| شربل كريّم
الأحلام مشروعة وخصوصاً في عالم كرة القدم. حلم المغرب بالتأهل إلى الأدوار الإقصائية في كأس العالم 2022، أصبح أكبر وأكثر شمولاً، فضم إليه العرب وقارة أفريقيا، لا بل كل القارات التي حلمت يوماً ما بأن تكسر عقدة السيطرة الأوروبية – الأميركية الجنوبية على المونديالات وألقابها. اليوم المغرب يمكن أن يحلم لا بل يمكن أن تتحقق «النبوءات القديمة والجديدة» لنشهد بطلاً للعالم من خارج التوقعات
لطالما خرج النجم البرازيلي السابق بيليه بتصريحاتٍ غير صائبة في توقعاتها، ما دفع الكثيرين إلى تجاهلها، ومنها ما قاله في منتصف سبعينيات القرن الماضي بأن منتخباً أفريقياً قد يفوز بلقب كأس العالم قبل الوصول إلى عام 2000.
وقتذاك قيل إن «الملك» يبدي تعاطفاً مع أصحاب البشرة السمراء بعدما صار «الجوهرة السوداء» رمزاً لهم، وتوقعاته تلك لن تصيب يوماً، إذ دخل العالم في الألفية الجديدة من دون أن يشهد على تتويجٍ أفريقي بلقب المونديال.
وقبل النسخة الحالية في قطر، تحوّل رئيس الاتحاد الكاميروني للعبة والنجم السابق صامويل إيتو إلى مادةٍ للسخرية عندما توقّع نهائياً أفريقياً صرفاً بين الكاميرون والمغرب.
إيتو طبعاً لم يصب في ما خصّ منتخب بلاده، لكن «الأسود غير المروّضة» لم تكن عادية في المونديال الحالي، فهي أسقطت البرازيل في ختام مشوارها في دور المجموعات، بينما يبدو «أسود الأطلس» على بعد 90 دقيقة من بلوغ النهائي، و180 من تحقيق ما توقعه بيليه.
لكن هل يمكن ان نقول ان المغرب سيتوّج بطلاً للعالم؟
مجرد طرح هذا السؤال قبل المونديال كان سيعتبر فصلاً من الجنون، لكن اليوم يجب أن يُطرح بشجاعة وبإيمان، وللمشككين يمكن تذكيرهم بسقوط أكثر من كبير على يد المغاربة، وآخرهم إسبانيا والبرتغال.
كسر العقدة
مشاهد كثيرة من هاتين المواجهتين ومن كأس العالم عامةً، تترك قناعةً بأن المغرب قادر على إصابة المجد، وبأن المستقبل هو للقارة الأفريقية التي كسرت بلا شك عقدتها الأزلية المتمثلة بلعب الأدوار الثانوية.
أوّل العُقد كانت بسيكولوجية، وقد سقطت بالضربة القاضية التي سقط بها الإسبان، وذلك عندما تقدّم النجم المغربي أشرف حكيمي بكل ثقة ليسدد ركلةً ترجيحية على طريقة «بانينكا»، من دون خوف ومن دون تلك الرهبة التي أصابت المنتخبات «الصغيرة» في المواقف الكبيرة أمام المرشحين الأقوياء للعب الأدوار الأولى.
«بانينكا» حكيمي مؤشر لتغيّر موازين القوى وكسر الأفارقة عقدة المنتخبات الكبيرة
منذ تلك اللحظة يمكن القول بأن نقطة تحوّل في تاريخ كأس العالم طفت إلى العلن، وقد أكملت دورة نجاح أفريقية شهدت أيضاً فوز الكاميرون على البرازيل، وتونس على فرنسا حاملة اللقب، لينهي الأفارقة دور المجموعات برقمٍ قياسي من النقاط بعدما جمعوا 24 نقطة في 15 مباراة، ليتخطوا الرقم السابق بعدما شهد مونديال 2002 حصدهم سويّاً 15 نقطة.
وهذه المسألة لم تكن صدفة بل هي مؤشر عمّا يمكن أن تذهب إليه الأمور مستقبلاً لناحية لعب أفريقيا دوراً كبيراً في بطولات كأس العالم، وخصوصاً بعد رفع عدد المنتخبات في مونديال 2026 حيث ستحصل على 9 مقاعد ونصف.
الإنتاج والعقول
المؤشر التغييري يظهر من خلال ناحيتين فنيتين، الأولى ترتبط باللاعبين، إذ إن الأمر ليس محصوراً بولادة لاعبين في أوروبا أو احترافهم منذ سنٍّ صغيرة فيها كما هي حال المغاربة بل مسألة الإنتاج المحلي للمواهب، وقد عكس هذه المسألة ربما ما قاله مدرب إسبانيا لويس إنريكه عقب خروج بلاده من البطولة، معلّقاً بأنه يعرف الحارس المغربي ياسين بونو والمهاجم يوسف النصيري، لكنه لا يدري أبداً من أين ظهر له «ذاك الولد الذي يحمل القميص الرقم 8».
هذا يعني أن أفريقيا حسّنت من نوعية الإنتاج التي تحتاج إلى سنواتٍ طويلة من البناء، وقد تأخرت بالفعل، إذ إنه في الماضي البعيد خسر الأفارقة المال الذي كان سيعطيهم القدرة على تطوير النشء، وذلك بسبب الانتداب الأوروبي لبلدانهم، لدرجة أنه في أول سبع مونديالات كانت مصر الممثّلة الوحيدة للقارة السمراء عندما لعبت في نسخة عام 1934، وقد بقي بعدها المسؤولون عن «الفيفا» مصرّين على عدم منح الأفارقة مقعداً مؤهلاً مباشرة إلى المونديال، فكانت مقاطعتهم لنسخة 1966، لتتغيّر الأمور في النسخة التالية.
هم حاولوا تغيير الصورة مراراً طوال ثلاثة عقود شهدت فوز الجزائر على ألمانيا الغربية عام 1982، وإقصاء المغرب للبرتغال عام 1986، وفوز صارخ للكاميرون على الأرجنتين عام 1990.
أما النقطة الثانية فهي ترتبط بالمدربين الذين يرسمون دائرة النجاح، وهم نتاج القارة الأفريقية، إذ ليس صدفةً أن يدخل ممثلوها الخمسة إلى نهائيات قطر تحت إشراف مدربين أفارقة، أبرزهم طبعاً المغربي وليد الركراكي، الذي يبدو الأكثر إيماناً بإمكانية تحقيق الحلم الأفريقي. لمَ لا؟ يجب أن نؤمن به وبمنتخبه أيضاً.