| علي عبود
نستغرب جدا تعاطي معظم الوزارات باستخفاف مع أزمة المحروقات، فقد أثبتوا أنهم ليسوا على مستوى مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة حتى الآن، والتي عصفت فجأة في البلاد والعباد!
باستثناء ماصدر عن مجلس الوزراء من قرارات بتخفيض الكميات المخصصة للأليات الحكومية، وبتقليص الدوام في الجهات العامة وتعطيلها يوما إضافيا في الأسبوع ..الخ، لم يبادر أي وزير للتخفيف من الأزمة الخانقة!
والسؤال: إن لم يُبادر الوزير ـ أي وزير ـ في الأزمات والملمّات ، فمتى سيبادر؟
الكل كان ينتظر تعليمات من فوق، وتحديدا من رئيس الحكومة أو من مجلس الوزراء مجتمعا!!
ولعل الغائب الأكبر كان وزارة الإدارة المحلية، فقد كان ولا يزال بإمكان وزيرها توجيه المجالس المحلية في المحافظات للتنسيق مع إدارة المرور، لإلزام سيارات الأجرة العمل كسيارات خدمة تحت طائلة الحجز وإلغاء الرخصة، وبإلزام الميكروباصات بالإنطلاق من مراكز محددة بإشراف مباشر من لجان مراقبة تسجل مسار عملها ..الخ.
ومثل هذه الإجراءات تضبط عملية استهلاك آليات النقل العام للمحروقات وتخفف إزدحام المواطنين إلى درجة كبيرة جدا من خلال منع هروب الكثير منها عن خطوطه المحددة لمسارها.
لقد اكتفت المجالس المحلية في المحافظات بمراقبة أزمة النقل وهي تتفاقم، ولم تحاول التعويض عن تخفيض مخصصات كميات وسائط النقل من المحروقات إلى النصف بقرارات تتيح تشغيلها بالشكل الذي لايسبب المعاناة الشديدة للمواطنين، والقرارات هنا لاتقتصر على مراقبة الميكروباصات على الخطوط وخاصة بين المدن والأرياف، وإنما بوضع جدول زمني مُلزم بمسارات خطوطها، بدلا من تركها تستغل الناس!
لقدكانت الإزدحامات غير المسبوقة عند جميع المواقف والكراجات في كل المحافظات شاهدا حيا وصارخا على تقصير المجالس المحلية!
أما الملفت فهو الغياب شبه التام لغالبية المحافظين بالتصدي لتخفيف الأزمة، أو بتشكيل فريق طوارئ لتنظيم وسائط النقل العام حسب إمكاناتها لاحسب مزاج سائقيها!!
ونستغرب عدم صدور قرارات من وزيري التربية والتعليم العالي لتعطيل المدارس والجامعات لمدة 15 يوما ريثما تنفرج الأزمة مع توريدات النفط، على أن تُعوّض العطلة أما بساعات إضافية أوبتمديد العام الدراسي..الخ
ولم يبادر وزير النقل باتخاذ قرار بتفعيل السفر بين المحافظات بالقطارات، التي بإمكانها نقل عدد أكبر بكثير من الباصات والبولمانات في السفرة الواحدة، اي تخفيض كميات كبيرة من المحروقات التي تستهلكها أو تنهبها شركات النقل ..الخ.
وبدلا من أن تحذَّر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك كل منشأة أو فعالية تستجر مشتقات نفطية من السوق السوداء، ولا تبلّغ عن البائع، وتعتبرها شريكاً في الاتجار غير المشروع بالمشتقات النفطية، كان عليها أن تستنفر إمكاناتها بالتعاون مع وزارات أخرى للكشف عن من يزود السوق السوداء بالمحروقات وتحيله إلى القضاء!!
ولا ندري لماذا لم تبادر وزارات النفط والداخلية والتجارة والمالية مجتمعة مع بعضها البعض لتشكيل فريق متخصص بالمتابعة والمداهمة والمراقبة والحجز والمصادرة يعمل على مدار الساعة لحصار السوق السوداء، واتخاذ الإجراءات الفعالة الكفيلة بتجفيف مصادرها من المحروقات المهربة من مستودعات وصهاريج ومحطات الوقود..الخ.
ولا ننسي أتحاد العمال فهو لم يبادربالطلب من نقابات عمال النفط بالتنسيق مع وزارتي النفط والتجارة الداخلية لمراقبة محطات الوقود ومرافقة الصهاريج لمنع نهب كميات كبيرة منها لبيعها في السوق السوداء.
لانجادل في أن الشح في أي مادة سيؤدي إلى تهريبها وقيام سوق سوداء لها لمن يقوى على شرائها أو بضغط الحاجة الماسة، لكن تشديد الرقابة المشتركة مع قوة ضاربة تستهدف الفاسدين والمفسدين كفيل بتحويل الكميات المنهوبة إلى وجهاتها الصحيحة وأبرزها القطاعات المنتجة.
ولعل القرار الأكثر أهمية والذي تأخّر كثيرا كان السماح للقطاع الخاص ببيع المحروقات للصناعيين والتجار بسعر التكلفة، صحيخ إن السعر الجديد أعلى من السعر المدعوم لكنه أقل بأربعة أضعاف من سعر السوق السوداء، والذي كان الصناعيون والحرفيون وأصحاب المداجن يتعاملون معه خلال العامين الأخيرين، وهو سيتيح بالتالي استمرار دوران عجلة الإنتاج، وضمان توريد حاجتها من المحروقات بسعر رسمي، ويفترض بالتالي تخفيض كلف السلع المنتجة وانعكاسها الإيجابي على المستهلك النهائي.
الخلاصة: كان يمكن للمبادرات وللقرارات الإستثنائية لمعظم الوزراء ان تدير أزمة المحروقات بكفاءة عالية وتخفف إلى حد كبير من معاناة المواطنين، وتحول دون إغلاق كلي أو جزئي للمنشأت والحرف، لكنهم تعاملوا مع الأزمة باستخفاف، أو اكتفوا بالمراقبة دون تحمل المسؤولية، واعتقد بعضهم واهما انه بالتحذير والتهديد الكلامي يمكن أن تختفي السوق السوداء للمحروقات من الوجود!
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع)