| محمد نادر العمري
قبل بدء تفاقم الأزمة الأوكرانية وتحولها من مسألة خلاف سياسية لساحة صراع بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كان بارزاً أن جزءاً من هذا الخلاف والسعي لتأزيمه بصورة أكبر وتحويله لصراع مفتوح هو لهدف اقتصادي أو مصالح اقتصادية لا تنفك علاقتها عن الفضاء الجيوبوليتيكي، ولاسيما المساعي الأميركية الساعية وفق إستراتيجيتها الأخيرة التي عبر عنها تقرير الأمن القومي الأميركي للحد من الدورين الروسي والصيني واعتبار الثانية تشكل تهديداً للمصالح الأميركية والأولى خطراً عليها في ظل الحرص المستميت لواشنطن للتربع على عرش النظام الدولي والهيمنة عليه.
برزت أولى معالم المصالح الاقتصادية الأميركية في التلويح التهديدي المتضمن وقف العمل بخط غاز «نورد ستريم2»، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال مشاركته في قمة الناتو 2018، لوصف اتفاقية ألمانيا مع روسيا بشأن الغاز الطبيعي بـ«غير اللائقة»، ومن ثم ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن بداية شباط الماضي من هذا العام عند استقباله مستشار ألمانيا الجديد أولاف شولتس في حال إقدام روسيا على اللجوء للخيار العسكري، مضيفاً في تصريح أقرب منه لإملاء الأوامر إن: «ألمانيا حليف يعتمد عليه بشكل كامل في الملف الأوكراني وإن أميركا لديها ملء الثقة ببرلين».
إذ إنه منذ الإعلان عن هذا المشروع في عام 2015 والبدء بإنجازه عام 2018، سعت الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها المملكة المتحدة لوقف إنجاز هذا الخط الذي يمتد على طول 1230 كيلومتراً تحت بحر البلطيق كي يغذي ألمانيا بـ55 مليار متر مكعب سنوياً، وذلك إدراكاً من واشنطن أن مثل هذا المشروع سيزيد التعاون بين الأوروبيين والروس من جانب ومن جانب آخر سيقلص التأثير الاقتصادي الأميركي في أوروبا القائم منذ مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي سيجعل الروس يمتلكون قوة تأثير في الأوروبيين أكثر من الولايات المتحدة الأميركية.
بعد اضطرار الجانب الروسي إلى بدء العمليات الخاصة في أوكرانيا تبلورت أكثر صور المصالح الاقتصادية الأميركية الموظفة في هذا الصراع، على مستويات مختلفة، اتسمت كل منها ببعد اقتصادي مكمل للآخر ولكن في ظل السياق الصراع الجيوإستراتيجي، ويتجلى ذلك في:
– الصراع الأميركي الغربي ضد روسيا يتضمن إلى جانب الاستنزاف العسكري للأخيرة وتوسع نفوذ الأطلسي بعداً اقتصادياً بارزاً والمتمثل بالحفاظ على النظام الاقتصادي الليبرالي واستمرار هيمنة مؤسساته الدولية على ضوابط التحكم في صنع القرار والتبادل التجاري الدولي وآلياته بما فيها المجال النقدي، وخاصة أن روسيا منذ وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسلطة مطلع الألفية الجديدة، عملت على سد الثغرات الاقتصادية التي أدت لانهيار الاتحاد السوفييتي على الصعيد الداخلي، وساهمت في دعم التكتلات والتحالفات الاقتصادية على صعيد السياسة الخارجية للتخلص من الهيمنة الاقتصادية للنظام الليبرالي الغربي، مثل منظمة جنوب شرق آسيا وشنغهاي والبريكس التي قدمت رؤية عام 2017 تتضمن إنشاء بنك بين الدول الأعضاء على غرار البنك الدولي، فضلاً عن رؤيتها المتضمنة تنفيذ المشروع الأوراسي لإبعاد النفوذ الأميركي من المحيط الجغرافي الأهم في العالم والممتد من جنوب شرق آسيا وصولاً لأوروبا مروراً بآسيا الوسطى وإيران وغرب آسيا، وتحويل موارد الطاقة الروسية لأداة ناجعة في السياسة الخارجية، كل ذلك شكل عوامل بدأت تظهر خطورتها على النظام الليبرالي المتوحش في ظل انتشار الحروب والصراعات والفقر وتراجع التنمية وانتشار الأوبئة.
– السعي الأميركي للتفرد بتصدير مصادر الطاقة لأوروبا بحيث يزيد من تأثيرها الاقتصادي مقابل تحجم الإمكانات الروسية، واللافت في هذا الإطار أن الولايات المتحدة الأميركية قامت بتوريد 45 بالمئة من حاجة أوروبا خلال الأشهر الثلاثة الماضية بالأسعار الرائجة عالمياً مقابل ضغوطها على باقي الدول لتحديد سقف للسعر الغاز الروسي، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لانتقاد واشنطن أمام مؤتمر لعدد من رجال الأعمال في باريس لبيعها الغاز بأربعة أضعاف السعر المحلي، موجهاً حديثه للولايات المتحدة والنرويج: «ليس هذا المعنى الدقيق للصداقة».
ووضعت إدارة معلومات الطاقة بالولايات المتحدة توقعاً، أن تصل متوسطات صادرات الغاز الطبيعي المسال بأميركا إلى 11.2 مليار قدم مكعب في اليوم نهاية عام 2022 بارتفاع 14 بالمئة عن عام 2021 و12.7 مليار قدم مكعبة في عام 2023.
وذلك رغم أن حرب الطاقة هذه غذت التضخم المرتفع والنمو البطيء في الإنفاق الاستهلاكي للشعب الأم.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن