| خالد عرنوس
لم يتبق على المونديال القطري سوى أربع مباريات تتمثل بمواجهة النهائي ومباراة الترتيب على المركزين الثالث والرابع وتسبقهما مباراتا نصف النهائي اللتين تقامان غداَ وبعد غد، ولطالما حفلت مباريات هذا الدور على مدار تاريخ البطولة بالكثير من الحكايات والقصص التي رسمت صورة الأبطال والمملوءة بالأرقام والمفارقات، فعلى الرغم من غياب هذا الدور عن ثلاث نسخ بسبب تغيير طرأ على نظام البطولة إلا أن قمماً كروية جميلة ومثيرة حفل بها منذ الدور الأول في الأورغواي 1930 وحتى النسخة الأخيرة في روسيا 2018 وبالتأكيد فإن المباراتين القادمتين في النسخة الحالية ستحمل في طياتهما قصصاً جديدة تروى في قادم البطولات.
وبدأت حكاية نصف النهائي منذ انطلاق المونديال خاصة مع مشاركة 13 منتخباً وزعت إلى أربع مجموعات، فكان لابد من مباراتين فاصلتين لمعرفة طرفي النهائي بعدما أقر الفيفا تأهل بطل كل مجموعة إلى مربع القمة وقد أقيمت مباراتا شبه النهائي في تلك البطولة بالقرعة الموجهة، وفرض نظام البطولة في مونديال 1950 إلغاء دور الأربعة على اعتبار إقامة دوري من مرحلة واحدة بين أبطال المجموعات، ويتحدد البطل بمجموع النقاط، وهو الأمر ذاته الذي غيب دور نصف النهائي عن مونديال ألمانيا 1974 والأرجنتين 1978 فقد أقيم الدور الثاني يومها من مجموعتين تأهل بطلهما إلى النهائي وقد ألغي هذا النظام في البطولة التالية وعاد دور الأربعة إلى سابق عهده ومازال.
نتائج غريبة
وقد شهدت مباراتا نصف نهائي البطولة الأولى الحصيلة الأكبر من الأهداف في هذا الدور بعدما تطابقت النتيجتان، ففاز منتخب الأورغواي على نظيره اليوغسلافي بنتيجة 6/1 ومثله فعل جاره الأرجنتيني بالمنتخب الأميركي فكانت الحصيلة 14 هدفاً، وتكرر أمر تطابق النتائج أكثر من مرة ففي مونديال 1966 تغلب المنتخب الإنكليزي المضيف على نظيره البرتغالي بهدفين لهدف ليذهب إلى النهائي اليتيم في تاريخه، على حين بقي إنجاز البرتغالي بالحلول ثالثاً الأفضل حتى الآن، وهي النتيجة التي فضلت الألمان الغربيين على السوفييت، وفي مونديال 1986 تغلب البطل الأرجنتيني على نظيره البلجيكي بهدفين نظيفين في مباراة كان بطلها القزم الأرجنتيني دييغو مارادونا في تتمة لتألقه في تلك النسخة وفاز الألماني الغربي على نظيره الفرنسي بالنتيجة ذاتها بعد مباراة مشهودة أكدت علو كعب المانشافت.
وفي مونديال إيطاليا 1990 تكرر مشهد النتيجة الواحدة وهذه المرة آلت إلى التعادل فكان الحسم بركلات الترجيح بعدما انتهت المباراتان بالتعادل 1/1 وأفضت الأولى إلى بلوغ الأرجنتين وألمانيا إلى النهائي للمرة الثانية على التوالي، ويمكن القول: إن ركلات الأعصاب يومها حرمت الإنكليز من نهائي ثان في تاريخها لحساب المانشافت الذي توج بطلاً للعالم فيما بعد، ذلك أن لاعبي المدرب بوبي روبسون قدموا مباراة للذكرى أمام نجوم القيصر بيكنباور. وفي مونديال كوريا واليابان 2002 كانت المرة الأخيرة التي تكررت فيها نتيجة المباراتين، وعلى الرغم من أن الفائزين هما كبيرا المونديال البرازيل وألمانيا فقد تجاوزا تركيا وكوريا الجنوبية على التوالي بأقل فارق وبصعوبة بالغة أو بشق النفس كما يقال الخاسران لعبا في هذا الدور للمرة الأولى والوحيدة ليفرز ذلك الدور أول مواجهة مونديالية بين السيليساو والمانشافت.
النتيجة الأعلى
لفترة طويلة من الزمن بقيت نتيجة 6/1 المسجلة في النسخة الأولى وكررها الألمان في النسخة الخامسة على حساب جيرانهم النمساويين الأعلى في مباريات هذا الدور حتى مونديال 2014 الذي شهد ثاني مواجهات البرازيل وألمانيا، وفيها حقق المانشافت نتيجة خرافية لم تكن بالحسبان عندما اكتسح أصحاب الضيافة بسبعة أهداف لهدف في واحدة من فضائح المونديال بالنسبة للسيليساو الذي تلقى أقسى هزائمه في تاريخ البطولة والتي فاقت بقسوتها خسارة نهائي مونديال 1950 وخلالها سجل ميروسلاف كلوزه هدفه المونديالي رقم 15 معادلاً رقم البرازيلي رونالدو في صدارة الهدافين التاريخيين للمونديال.
أما النتيجة الأسوأ في عالم كرة القدم (صفر/صفر) فقد حضرت مرة واحدة وكان ذلك في مونديال 2014 عندما جمعت على الطرف المقابل منتخبي الأرجنتين مع هولندا فأخفق كلا الفريقين بكل ما ضمت تشكيلتهما من نجوم بالتسجيل لتنتهي الموقعة بفوز راقصي التانغو بركلات الترجيح 4/3.
أهداف غزيرة
إذا كان العديد من المباريات انتهى بنتيجة كبيرة وشهدت قمة ألمانيا والبرازيل 8 أهداف فإن مباريات أخرى شهدت سبعة أهداف لكن بسيناريو مختلف وبطريقة أكثر إثارة، فها هو المنتخب البرازيلي بلغ ثاني مباراة نهائية عبر الفوز على نظيره الفرنسي بنتيجة 5/2 في مونديال 1958 في طريقه إلى لقبه الأول وتألق في تلك القمة الشاب بيليه وسجل الهاتريك الوحيد في سجله المونديالي في حين اكتفى هداف البطولة فونتين بهدف.
وبالعودة إلى البطولة الأولى فإن فوز الأرجنتين كان متوقعاً على نظيره الأميركي في نصف النهائي، فإن فوز الأورغواي على يوغسلافيا جاء بطريقة قاسية وخاصة إذا ما عرفنا أن الأخير تجاوز في طريقه المنتخب البرازيلي.. وفي النسخة الثالثة على الأراضي الفرنسية سجل المنتخب المجري فوزاً كبيراً على نظيره السويدي بخمسة أهداف لهدف وهي ثالث أكبر النتائج في تاريخ مباريات مربع الكبار.
وعند الحديث عن مباريات شبه النهائي فإن أول موقعة تخطر في البال تلك التي جمعت منتخبي إيطاليا وألمانيا الغربية في مكسيكو 1970 وتعرف تلك المواجهة التاريخية بأنها حملت أجمل وقت إضافي في تاريخ المونديال، فقد انتهى الوقت الأصلي بالتعادل 1/1 بعدما تقدم بونسينيا للطليان منذ الدقيقة الثامنة إلا أن شينغللر أدرك التعادل في الدقيقة الأخيرة ليخوض المنتخبان ثلاثين دقيقة تحت شمس استاد أزتيكا الحارقة وشهدت خمسة أهداف كاملة بدأها جيرد مولر للألمان (94) وعادله بورغنيش (98) ثم تقدم جيجي ريفا للآتزوري (104) وعادله مولر مجدداً (110) وبعد دقيقة واحدة فقط سجل جياني ريفيرا هدف الفوز للطليان الذين بلغوا النهائي الثالث بتاريخهم لكنهم خسروا وفقدوا فرصة الاحتفاظ بكأس جول ريميه للأبد.
