فاطمة عواد الجبوري
في كل مرة يُدلي فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريح صحفي أو مقابلة تلفزيونية، يتطرّق بشكل مباشر إلى ضرورة عقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد وضرورة الدفع بعودة العلاقات مع سوريا مرة أخرى. لا يمكن النظر إلى هذه السياسة الجديدة التي يتبعها أردوغان إلا في سياق استراتجيته القديمة المتجددة القائمة على تصفير المشاكل مع دول الجوار.
في الواقع تعود تفاصيل هذه الاستراتيجية الكبرى إلى العام 2010 حيث كانت تجمع تركيا علاقات ممتازة مع سوريا، يمكن وصفها بأنها كانت تتجه إلى شراكة اقتصادية طويلة المدى انتفعت منها تركيا أكثر من سوريا بكثير، خصوصا بأن سياسة الأسواق المفتوحة بين البلدين أضرت بالتجار السوريين (خصوصا من أهالي حلب) بشكل مباشر. ولكن لم تستمر هذه الاستراتيجية إلا بضعة أشهر حيث تدخلت تركيا بشكل مباشر مرة أخرى في الحرب السورية من خلال دعم قوات المعارضة المسلحة وبعض الجماعات المتشددة التي عاثت فساداً في سوريا.
في الحقيقة لا يمكن وصف سياسة “صفر مشاكل” بأنها استراتيجية طويلة الآمد وذلك لإن الاستراتيجيات يتم هندستها ليتم تطبيقها على المدى الطويل جداً وهذا أمر لم تلتزم به تركيا كما ذكرنا سابقاً. بعد الأزمة السورية انتجهت أنقرة سياسة مخالفة تماماً لسياسة صفر مشاكل، وبدأت سياساتها الإقليمية بالتخبط وخلق العداوات المجانية مع الدول الإقليمية، إبتداء من مصر وانتهاءً بالسعودية والإمارات. بعد عقد من الزمن، من العناد والمكابرة يعود أردوغان إلى المنطقة العربية داعياً إلى حل الخلافات مع السعودية والإمارات ومصر ولكنه في الحقيقة فشل مرة أخرى بهذه الخطوة. فعلى الرغم من اللقاءات الثنائية التي عقدها الرئيس التركي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد إلا أن الاستثمارات السعودية والإماراتية في تركيا لم تشهد تغيراً ملحوظاً ولا زالت في مستويات منخفضة. أما على المستوى المصري، فعلى الرغم من المصافحة التي حصلت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الدوحة نتيجة وساطة قطرية إلا أنه لم تحدث خطوات لاحقة لتطبيع العلاقات بين البلدين.
في عودة بسيطة إلى بيان القمة العربية في الجزائر في نوفمبر 2022، يبدو بأنّ البيان الختامي للقمة أشار بشكل مباشر إلى التدخلات التركية في الملفات العربية الشائكة في كل من ليبيا وسوريا والعراق، حيث أكد البيان الختامي على ضرورة احترام سيادة هذه الدول على أراضيها في إشارة واضحة إلى انتهاك تركيا المباشر لسيادة هذه الدول. وبالطبع علينا ألا ننسى بأن القاهرة هي من قادت هذه الجهود لصياغة البيان الختامي بهذا الشكل.
في الحقيقة، يبدو بأن ساحة الدعاية الانتخابية التركية تحولت إلى سوريا وأصبحت سوريا نقطة محورية ومحدد أساسي بالنسبة للانتخابات المقبلة في 2023، وهذا لا يقتصر على حزب العدالة والتنمية وحسب بل يتعداه إلى أحزاب المعارضة التركية التي تأمل لقاء الرئيس الأسد لإرسال رسائل للداخل التركي بأن معضلة المهاجرين السوريين سيتم تسويتها مع الطرف السوري وبأن معضلة التضخم التي تنسبها المعارضة التركية إلى تواجد السوريين في تركيا، سيتم أيضا حلها بشكل تبعي لمعضلة اللاجئين السوريين.
على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل الرئيس التركي لعقد لقاء مع الرئيس السوري إلا أن الرئيس السوري يرفض عقد مثل هذا اللقاء في الوقت الراهن لإنه يعلم جيداً حساسية الانتخابات المقبلة والدور السوري فيها ولذلك وكما هو معروف عن القيادات السورية من حنكة وقدرة على فهم وتحليل الأحداث، فهم لن يتسرعوا في عقد مثل هذه اللقاءات المصممة لالتقاط الصور وتحقيق نقاط انتخابية.
كاتبة وباحثة عراقية
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم