| بقلم:المحامي ياسين زمام
سوف نتكلم عن المال بخلفية دينية إلى حد ما وهو أن المال لله ، والمال ليس نقودا بل هو كل شيءيعود على الإنسان بالنفع وذو قيمة ، فالطعام ذو قيمة وهو ضروري للإنسان فهو مال ، وكذلك الشراب من ماء وخلافه ، واللباس وما يصنع منه والدواء والمقتنيات والمعادن ، وكذلك مايستخرج من الأرض كالنفط والمعادن العادية والثمينة ، والحبوانات أيضا ذات قيمة وهي في خدمة الإنسان ، وكلها أموال ، وأما النقود وقيمتها رمزية لتسهيل التداول بالمال المتقوم فهي ليست مالا ولكنها تمثله وتنوب عنه ، وطالما ان كل هذه المواد هي في الطبيعة ، أو ماصنع منها بواسطة الإنسان ، فهي مستخرجة من الطبيعة التي خلقها الله …وعليه فإن استهلاكها أو استخدامها لايجوز أن يخرج عن طاعة الله فيما أمر به عن طريق الرسالات وتعاليم الرسل التي هي منزلة من عند الله ، وفي الخطاب الألهي لآدم وهو في الجنة حيث النعيم المطلق يقول فيه : إن لك أن لاتجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لاتظمأ فيها ولا تضحى أي رغم غنى الجنة فإن حد الكفاية هو الذي شرع به الله لآدم الذي أمر الملائكة أن تسجد له وفي ذلك منتهى التكريم ، وفي التنزيل أيضا ولقد كرمنا بني آدم أي ولد آدم وتكريمهم كان على قاعدة تكريم آدم ، وفي الوصايا :
ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط (حد الاكتفاء ) فتقعد ملوما محسورا ،وتوفرت الحماية للمال دينا فلايجوز أن تأخذ منه ماليس لك ولا يجوز أن يأخذ أحد مال الغير إلا برضاه ، فلو سرقه أقيم فيه حد السرقة ، ففي التنزيل تقطع يد السارق ،هذا عقاب أليم ورادع …وهكذا فإن المال هو من عند الله وقد أتاح الباري تعالى للعباد الاستفادة منه ولكن باتباع حدود الكفاية دون إسراف او تبذير وأن تكون مصادر الحصول عليه في نطاق المشروعية ؛ واسعوا في مناكبها وإليه النشور والسعي هنا لكسب الرزق وتوفير الحاجة دون زيادة وبالوسائل السليمة المشروعة ، وقد توعد الله الذين يكنزون المال : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) وتوعد أيضا من يستغل حاجات الأنسان ويتعامل بالربا وشجب سلوكهم : ( الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا .)وكما أن من يكتنز الذهب والفضة كذلك من يحتكر المواد الضرورية ويحرم الناس منها لفترة بغية ارتفاع أسعارها والتحكم في بيعها …وقد حث الله عباده على الإنفاق ، والامتناع عن تخزين المال في غير أوجه المشروعية أو بتوظيفه للمصالح العامة
على أن الإنفاق لايعني أن يكون بالعطاء المباشر ، على افتراض انقسام الناس إلى طبقات حسب توفر المال لديهم ، فمن كثر ماله كان من طبقة الأغنياءومن قل ماله كان فقيرا ومن بينهما كان من الطبقة الوسطى …إلخ …بل من بنى مدرسة أو مشفى أو مصنعا لتوفير مادة استهلاكية أو نفذ مشروعا خدميا كل هذا من قبيل الإنفاق على أن لا يرهق الجمهور فيكون. إنتاجه بأسعار مرتفعة وغير مبررة … ونسبة إلى المجمعات الكبيرة من الناس كالدول لايجوز لها أن تغزو دولا أو بلدانا أخرى للحصول على اموالها وثرواتها والسيطرة على مقدراتها ، ولعل أكثر الحروب إن لم تكن كلهاإنما يدفع إليها الطمع والرغبة في السيطرة على الثروات ، ولو أفني الكثير من الخلق في سبيل طموحهم وأطماعهم في اكتناز المال ولو أدى ذلك إلى قهر الشعوب المغلوبة وافتقارهم ، كما أن بعض الحكومات تتغول على شعبها وتسعى إلى نهب ثرواتهم والسيطرة على مقدراتهم وافقارهم، وهذا يتطلب أن تتصف هذه الحكومات بالاستبداد ليسهل عليها التحكم بالثروةوإشاعة الظلم وتغليب طبقة أو اشخاص على الطبقات الأخرى ولو استغرقت الطبقة المضطهدة عموم الشعب وشاع الظلم في البلاد وانتشر الفقر والمرض والجهل فإن الطبقة الحاكمة تضع نفسها في مصاف الدول الغازية بهدف الاستغلال والسيطرة على الثروات …
وفي سبيل الحصول على المال بما يخالف الأهداف والوسائل المشروعة تنتشر مختلف الجرائم وتوقع أضرارا بالغة وأساسية في حياة الناس كالقتل ومختلف النزاعات الموهنة لسائر الناس
كل هذه الجرائم الكبرى التي تمتهن كرامة الشعوب من الداخل والخارج إنما حرمها الله ونهى عن العدوان: ( ولاتعتدوا) وفي الداخل أن تتخذ الحكومات من العدالة والعدل سبيلا في الحكم وأسلوبا في الإدارة : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) وهذا موجه للحكومات الداخلية من باب أولى ، ولعمري أن الظلم ينشر الفقر ، ويدفع إلى الهجرة ، إنه أي الظلم في المضمون يهدف لجمع المال واحتكار الثروات ونهبها ولكن في الواقع يكون السبيل إليه في التضييق على المحكومين في حرياتهم وحرمانهم من حقوقهم ، وفي رأسها حق الحياة …..
وهكذا فكل هذه الشرور والآثام الفردية أو الجمعية والمجتمعاتية إنما تدفع إليها الرغبة في الحصول على المال والاستئثار به وكنزه دون توظيف في سبيل خدمة الناس ، وتحويله إلى نقمة بدلا من إنفاقه وتحويله إلى نعمة وخدمات في المصالح العامة والخاصة المشروعة والنافعة : وقد وصف القرآن حالة هؤلاء وخاطبهم : ( وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما ) ومن بعدها جاء الوعيد : ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا )
كجزاء حتمي للمجتمعات التي يسودها الطمع والشبق في اكتناز المال والحصول عليه بالطرق الملتوية والمخالفة لأحكام الله خالق المال بإبعاده عن وظيفته في تحسين وتسهيل سبل العيش لكل خلق الله …جزاؤها الانقراض والنهاية المفجعة للحاكمين المنحرفين والمحكومين المقصرين المتقاعسين عن الانتصار لأنفسهم وإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي الإلهي والقانوني وفق المواثيق والشرائع السائدة المرعية من دساتير وخلافها ….!
(سيرياهوم نيوز ٤-صفحة الكاتب)