الدكتور خيام الزعبي
سورية اليوم وعلى إمتداد خارطتها الجغرافية ـ السياسية محط أنظار العالم بأكمله، وحديث الساعة عن قطار المصالحة التي ممكن أن تحصل بين سورية وتركيا، ومتابعي الأحداث السياسية من عام 2011 على أقل تقدير، ملاحظين تطور أداء لغة الخطاب السياسي للنظام التركي تجاه سورية، حيث أبدى الرئيس التركي انفتاح بلاده على التفاوض مع دمشق، بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين توتراً على خلفية قضايا عدة، بينها الموقف من الأزمة السورية .
ولأن السياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح وجدت أنقرة إن مصلحتها تكمن في التوافق مع دمشق وإن اتخاذ مواقف عدائية معها لا يحقق أهدافها ومصالحها، ومن هذا المنطلق وضعت دمشق عدة شروط للمصالحة مع تركيا ورئيسها المغامر أردوغان، وأهم هذه الشروط هي: إنهاء احتلال سورية وسحب مرتزقته من الشمال السوري، بالإضافة الى مكافحة الإرهاب والمتطرفين، وعودة اللاجئين، لذلك كان أمام تركيا فرصة لأن تعيد ضبط علاقاتها مع سورية على محددات واضحة مبنية على التعاون الإيجابي والمرونة وتقديم بعض التنازلات لدمشق، كل ذلك سيكون له تبعاته الخطيرة على وضع الأكراد.
وأمام هذه المعطيات والتطورات فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا ينتظر الأكراد في المستقبل القريب؟
والإجابة على هذا السؤال هو أن تركيا تريد القضاء على التهديد الكردي القائم على حدودها، وروسيا تسعى وبكل قوة الى تصفية حليف الولايات المتحدة الأمريكية في سورية، وبالمقابل تريد سورية السيطرة على الأراضي وخاصة الثروات النفطية من الأكراد في شمال شرق البلاد، بالتالي إن الاتفاق “السوري التركي الروسي” وضع الأكراد أمام خيارات صعبة، ففي حال رفض الأكراد تلبية مطلب تركيا بالانسحاب بمسافة 30 كم عن الحدود فإن المحور الثلاثي (السوري التركي الروسي) سيكون ماكينة تشجع على حرب تركية هناك، كما أن تركيا باتت جاهزة على شن الحرب على الأكراد هذا ما سيقوي موقف الرئيس أردوغان قبيل موعد الانتخابات التركية. وبالتالي فإن ” عودة العلاقات السورية التركية الى مسارها الطبيعي” ستحدث حالة من الارتباك والإحباط من النوع الثقيل لدى الأكراد، فضلاً عن قلق أمريكي من هذا التقارب الذي سيؤثر بشكل سلبي على السياسة الأمريكية في سورية.
هنا لا بد من التذكير بأن “قسد” التي تسيطر على قطاع كبير من المناطق السورية تلعب دور “حراس” الموارد النفطية من خلال الدعم الأميركي لها، وتزامناً مع ذلك، تتمسك الولايات المتحدة بالسيطرة على هذه المناطق، لضمان استمرار سرقة النفط والتحكم بالممرات البرية في شرق سورية لذلك يحاول البيت الأبيض تبرير سرقته للنفط ، بذريعة محاربة الإرهاب، وحماية الديمقراطية الدولية ومصالح الأكراد الذين يعملون أيضاً ضد الحكومة السورية، بينما الرئيس الأمريكي أعلن في أكثر من مرة بأنه يريد النفط السوري.
ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان، ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.
مجملاً… أمريكا التي خسرت أهم أهداف مشروعها التخريبي بالمنطقة وخاصة في سورية، وأمام هذه المعطيات، يبدو أن “قسد” أمام خيارات صعبة وضعتها بنفسها، فهي تلعب بالنار، فالمأمول هنا آن يدرك الأكراد حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي نحوهم، وأن يبادروا إلى مراجعة حساباتهم، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري، وأن يتسارعوا بخطوات التنسيق والتعاون مع الحكومة السورية. وفي إطار ذلك يجب أن يتكاتف السوريون في هذه المرحلة الحساسة وأن يوحدوا صفوفهم من أجل تحقيق الأمن والإستقرار لوطننا الغالي “سورية” والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على سورية وشعبها وبناء مستقبلها الزاهر. وفي تقديري فإنه في هذا العام سنشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم