اسيا العتروس
اذا صدقت الانباء بشأن اللقاء المفترض بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره السوري بشار الاسد في الايام القليلة القادمة فان في ذلك ما يعني أن الديبلوماسية التركية البراغماتية تتقدم بثبات و تزيح من المشهد جامعة الدول العربية الغائبة في كل الازمات لتعيد التموقع اقليميا ودوليا …وهي بذلك توجه عن قصد او عن غير قصد صفعة للجامعة التي فشلت في قراءة التحولات الاقليمية و خضعت لفيتو ابعاد سوريا و رفض استعادتها لمقعدها في الجامعة العليلة و لم تبادر خلال القمة العربية المنعقدة في الجزائر الى تدارك الامر و تجنب استمرار الفراغ الحاصل في سوريا بما يعزز دفعها الى البحث عن السند في روسيا و ايران و تركيا و الواقع أن الجامعة بهذا التوجه ظلت وفية لديبلوماسيتها الخاطئة التي فرضت عليها ان تكون في موقع المتفرج من اليمن الى ليبيا و سوريا والعراق …فهل يمكن بالتالي ان نعتبر ان اردوغان مخطئ بهذا التوجه و هو اكثر من كان يهدد و يتوعد النظام السوري و يعتبر أيامه معدودة قبل أن تكذب الاحداث توقعاته كما كذبت توقعات كل من اتخذ هذا التوجه بما في ذلك الاعلاميين و المحللين و الخبراء و الادارة الامريكية زمن الرئيس أوبما في اعقاب اندلاع الازمة في سوريا و عسكرتها ..
بعد أكثر من عقد على التوتر و العداء بين سوريا و تركيا استضافت موسكو لقاء جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ونظيره السوري علي محمود عباس، ورئيسي المخابرات في البلدين هاكان فيدان وعلي مملوك، بمشاركة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. ..قد يكون من السابق لاوانه الحديث عن تطبيع كامل للعلاقات و لكن لكل شيء بداية و لعل الاحداث القادمة تكشف لنا ما كان خافيا من وراء هذه اللقاءات و ما ستحمله في طياتها مطلع العام الجديد …و أيا كانت المؤاخذات على سياسة اردوغان الحالم باستعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية و تدخلاته في العواصم العربية و محاولاته دعم واستمالة الاسلام السياسي فان تحقيق هذا الاختراق اذا حدث يحسب له في هذه المرحلة لانه اكثر من راهن على ضعف و هشاشة و غياب الموقف العربي العاجز …
طبعا لا مجال لانكار دور موسكو في الدفع الى هذا التقارب السوري التركي و ازاحة الكثير من الحواجز التي كانت تقف دون ذلك و لا مجال ايضا لاسقاط حسابات اردوغان السياسية و هو الذي كشف عن نواياه لخوض سباق الانتخابات الرئاسية خلال الصائفة القادمة و لاشك أن اردوغان أكثر من يدرك من موقعه ثقل ملف الاجئين السوريين في تركيا و الحاجة الى اتفاق لتسهيل عودة هؤلاء الى سوريا فقد انتهى زمن المتاجرة بأزمة الاجئين و زمن الفوز بالمساعدات و المنح الاوروبية غير المسبوقة مقابل احتضان هؤلاء في تركيا و منع تسللهم الى اوروبا ..و الحقيقة أن انقرة استطاعت الاستثمار في هذه الورقة و حازت بفضلها على دعم اوروبي ظل يتدفق كلما هددت تركيا بفتح الحدود أمام الاجئين …
أرسلت روسيا اشارات قوية قبل نهاية العام عن تحول قادم في العلاقات بين انقرة و دمشق مع الاعلان عن لقاء وزيري الدفاع في موسكو و كان الحدث كفيلا بالتأكيد على اعادة الجسوربين سوريا و تركيا …قد لا يكون التطبيع قريبا بين الجانبين و لكن من الواضح ان تركيا باتت مقتنعة بان تكاليف القطيعة مع دمشق أخطر على مصالح تركيا لا سيما فيما يتعلق بملف الاكراد …
الحديث عن عودة التقارب بين اردوغان و الاسد يأتي بعد قطيعة استمرت منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 رغم العلاقات المتينة التي ميزت الصداقة التي جمعت بين إردوغان والأسد قبل أن تنهار و تتحول الى عداء معلن مع تواتر الحرب الكلامية بين الاثنين و اتهامات الرئيس التركي للاسد
بالاجرام والدكتاتورية فيما اتهمه الاسد بانه يدعم الارهابيين لتفتتح تركيا احضانها للمعارضة التركية التي كانت في الواقع معارضات بين معارضة لندن وباريس الى معارضة الدوحة والرياض وموسكو …و تمكنت انقرة بالتزامن مع تراجع و انهيار سوريا مع ظهوروانتشار الدواعش من اختراق الحدود السورية و احتلال مناطق حدودية مع تركيا منذ 2016 ..و الارجح ان الدور الروسي منع في اكثر من مناسبة من من الوصول الى المواجهة بين الجانبين …في اوت الماضي تم تسريب انباء عن لقاءات بين مخابرات البلدين ..و يبدو ان لقاء وزيرا الدفاع بات مؤشرا على لقاء يمكن ان يجمع اردوغان و الاسد أمر لم ينفه اردوغان وربما يؤشر ذلك الى تهيئة الراي العام لهذا الانتقال الذي ينظر اليه على انه قد يرتبط بالاعلان عن شن عملية واسعة ضد المجموعات الكردية التي تعتبرها تركيا مجموعات ارهابية و امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود…
المعارضة التركية لا تنظربالتأكيد الى هذا التقارب بعين الرضا و هي تعتبره قربان الانتخابات التركية القادمة ..حتى الان ليس من الواضح ما سيكون عليه الموقف الامريكي الداعم للاكراد ..لا خلاف ان لدمشق ايضا مصلحة في تحقيق هذا التقارب و استعادة سيطرتها على جزء من اراضيها النفطية التي خسرتها في السنوات الماضية ..مهما كانت المواقف من توجهات اردوغان فان الواضح أن بوصلته موجهة الى الامام و هو لا ينظر كثيرا الى الازمات التي انزلق اليها في الماضي …اعاد علاقات بلاده مع السعودية و قد كنا نخال ان تصريحاته بعد قضية خاشقجي قد حكمت بقطعها الى الابد و توقف لمصافحة السيسي و قد كان يصفه بكل النعوت المخزية و هو يستعد لاحياء العلاقات مع دمشق بعد ان اعادة علاقات انقرة المتجمدة معتل أبيب ..أكيد ان الحسابات الانتخابية لاردوغان التي لم يبق عليها غير ستة اشهر على درجة من الاهمية و لكن الاكيد أن قواعد اللعبة الديبلوماسية تحتاج من يفهمها و يتقن ابعادها جيدا.
كاتبة تونسية
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم