تكريماً لمسيرة عطاء الموسيقار الكبير إلياس الرحباني الحافلة بالآلاف من الأعمال الموسيقية التي أغنت المكتبة العربية، تُقيم الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون ووزارة السياحة أمسية “كان الزمان وكان” بمشاركة الموسيقي غسان الرحباني، وأوركسترا أورفيوس على خشبة مسرح الأوبرا بدار الأسد.
أعمال إلياس الرحباني وقّعت على أجمل الأغاني التي صدحت بها السيدة فيروز ومنها “كان الزمان وكان، والأوضة المنسية، ودخلك يا طير الوروار، وحنا السكران، ويا قمر الدار، وكان عنا طاحون” فضلاً عن أعمال كبار المطربين من وديع الصافي وعبد الحليم حافظ وصباح وغيرها من أغنيات لأجيال متعاقبة من المطربين العرب.
أما حكاية إلياس مع سورية فجاءت على لسانه في إحدى الأمسيات الدمشقية حيث قال: “لم أسمع أو أقرأ يوماً قصة شعب يحب عائلة وعائلة تحب شعباً” في إشارة إلى العلاقة الاستثنائية التي جمعت الرحابنة بالشعب السوري؛ تلك العلاقة التي بدأت -كما قال الراحل- منذ أكثر من 60 عاماً ولم تتأثر أو تنزل درجة واحدة، وحسب تعبيره لم يجد أناساً محبين بقدر الشعب السوري.
ومن هذه المقولة انطلقت سانا بحديثها مع ابنه غسان عن كيفية محافظة الأبناء على العلاقة التي بناها الآباء الرحابنة “عاصي ومنصور وإلياس” مع الشعب السوري ليقول: “بكل تأكيد من خلال السير على خطاهم، فالوالد كان يتمتع بتعامله الإنساني، والشفافية والمحبة والتسامح، واليوم من تجربته الإنسانية الغنية، ومع رحيله تعلمت شخصياً أن العمل الإنساني أولاً ومن ثم تأتي الموسيقا”.
وتابع غسان: “علاقتنا مع سورية وشعبها تشربناها ونحن صغار، عشت بدمشق أيام الأمسيات والمسرحيات التي كان يقيمها الرحابنة وفيروز في فترة معرض دمشق الدولي وتحديداً عام 1975 قدمنا إلى دمشق مباشرة من بيروت، وعام 1976 كنا بباريس وأتينا إلى سورية مباشرة لكون الحنين هو من قاد إلياس، وفي ذلك الوقت غنت فيروز أول مرة بحبك يا لبنان بطريقة مباشرة”.
وأشار إلى أن إلياس الرحباني أغنى الموسيقا العربية بأهم الأعمال، وباتت إرثاً عظيماً تم بناؤه خطوة خطوة، وكان عمله مبنياً على تجارب وفن لا يموت، حيث قدم اللحن من التراتيل والأناشيد والموسيقا الإعلانية القصيرة مروراً بالقصائد المغناة الطويلة، والأغنية الشعبية والطربية وحتى الأجنبية، وكان معروفاً عنه بأنه يكتب بأربع لغات؛ العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية.
وأكد غسان أهمية تصحيح المعلومة عن إلياس الرحباني فهو لم يكن فقط موسيقاراً وإنما أيضاً شاعر وكاتب كلمة إلى جانب الموسيقا، وفي رصيده ما يقارب 6500 منجز بين لحن وأغنية ومقطوعات موسيقية فيها 3000 إعلان و3500 أغنية مبيناً أن 95 بالمئة من إنجاز إلياس الرحباني الموسيقي من كلماته.
