| د. بسام أبو عبد الله
أثار المقال الأخير الذي كتبناه الأسبوع الماضي، تحت عنوان «القتال تحت حدّ السكين» ردود أفعال عديدة، مرحبة بالمحتوى لأنه تناول جوانب عدة مما تمر به بلدنا الحبيبة سورية، وهي «أنياب الفاسدين في الداخل، العلاقة مع الحلفاء، وضرورة المقاومة الشعبية السورية»، وسأتناول في مقال اليوم موضوع المقاومة الشعبية السورية، وضرورة احتضانها، وتأمين بيئة وطنية جامعة حولها كأحد الحلول الإستراتيجية للخروج من المأساة التي نعيشها.
بداية، وكي يكون واضحاً للجميع من هو رأس الإجرام تجاه سورية وشعبها، وهنا لابد لي من الإشارة إلى مقال نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتاريخ ٢٢ الجاري تحت عنوان «لتخفيف أزمة الطاقة في سورية: يجب على الأسد العودة إلى طاولة المفاوضات»، كتب هذا المقال أندرو تابلر، وإيريك يافورسكي، وتابلر هذا كان مسؤولاً عن ملف سورية في مجلس الأمن القومي الأميركي في إحدى الإدارات الأميركية، وهو مؤلف كتاب «في عرين الأسد: الحرب الأميركية الباردة مع نظام بشار الأسد السوري»، حسب تعبيره كما شارك لسنوات في نشاطات إعلامية خاصة بسورية منها المشاركة في تحرير مجلة اسمها «سورية اليوم»، وبالطبع فإن هذا الأمر كان عندما اعتقدنا مع بداية الألفية بأن العلاقة مع الغرب، والانفتاح عليه سوف تفيدنا آنذاك، لكن تبين أنه دون تغيير مقارباتنا السياسية، ووقف دعمنا للمقاومة، والتطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، لا إمكانية ليرضى الغرب عنا.
ضمن إطار فهم هذه الخلفية يقول تابلر في مقاله الذي أشرت إليه في البداية:
– لابد لواشنطن من العمل بشكل خلاق مع حلفائها على تطوير خطة لتخفيف المعاناة الإنسانية للمدنيين السوريين (ثم تأتي العبارة المهمة) مع الاستفادة من المشاكل الاقتصادية للنظام للحصول على تنازلات في التفاوض على تسوية سياسية نهائية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254.
– ترتبط خطورة الوضع الحالي بعاصفة كاملة غامضة من القرارات غير المواتية التي يتخذها الفاعلون الإقليميون الرئيسيون، مشيراً هنا إلى إيران، ووقفها لتوريدات النفط لسورية، لكن المعلومات تفيد بأن المساعدات الإيرانية التي وصلت لـ16 مليون برميل من النفط ما بين كانون الثاني 2022 حتى أيلول 2022 ليست كافية إلا لمدة 80 يوماً من حاجات السوق المحلية.
– جاءت الضربات العسكرية التركية ضد المنشآت النفطية التي تسيطر عليها «قسد» لتوقف بعض حقول ومنشآت النفط السورية ما خفض الإنتاج بشكل حاد من 90 ألف برميل يومياً- إلى 20 ألف برميل، ما زاد الأزمة اختناقاً وشدة، حسب معلومات تابلر.
– يقر تابلر بأن دعوة البعض لتشديد العقوبات بما يؤدي لانهيار النظام، حسب تعبيره، يبدو أنه ليس نهجاً واقعياً، ليطرح بديلاً آخر أكثر إبداعية حسب مصطلح، تخيلوا هنا أن الإبداع هو في المزيد من تجويع السوريين، وقتلهم، وجعلهم يتجمدون من البرد، ومع ذلك يقترح تابلر ما يلي:
– المساومة مع موسكو في مجلس الأمن بشأن تمديد آلية المساعدات الإنسانية، بالرغم من أن موسكو غير مقتنعة دون تحريك ملف «الإنعاش المبكر» الذي لم يُنفذ منه شيء، ويرى تابلر أنه نتيجة هذا الألم الاقتصادي لدى السوريين قد تضطر موسكو للقبول بالتمديد.
– إنشاء ما سماه «قناة بيضاء» للمساعدات الإنسانية في سورية، على غرار النهج الذي اتبع مع إيران في تشرين الأول 2020، أي سماح واشنطن للحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية بإنشاء آلية دفع للصادرات الإنسانية المشروعة طالما لم يتم تحويل أي أموال للنظام، وهذه آلية لها مصاعبها.
الكلام الواضح لتابلر، جاء في خاتمة المقال حيث يقول:
– إذا سهلت واشنطن شحنات الوقود الطارئة إلى سورية، لابد من أن يكون ذلك دون توسيع للتطبيع مع نظام الأسد، مع انتزاع تنازلات سياسية واضحة في المقابل، هنا تأتي معادلة «النفط مقابل التنازلات»، وتشمل:
– لجنة مناقشة الدستور.
– إطلاق سراح ما تسميه المعتقلين.
– وغيره من الخطوات التي ستبدأ بنقطة، ولا أحد يعرف إلى أين ستنتهي؟
لقد آثرت أن أُفَصِّل في مقال تابلر هذا كي يدرك الرأي العام السوري من هو رأس الأفعى، ومن يدير اللعبة بوضوح شديد، وماذا تريد واشنطن من دمشق: هي تريد معادلة مكشوفة «النفط مقابل الاستسلام التدريجي» أي استسلام خطوة خطوة، وهي الرؤية التي كان ملك الأردن عبد الله الثاني قد مهد لها قبل أكثر من عام، ثم أعاد المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون ترتيبها، وتسويقها، ونقلها للقيادة السورية باسم الأمم المتحدة، لصاحبتها الولايات المتحدة الأميركية.
بعد أن أطلقت واشنطن رسالتها من خلال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهو بالمناسبة معهد اللوبي الصهيوني في أميركا، ومن المعاهد ذات التأثير والنفوذ في كواليس القرار الأميركي، وإذا أضفنا لذلك تشريع الكابتاغون، الذي أقرّه الكونغرس بمجلسيه، وسيوقعه الرئيس الأميركي جو بايدن مع بداية العام ليصبح نافذاً، وليأخذ بعد ذلك فترة ثلاثة أشهر للتطبيق الصارم ما يعني فترة للتفاوض والضغط الشديد، أي «التجويع والبرد» مقابل التنازلات التدريجية.
الآن، ماذا نحن فاعلون؟ هذا هو السؤال الرئيسي لنا جميعاً، وأخص هنا الشعب السوري بقواه الوطنية والمجتمعية والحية، وكي أكون واضحاً أشرت في مقالي السابق أن الحل يكمن في تفعيل القوى الشعبية السورية في الجزيرة السورية، وتحريض الدافع الوطني لدى كل السوريين لمواجهة هذه المعادلة التي تصنعها واشنطن أمامنا، باعتبارها رأس الأفعى التي يجب قطعها للخلاص، ستأتينا هنا مجموعة من الأسئلة مباشرة منها:
– هل الشعب السوري في وضعه المزري الآن جاهز لدعم خيار المقاومة الوطنية والشعبية؟
– هل نضجت الظروف لمثل هذه المقاومة بالرغم من وجود قوى عميلة مرتزقة في الجزيرة السورية؟
– سيطرح البعض أيضاً هل سندفع المزيد من الدماء من أجل أن ينتعش الفاسدون على حساب دمائنا، كما حصل خلال السنوات العشر الماضية!
