منذ أعوام مضت وصولاً إلى العام 2022، حاولت دول ومنظمات عديدة الترويج لتقبل “المثليين” في العالم العربي، لكنها باءت بالفشل لأسباب عديدة.
لم تكن “المثلية” الجنسية مصطلحاً متداولاً بكثافة في المجتمعات العربية، ولا حتى في مواقع التواصل الاجتماعي التي تخضع لـ”التراندات”. لكن الأحداث العالميّة الأخيرة مهدت لطرح هذا السؤال: هل تغلغلت المثلية كـ”مفهوم”، و”واقع”، في المجتمع العربي أكثر هذا العام؟ لا دراسات تستطيع اختبار تسرّب هذا المصطلح إلى البيت والمجتمع والمتصفح العربي، لكن ما يمكن جزمه أن قضيّة المثلية حضرت هذا العام بشكل أكبر نظراً لأحداث عالمية فرض حدوثها التطرق إلى مواضيع أكثر شمولية. مثل كأس العالم، والإعلان الإسرائيلي بالترحيب بالمثليين في كيانهم المحاط بدول عربية رافضة، ومن خلال السينما. لكن، ووفقاً للمعطيات، فإنّ حضور قضية المثلية اجتماعياً، في العالم العربي خصوصاً، لم يتعدّ الحدود اللغوية.
كأس العالم عوّم “القضايا المحرّمة”
“نتوقع ونريد من الآخرين أن يحترموا ثقافتنا”.
أمير قطر
في 20 أيار/مايو الماضي، في مؤتمر صحافي في برلين، ردّ أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني على سؤال حول حقوق الزائرين من “مجتمع الميم” بتكرار مقولة: “نحن في قطر نرحّب بالجميع، لكننا أيضاً نتوقع ونريد من الآخرين أن يحترموا ثقافتنا”، في إشارة إلى مطالبات من دول وجمعيات استقبال “المثليين” في كأس العالم ودعمهم.
حضرت قضية المثلية الجنسية هذا العام في فعاليات كـأس العالم الذي أقيم في دولة عربية لأول مرة في التاريخ الرياضي. تعلم “الفيفا” أن إقامة كأس العالم في بلد عربي تعني الوقوف على عاداته وتقاليده وثقافاته المختلفة عن الموجودة لدى الدول الغربية، وأن حضور جماهير عريضة من شتى أنحاء العالم لا تعني بالضرورة ابتلاع ثقافة المكان، وهذا ربما يفسّر لماذا كان كأس العالم المقام في قطر أكثر النسخ جدلاً.
قادت بعض وسائل الإعلام الغربية حملة على قطر لرفضها رفع علم المثلية داخل ملاعبها، وانضمّ إلى الحملة رياضيون وسياسيون أوربيون وأستراليون ومنظمات حقوقية عالمية حرّضت على رفع علم المثلية في البطولة، والسماح لبعض الفرق المجاهرة بميول لا تحظى بتأييد الغالبية في مجتمعاتهم الأصلية التي أتوا منها.
لكن الإصرار الغربي وعدم اقتناعه باحترام أي ثقافات مختلفة عنه بدا واضحاً في الشاشات وأحياناً في الملاعب، ربما تجلّى هذا الرفض بشكل رسمي في مشهد وزيرة الداخلية الألمانية التي دخلت إلى الملعب متسللة بتلك الشارة تحت لباس يغطيها، ثم أظهرتها أمام عدسات الكاميرا، وهو سلوك يتعارض مع قوانين الدولة المضيفة.
هذه الممارسات لاقت تفاعلاً واسع النطاق على صعيد الجمهور العربي والغربي على حد سواء، الذي رأى أن ما جرى يعد تحايلاً على الضوابط المنصوص عليها في المونديال، وأظهر ازدواجية المعايير الغربية ومدى رفضه لوجود شعوب وحضارات وثقافات لا تقر بمعاييره ومعتقداته.
الرفض العربي لظاهرة المثلية لم يتجسد في القوانين الموضوعة أو المعلنة وحسب، بل كان واضحاً في أسلوب التعبير عن قدسيّة العائلة. تجلى ذلك بما فعله لاعبو المنتخب المغربي بعد تأهلهم لنهائي كأس العالم. برزت قيم العائلة بشكل عفوي على الشاشات وأمام الملايين، حين نزلت أمهات اللاعبين إلى الملاعب ليشاركن أولادهن الفرح بالفوز.
يقول المدرب الاسكتلندي، بيل شانكلي، إنّ الرياضة “جزء من قوة دبلوماسية ناعمة، يمرر من خلالها ما يريده أصحاب القوة”. إذا كانت كذلك فعلاً، نستطيع القول إن القوانين التي وضعتها قطر، مرت بسلام، كالثلاثين يوماً التي شهدت فيها البلاد إقامة كأس العالم. وكانت هذه البطولة مسرحاً لاستعراض القيم المجتمعية العربية وأظهرت الهوية العربية الإسلامية التي تحمل الكثير من المعاني الحضارية، كما مورست الطقوس الدينية في وسط مختلف الأعراق والأجناس والأديان.
“إسرائيل” ليست خارج السياق
ليس غربياً على كيان كـ “إسرائيل” أن يكون داعماً لقضايا خارجة عن القيم الإنسانية. طالما أنه غريب عن المحيط ولا يملك منظومة أخلاقية يستند إليها. فجأة، صارت “المثلية” في “إسرائيل” قضية كبيرة يكمن فيها “التحضر”، و”حقوق الإنسان”. الطرف الأكثر دموية وظلماً في الشرق الأوسط، صار “عاصمة للمثليين عام 2022”.
في أيار/مايو الماضي، عرضت اللوحات الإعلانية في لندن وأمستردام ونيويورك، رسائل مفادها دعوات للجمهور لزيارة كيان الاحتلال باعتباره “أفضل مكان في العالم للاحتفال بأسبوع فخر مختلف”، وهو يوم يدعو للفخر بالممارسات الشاذة.
أقرت “إسرائيل” العديد من القوانين التي تساعد في فرض ممارسات المثليين وميولهم وسط بيئة ترفض سلوكهم غير الفطري. فقد ألغت عام 1988 تجريم المثلية، وألغت التمييز ضدهم في التوظيف عام 1992، ثم سمحت لهم بالالتحاق بالجيش عام 1993. تباعاً، لم يقتصر الأمر على خدمة الجنود المثليين في قوات الاحتلال، بل وصل هؤلاء إلى مراكز صنع القرار السياسي في الكنيست الإسرائيلي، فقد عُيِّن “عوزي إيفين” بوصفه أول مُشرِّع إسرائيلي عن مجتمع المثليين عام 2002، ووصل عدد أعضاء الكنيست من المثليين في حزيران/يونيو 2020 إلى رقم قياسي جديد أصبح فيه 6 أعضاء مثليين يُمثِّلون أحزاباً يشمل حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو.
هذه التواريخ ليست قديمة، و”القوانين” الإسرائيلية التي تروّج للمثلية ما تزال تنتج كل يوم خبراً جديداً، آخره انتخاب البرلمان الإسرائيلي، للوزير السابق أمير أوحانا رئيساً جديداً للكنيست ليكون أول مثلي يتولى المنصب في تاريخ الكيان، فيما أعلنت “تل أبيب” أنها خصصت 1.85 مليون دولار لمجتمع المثليين عام 2022.
طبعاً لا تهتم “إسرائيل” بالإنسان وحقوقه على أي حال، ولا بالحضارة وتصادمها كونها لا تملكها، ولا بالفطرة البشرية لأن وجود الاحتلال نفسه هو عكس الفطرة، لكنها تستغل أي ظاهرة، وأي باب من الأبواب، لحشد مؤيدين واستقطاب مستوطنين جدد إليها، خصوصاً في ظل الأزمات المتتالية التي شهدتها أخيراً، آخرها أزمات الجيش، وأزمات الحكم، والوجود.
“المثلية” رهان ديزني الخاطئ
مطلع حزيران/يونيو الماضي، أعلنت “ديزني” إطلاق منصة “ديزني بلس” عبر أكثر من 15 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعدت المنصة إحدى أشهر خدمات البث في العالم، حيث تجاوز عدد المشتركين فيها في جميع أنحاء العالم 129 مليون مشترك خلال وقت قصير. لكن بعد حوالى شهرين من الإطلاق، عرضت “ديزني فيلم “السنة الضوئية” (Lightyear)، والذي أثار جدلاً كبيراً “لترويجه للمثلية وجعلها مقبولة عند الأطفال” بحسب ما يقول مراقبون.
الفيلم واجه انتقادات عديدة، وتمّ حظره في 14 دولة بسبب احتوائه على مشهد غير مقبول في المجتمع العربي. ولاحقاً، أعلنت شبكة “ديزني بلس” منع عرض الفيلم على منصتها بالشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، أعلن موقع “هوليود ريبورتر” أن قرار منع العرض في الشرق الأوسط شمل فيلم “السنة الضوئية”، والمشتق من سلسلة أفلام “قصة لعبة” (Story Toy)، وأيضاً تم منع عرض مسلسل “بايماكس” (Baymax) الذي يحتوي على شخصية مثلية الجنس.
وذكر الموقع أن “منصة ديزني بلس تبدو أنها على استعداد لإرضاء الحساسيات الثقافية الإقليمية فيما يتعلق بمحتواها”، وللسبب نفسه، فشل “السنة الضوئية” في الوصول إلى قاعات السينما، قبل أيام فقط من عرضه ولم يحصل على ترخيص العرض في العديد من الدول العربیة لانتهاکه المعاییر المحلية لمحتوى وسائل الإعلام.
وأصبح الفیلم بذلك الأحدث بین أفلام دیزني التي واجهت معارضة في الدول العربية بسبب المشاهد المثلیة، إذ خاضت ديزني الكثير من المعارك مع الرقابة في الشرق الأوسط خلال العام الماضي بسبب أفلام أخرى، ومُنعت الأفلام من العرض في العديد من الدول، بعد أن طالبت الأخيرة قص المشاهد المثلية، لكن ديزني ردت بالرفض على هذه الطلبات، ما أدى لحظر الأفلام في النهاية.
جد قرار “ديزني” ترحيباً عربياً وغربياً، فقد دعمت المذيعة الأميركية ميجن كيلي ذلك الموقف، وعبَّرت عن رفضها تقديم “ديزني” لهذا النوع من المحتوى، مؤكِّدة أن الأَولى هو تقديم أفلام تُعلِّم الأطفال اللطف والتسامح. ولقت أفلام “ديزني بلس” رفضاً لدى شريحة كبيرة من العرب، والغرب على حد سواء، خصوصاً أنها تتناول الأطفال ونموهم الفكري، والعقلي، وهو ما اعتبره كثيرون “أخطر من يمكن أن يروّج للمثلية بشكل لا يمكن السيطرة عليه”.
الأمثال التي وردت هي جزء يسير من خطة عالمية لإقحام قضية المثليين في العالم عموماً وفي المجتمعات العربية خصوصاً، وجعل المثليين “مقبولين” في بيئاتهم. بدءاً من طرح القضية في كأس العالم المقام في بلد عربي، ومنطقة تقع في الشرق الأوسط لكن تحتلها “إسرائيل”، وليس أخيراً من خلال تمرير هذه القضية في الأفلام التي تطال الأطفال وتؤثر على طريقة تفكيرهم المستقبلية. لكن جميع هذه الوسائل فشلت حتى الآن في التسرّب إلى المجتمع العربي لأسباب عديدة، أهمها أن ثقافة المكان وعاداته وتقاليده هي موروثات ليس من السهل أبداً السعي إلى تدميرها، ولو كانت القوة ناعمة وتحفر ببطء.
سيرياهوم نيوز1-الميادين