ولفت غسان إلى أن هذا الإرث الذي بُني بخطوات ثابتة خبره الأبناء وهم صغار، ونفذوا مقولة الإخوة الرحابنة الثلاثة “عاصي ومنصور وإلياس” التي تؤكد عدم الاتكال على الموهبة فقط وإنما صقلها بالعلم، فمسيرته المهنية بحسب تعبيره تطورت عن الآباء من خلال تقديم الأغنية بالإنكليزية إلى جانب العربية ودرس موسيقا الروك الصاخبة والموسيقا الكلاسيكية والهارموني وقيادة الأوركسترا.
وأكد أن إلياس الرحباني خلال مسيرته الفنية رسم طريقاً جديداً بالشرق العربي فهو أول من أدخل الموسيقا الصامتة غير المستوردة من أوروبا، ومن ألحانه في هذا المجال نستذكر “عازف الليل، ودموعي وابتسامتي، والو حياتي” فكان تفكيره متجهاً للوصول إلى الجمهور من خلال الموسيقا وليس فقط من خلال المطربين، فكان ذلك تحدياً كبيراً في إقناع الشارع العربي بهذا النوع وخاصة أن الشعوب العربية عاطفية تتأثر بالكلمة ليتمكن إلياس من إدخال هذه الموسيقا واقتناء أشرطتها من قبل الجمهور العربي والتي تعد عابرة للقارات ولا تحتاج إلى تأشيرات دخول لقلب الناس.
وأوضح غسان أن إرث إلياس الرحباني ليس ملكاً لعائلته فقط وإنما هو ملك لجميع الناس أيضاً، ومن دمشق التي أحبها وأحبته سيتم تكريمه من خلال أمسية موسيقية “كان الزمان وكان” التي كانت مقررة منذ 11 عاماً وهو على قيد الحياة، ولكن ظروف الحرب على سورية حالت دون إقامتها ليغيبه الموت نتيجة إصابته بفيروس كورونا.
وعبر سانا كشف غسان الرحباني أنه سيتم لأول مرة من خلال هذه الأمسية والجولات الموسيقية القادمة تقديم قصة حب بين شاب وفتاة عبر أغاني إلياس الرحباني تتخللها الموسيقا الصامتة أو الآلية بحبكة درامية مشوقة تتحدث عن جميع مراحل الحب بمرافقة شاشة عرض ورقصات تفسر الحالات والمشاعر الإنسانية من الاشتياق والحنين والفراق واللقاء وغيرها.
وفي ختام حديثه أشار الرحباني إلى أن الموسيقيين السوريين يتميزون بالاحترافية العالية مع حفاظهم على القيمة التقنية للعزف، وأن الأوركسترا السورية تضاهي مستوى الأوركسترات الأوروبية بالعزف والإحساس، مضيفا: “نحن بشوق كبير لتقديم أمسية سيتشارك فيها موسيقيون سوريون ولبنانيون بالإضافة للمطربين رانيا الحاج وجلبير الجلخ وهي مسؤولية كبيرة على عاتقي لكونها امتحاناً كبيراً بغياب ألياس الرحباني ولأجل روحه سأسعى لأقدم أجمل ما أملك”.
هذه الأمسية التي سيقودها مدير عام دار الأسد المايسترو أندريه معلولي في الـ 29 من الشهر الحالي بالتعاون مع شمس أكاديمي والمدرسة الوطنية قال عنها معلولي: “إن هدفها استذكار التراث الرحباني من الموسيقا والألحان التي عشقها الجمهور السوري، وتكريماً لهذه القامة العربية ذات الحضور الدائم في سورية حتى قبل وفاته، حيث كان للراحل الكبير العديد من الوقفات على خشبة مسرح دار الأسد”.
وأشار إلى أن أهمية الأمسية تكمن في تعريف جيل الأطفال بالتراث الثقافي الذي أغنى الذائقة الموسيقية العربية بشكل عام والسورية على وجه الخصوص من خلال الأعمال التي قدمها إلياس وهو ثالث الإخوة الرحابنة الذين أعطوا جميعاً الموسيقا والغناء العربيين أفقاً رحباً جديداً في القرن العشرين.
سيرياهوم نيوز 1-سانا