إثارة الوقت الإضافي
وغاب بعد ذلك نصف النهائي حتى بطولة 1982 وفيه خاض منتخبا ألمانيا الغربية وفرنسا واحداً من أجمل اللقاءات تاريخياً وخاصة خلال التمديد بعد التعادل 1/1 خلال الدقائق التسعين فتقدم ليتبارسكي للمانشافت في الدقيقة 19 وأدرك بلاتيني التعادل من علامة الجزاء في الدقيقة 26 واستمرت النتيجة على حالها حتى الدقيقة 92 عندما رجح تريزور كفة الديوك وعزز زميله جيريس النتيجة بالثالث بعد 6 دقائق إلا أن رومينيغه نجح بالتقليص قبل مغادرة الشوط الثالث وفي الرابع استمرت انتفاضة الماكينات فأدرك فيشر التعادل 3/3 في الدقيقة 108 ليذهب الفريقان إلى ركلات الترجيح كأول مباراة تحسم بهذه الطريقة في تاريخ كأس العالم والتي ابتسمت للألمان.
ولم تكن مواجهة بطل العالم الأورغواي مع نظيره المجري في بطولة 1954 أقل إثارة بالمجمل وخاصة أن الفريق الذهبي لم يكن قد خسر أي مباراة على مدار أربع سنوات في حين السيليستي لم يسبق له أن خسر في المونديال فتقدم المجريون بهدفين عبر تسيبور وهيديكوتي (13 و46) قبل أن يعود الأورغوانيون بالنتيجة أواخر الوقت بفضل هوهبرغ الذي أدرك التعادل (75 و85) لتمتد القمة إلى الأشواط الإضافية وفيها كسر كوتشيش النتيجة بثنائية (111 و116) ليقود منتخب بلاده إلى النهائي للمرة الثانية وقد خسرها فيما يعرف بمعجزة برن، على حين فقد السيليستي لقبه بعد أول هزيمة في البطولة.
خطأ مميت
وبما أننا نتحدث عن الإثارة فقد شهد نصف نهائي 1938 واحدة من أغرب الحكايات، فقد جمعت تلك القمة بطل العالم الآتزوري الإيطالي مع المنتخب البرازيلي القوي والمرشح لانتزاع اللقب، وقد ارتكب المدرب البرازيلي أديمار بيمينتا واحداً من أشهر الأخطاء في تاريخ المونديال بعد عدم إشراكه لنجمه وهداف البطولة يومها ليونيداس داسيلفا مفضلاً إراحته للنهائي وخاصة بعد الموقعة التي خاضها أمام تشيكوسلوفاكيا وقد دفع المدرب والسيليساو الثمن غالياً فقد خسر بهدفين مضيعاً فرصة بلوغ النهائي الأول ومقدماً هدية ثمينة للطليان الذين احتفظوا بالكأس حتى ما بعد الحرب العالمية.
وتعد مباراة البرازيل مع تشيلي في بطولة 1962 من القمم المميزة على صعيد هذا الدور وفيها كسب السيليساو بطاقة النهائي بنتيجة 4/2 بفضل تألق الثنائي غارينشيا وفافا اللذين سجلا أهداف راقصي الساميا مناصفة، على حين سجل تورو وليونيل سانشيز (أسطورة اللاروخا) هدفي تشيلي، ويومها تقدم البرازيليون 2/صفر وقلص التشيليون النتيجة، ثم تقدم البرازيليون 3/1 وقلص أصحاب الأرض النتيجة 2/3 قبل أن يختتم فافا مهرجان الأهداف في الدقيقة 78، وقد شهدت الدقائق الأخيرة طرد غارينشيا، لكنه عاد وخاض النهائي بطلب شخصي واستعطاف من الرئيس البرازيلي لرئيس الفيفا فساهم يومها بالاحتفاظ باللقب.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن