
بالنسبة للمصارف، سيكون الأثر الأهم متصلاً بانتفاخ التزاماتها في الميزانية، ما قد يطيح بكل رساميلها ضربة واحدة. لكن بحسب مصادر مطلعة، فإن اللعبة التي يعدّ لها سلامة تكمن في أن لدى المصارف موجودات عقارية سيتم إعادة تخمينها، بالإضافة إلى الأصول الخارجية، ليصبح تسعيرها وفق سعر الصرف الجديد عنصر توازن مع الالتزامات التي ستتضاعف نحو 10 مرّات.
حماية المصارف مضمونة مع رفع تخمين موجوداتها العقارية وفق سعر الصرف الجديد
وكان سلامة لفت إلى أنه ابتداء من شباط، «سيصبح لدينا سعران هما الـ15000 وصيرفة، فتوحيد سعر الصرف لا يمكن تحقيقه ضربة واحدة، لذلك ستكون هذه المرحلة الأولى لغاية ما تصبح صيرفة هي من يحدد السعر». وعما إذا كان هذا الإجراء سيؤدي إلى رفع أو خفض سعر الصرف، أشار إلى أن «السوق هو الذي يحدد بحسب العرض والطلب، ولكن مصرف لبنان سيكون بالمرصاد. فمثلاً اليوم هناك بالسوق 70 تريليون ليرة، ونحن بإمكاننا لمّ كل الليرات عندما نقرر، الأسواق تعرف هذا الشيء، وإذا قررنا يمكننا وضع مليار دولار لتجفيف السوق من الليرات». واعتبر أن «سعر الصرف اليوم يعتبَر محرراً، فالعمليات تحصل بأسعار متقلبة وحتى سعر البنزين يتبع سعر السوق. ولكن حتى لو أصبح السعر متقلباً، وممنوع أن نشهد تقلبات كبيرة». وأشار إلى أن «الإحصاءات الأخيرة في مصرف لبنان، تبيّن أنه سيكون هناك نمو بالاقتصاد اللبناني في العام 2022 بحدود 2%. وحركة الاستيراد ارتفعت وشهدنا حركة اقتصادية في الصيف الماضي، والمشكلة هي في القطاع العام الذي يخلق الثقل على الاقتصاد»، مركّزاً على «أهمية معالجة الوضع في القطاع، في وقت نرى فقط تشديداً على القطاع الخاص وقطاع المصارف، مع تناسي الإصلاحات المطلوبة في القطاع العام». وعن تمويل زيادات رواتب موظفي القطاع العام ثلاثة أضعاف، أكد سلامة أن «هذه مسؤولية الدولة وليس مصرف لبنان، وإذا لجأ المصرف إلى الطبع سيخلق تضخماً أكبر من التضخم الناتج من تراجع سعر صرف الليرة. لذلك، المطلوب خطوات إصلاحية بداية وتأمين مداخيل للدولة لتمويل هذه الزيادات».