سأحاول هنا الإجابة باختصار على الرغم من صعوبة هذه الأسئلة وخطورتها، ولكن إجاباتي ستكون وفقاً لرأي شخصي لا يلزم أحداً، ولكنها محاولة متواضعة للإجابة عن تحديات هائلة قلت سابقاً إنها «القتال تحت حدّ السكين»، ولا خيار أمامنا سوى المقاومة الشعبية، وهنا سأطرح إجاباتي على الرأي العام للنقاش، وهي:
1- إن وضعنا الصعب جداً يجب أن يكون حافزاً ودافعاً للمزيد من المقاومة، وهي سمة من سمات السوريين عبر التاريخ، وليس الاستكانة، كما يطرح البعض، خاصة وأن هناك من يضخ في كل يوم مواد إعلامية تقتل الأمل بالمستقبل، وتدعو للاستسلام، وهؤلاء هم الذين ينتقدون دون حلول، ويذهبون باتجاه غبي ومشبوه من أن الخلاص بتدمير مؤسسات الدولة، إذاً الواقع المزري لن يتغير دون فعل ومقاومة، ولكل فعل، رد فعل، هكذا تخبرنا قصص التاريخ ومآثره لدى كثير من شعوب الأرض، ومنها الشعب السوري.
2- بالنسبة للدولة ومؤسساتها لابد لها من احتضان أي مقاومة شعبية، وأعتقد أن بيان وزارة الخارجية السورية يأتي ضمن هذا التوجه، وبالطبع فإن جيشنا ومؤسساتنا الأخرى ستدعم بشكل غير مباشر هذا التوجه.
3- بالنسبة لنضج الظروف، وهي الآن أكثر من وضوح الشمس، سأعدد بعضها:
* بروز رأس الأفعى الأميركي بشكل لا لبس فيه، ومعادلته «النفط مقابل الاستسلام».
* انكشاف الوجه الحقيقي لأدواته من «قسد» إلى العملاء الآخرين، فمشروع «قسد» أميركي صهيوني انفصالي يهدف لاقتطاع جزء من التراب السوري وخلق إسرائيل الثانية، وأعتقد أن ممارسات «قسد» الإجرامية أسقطت ما سموه مشروع الإدارة الذاتية، الذي يأخذ عنواناً إثنياً مرفوضاً على الصعيد الوطني.
* سقوط الوجوه التي غطت مشروع «قسد»، وظهر بأنها مجرد وجوه منتفعة، مرتزقة، ليست قادرة على بناء حجر واحد، وهنا نؤكد أن الكتلة الوطنية والمشاعر الوطنية ستقوى عند العشائر العربية، التي لا يمكن أن تقبل بعملاء يسيطرون عليها، وهي لا شك أنها تدعم الدولة ومؤسساتها، وجيشها العربي السوري.
4. أما بالنسبة للتضحيات، فهي بالتأكيد ليست من أجل فاسد هنا، وفاسد هناك، لأن هؤلاء يستفيدون أصلاً من بقاء الوضع الشاذ، ومن استمرار الاحتلال، وهم بالطبع كلما عادت مؤسسات الدولة لقوتها، وعاد القانون، كلما انكشفت وجوههم الحقيقية، وسقطوا، لا أيها السادة الوطن أكبر من الأحزاب والأشخاص، ولا يجوز اعتبار دماء الشهداء قد ذهبت سدى، بل هي دماء زكية سنبقى نجلها، ونحترمها، ونقدسها طوال حياتنا، أما الفاسد فسينتهي مع نهاية الاحتلالات جميعها.
أعتقد أن المطلوب هو الدعوة لهيئة شعبية وطنية لدعم خيار المقاومة في الجزيرة السورية، وأشعر أن الظروف قد نضجت لذلك، وأعود للقول: «دون انتشار جثث الأميركيين وعملائهم في الرمال السورية، لن يرحمنا أحد، ولن يساعدنا أحد، وحتى التفاوض دون أوراق قوة سيكون صعباً، إنها الورقة الأهم لتكون معادلتنا نحن ليس «النفط مقابل الاستسلام»، بل الانسحاب مقابل حياة الجنود الأميركيين، فلنجعلها معادلة العام القادم.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن