آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » “ووشان”: مدينة صينية اختبرت الفقر وتحدّته

“ووشان”: مدينة صينية اختبرت الفقر وتحدّته

 

الصين:لجين سليمان

من الصعب لمن لا يعرف الكثير عن مدينة “ووشان” أو على الأقل لمن لم يقرأ عنها قبل زيارتها أن يعتقد أنها من المدن الكبيرة في الصين، خاصة وأنها مدينة جبلية تتألف من بنى تحتية ضخمة ابتداء بالجسور التي تربط بين كل ضفتين متباعدتين، وانتهاء بالأبنية العالية التي تصعد السماء مسرعة، إلا أن لقاءات بسيطة مع بعض السكان المحليين كفيلة بأن تجعلك تدرك السبب الذي يدفع تلك المدينة إلى استغلال حاضرها بالعمل المكثّف كي تظهر وكأنها من أضخم المدن الصينية، إذ يتم ربط كل لحظة من الحاضر بالمستقبل، لا سيما وأنها مدينة اختبرت الفقر وواجهته.

“ووشان” من الفقر إلى الزراعة

تقع مدينة ووشان شرق مدينة “تشونشينغ” في جنوب غرب الصين، تمتد على مساحة تقارب 3000 كيلومترا مربعا. منذ بداية المعركة ضد الفقر ، تم انتشال90 ألف أسرة فقيرة من 120 قرية من الفقر المدقع. وحتى اليوم بعد أن تم القضاء على الفقر الشديد فإن تلك المدينة لم تعلن استراحة محارب، إذ أنه يوميا يتم التحضير للمستقبل القادم من خلال استمرار عمليات البناء والزراعة، فالقضاء على الفقر كان البداية ولم يزل هناك الكثير، هذا بالإضافة إلى أنه ومن خلال التخفيف من حدة الفقر تمت عملية السيطرة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك تمهيدا إلى تحقيق تطوّر اقتصادي واجتماعي أكبر.

ونظرا لأن تلك المدينة تتميز بجبالها الشاهقة وجداول المياه المنتشرة بكثرة، فقد تم الاعتماد على هذين العنصرين في التخفيف من حدة الفقر، وهنا تظهر سمة مميزة في عملية القضاء على الفقر في الصين اعتمادا على الطاقة الكامنة في كل مدينة وقرية، فقد تمّ تسخير الجبال لزراعة مختلف أنواع المحاصيل الزراعية من أهمها التبغ، كما تم اعتماد أنواع معينة من المزروعات وفقا لارتفاع كل منطقة جبلية عن سطح البحر، بحيث تتناسب عملية التحديث الزراعية التي ستتعرض لها المحاصيل مع موقعها والمناخ المحيط بها.وأما على طول السواحل فقد زُرعت الحمضيات، وهو ما يشكّل استغلالا للمزايا الطبيعية التي تمتلكها كل مقاطعة. وبذلك تكون الزراعة هي العامل الأساسي الذي تمّ اعتماده للتخفيف من حدة الفقر في “ووشان”.
وبمقارنة بسيطة بين عامي 2014 و 2019 يظهر أنّه في عام 2014 ، كان نصيب الفرد من الدخل المتاح للمقيمين الريفيين الدائمين في ووشان 6935 يوانًا. وفي عام 2019 ، ارتفع هذا الرقم إلى 11229 يوانًا ، بمتوسط معدل نمو سنوي يبلغ 10.6٪.

البنى التحتية كلمة السر

وعلى الطريقة الصينية في التخلّص من حدة الفقر، عادة ما تكون البنى التحتية والطرقات الجديدة إحدى أهم الوسائل للنهوض الاقتصادي فقد تم بناء 3500 كيلومترا من الطرقات الجديدة من بينها ما يخترق الجبال لتسهيل الحركة والوصول إلى مناظر جميلة قد لا تتوفر في أماكن منخفضة، خاصة وأنه يتم العمل على بناء فنادق جبلية للسياح. كما تم إعادة تأهيل أكثر من 3500 مشروع لمياه الشرب، كما تم مد 22300 كيلومتر من خطوط الأنابيب بحيث تصل مياه الشرب إلى جميع القرى المحيطة.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ “ووشان” كمدينة جديدة وعصرية بُينت في السنوات القليلة الماضية في سفوح الجبال، وأما المدينة القديمة فقد أصبحت تحت مياه البحيرة بعد بناء سد الممرات الثلاثة، خاصة وأن تلك المدينة كانت تشهد فيضانات متكررة بعد ارتفاع منسوب المياه في فصل الشتاء، أما بعد بناء سد الممرات الثلاث قد تم حل هذه المشكلة، وانتقل معظم السكان إلى مناطق منظمة.

وتتجهّز “ووشان” كي تكون مقصدا للسياح، إذ أنها وبالإضافة إلى احتوائها على مناظر طبيعية خلابة مؤلفة من جبال شاهقة وبحيرات جميلة، فهي تتميز بخريفها الجميل إذ تتحول أوراق الأشجار إلى أوراق صفراء وحمراء، ولذلك تعد تلك المدينة عاصمة “الأوراق الحمراء” في الصين، هو بالفعل حب المدينة يدفع إلى استغلال كل ميزة مهما كانت بسيطة حتى ولو كانت أوراق أشجار.

ولأن النهوض من الفقر لا يقتصر على النهوض المادي فقط، بل يوجد من الفقر ما هو فكري، لذلك يتم العمل حاليا على زيادة عدد المدارس مع رفع سوية المعلمين لرفع جودة التعليم.

سكان ممتنون

يتحدث أحد أهالي المدينة عن الماضي عندما كانت “ووشان” تعيش حالة من الفقر المدقع، إذ يقول: “كنت أعيش هنا في أحوال صعبة جدا، والبرد كان قارصا إلا أننا اليوم بتنا نعيش أفضل” ويضيف: “أنا ابن مزارع فقير، أصبحت أستاذا جامعيا وقد تحسّن وضعي المادي بشكل كبير، كله بفضل سياسات التخلص من الفقر التي اتبعتها الحكومة الصينية”..ولسياسات التخلص من الفقر تلك أثرها على المناخ أيضا إذ أشار كثيرون إلى أنّ “ووشان كانت مدينة مغطاة بالغبار في فصل الصيف، والطرقات تمتلئ بالطين في الشتاء، ولكن لن يصعب على المدن التي تتحدى الفقر أن تتحدّى بعض العوامل المناخية غير المرغوب بها”.

كما يروي أحد سكان المدينة ممن يعمل كدليل سياحي، والذي عمل على تحضير نفسه في الماضي للوصول إلى هذه اللحظة عندما تنهض مدينته من الفقر ليقدّم للزائرين بلدته كما كان يحلم بها يقول: “كنا عندما نرغب بزيارة مدن أخرى كتشونشينغ أو هوبي نضطر إلى استخدام قارب ونحتاج إلى يومين للوصول، أما اليوم فيكفينا ساعات قليلة للوصول حتى إلى العاصمة بكين بفضل القطار السريع” ويضيف شارحا بعيون تلمع سعادة واطمئنان: “حاليا ارتفع سعر المتر في المدينة، وارتفع أيضا راتبي، ففي السابق كنا نحلم بشقق منظّمة، خاصة وأن المراحيض لم تكن داخل منازلنا بل كانت في أماكن بعيدة نسبيا عن حيث نقطن، أما اليوم فإن الأمر اختلف تماما، فنحن نحيا حياة مستقرة بفضل حكومتنا، وابنتي تعيش أيضا بجانبي وهذا يكفيني، الاستقرار نعمة لنا”
لكلّ مدينة من مدن الصين قصتها المختلفة وتحدياتها التي جعلتها تواجه أسباب الموت لتنهض مجددا وتتغلب على كل ما يعيق تقدمها، بفضل تكاتف كبير بين الحكومة والشعب.


(سيرياهوم نيوز ٤-صفحة الكاتبة)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قيادي بحركة “حماس”: لا صفقة تبادل مع إسرائيل دون وقف الحرب على غزة وهناك اتصالات لتحريك المفاوضات ونتنياهو العقبة

قال القيادي في حركة “حماس”، خليل الحية، إن اتصالات تجري حاليا لتحريك ملف المفاوضات، مؤكدا أن الحركة تبدي مرونة تجاه ذلك، وأنه لا صفقة تبادل ...