عبد المنعم علي عيسى
شيئاً فشيئاً ترتسم ملامح المشروع الإماراتي الإقليمي الذي بدأته أبو ظبي قبل نحو عقد من الزمن عندما أطلقت هذي الأخيرة صرختها معلنة عن نفسها قوة إقليمية صاعدة لا مناص من إدخالها في حسابات الثقل وتوازنات القوى التي غالباً ما تلعب أدواراً في التحولات السياسية الجارية وتلك التي يجري إعدادها في مطابخ الدول الكبرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذي الأخيرة، إذ تمارس فعل الطبخ آنف الذكر، لا بديل منها عن الاستعانة بنقاط ارتكاز إقليمية مساعدة، والاختيار غالباً ما يكون ناجماً عن مجموعة من المعطيات التي يجب أن تتوافر في ذاك الذي يقع عليه الاختيار.
ما نقصده بالصرخة هنا هو نجاح الإمارات في تجاوزها لأزمة «ديون دبي» التي خرجت للعلن العام 2009 كإحدى التداعيات التي نجمت عن أزمة «البنوك الأميركية» التي كانت ارتداداتها تجوب العالم بعد عام على انفجارها، حيث السرعة والسيطرة على مفاعيل الأزمة اللتان جرتا في غضون مدة لا تزيد على الأشهر الستة كانتا دلالة على اقتصاد مستقر يمتلك من المرونة ما يكفي للنجاح في «الامتحان» المفضي لتحديد «أهلية» الكيان للعب دور نقطة الارتكاز الإقليمية، بينما النقطتان الأخريان تمثلتا في توافر قيادة سياسية ذات تأثير واسع وعلاقات مفتوحة، ثم في توافر الرؤية عند تلك القيادة التي يصح توصيفها بالمشروع المتكامل الذي لم يكن ينقصه الإرادة ولا القدرة على إدارة الأدوات المتوافرة.
في تلمس ملامح المشروع الإماراتي يمكن القول إن هذا الأخير يقوم على محاولة ترميم بنية النظام العربي المتآكل بفعل صدمات تلقاها بدءاً من اتفاقات كامب ديفيد 1978 و1979، مروراً بغزو العراق للكويت 1990، ثم وصولاً إلى سقوط بغداد 2003، ولربما تكشف وهنه، أكثر ما تكشف، عبر حروب غزة الست ما بين عامي 2008 – 2021، والمؤكد هو أن تلك الشقوق التي تبدت جلياً بعد أحداث «الربيع العربي» كانت قد توسعت نتيجة لافتراق الاصطفافات التي فرضتها سياسات المحاور التي راحت تنخر في نسيج ذلك النظام بدرجة بدا فيها أشبه بـ«جثة هامدة» من الصعب إعادة الحياة إليها من جديد، والمؤكد هو أن المحاولة الإماراتية تبدو مدركة جيداً، وهي تسير في مسعاها ذاك، لحقيقة مفادها أن المسار سوف يصطدم، لا بد، بمسعى غربي ماض نحو التلاعب بـ«جينات» المنطقة، لكن مع الإبقاء على تركيبتها العامة، ولذا فإن الحراك الإماراتي يتحدد عبر هامش المناورة الكائن ما بين «مسعى التلاعب» و«قرار الإبقاء على التركيبة العامة»، لكنه مع يقينه ذاك يجهد نحو توسعة ذلك الهامش الأمر الذي يمكن لحظه من خلال تصريح أدلى به مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش، شهر تموز المنصرم قال فيه إن بلاده «ليست طرفاً في أي محور في المنطقة ضد إيران»، ويظهر أيضاً عبر التقارب الإماراتي الأخير مع تركيا الذي يهدف إلى خلق نوع من التوازن الإقليمي ما بين قوتين سوف يكون تضاربهما ثقيلاً على نسيج المنطقة ضعيف التماسك.
بناء على ما سبق فإن الإمارات التي نجحت، بدرجة ما، في أن تلعب دور نقطة ربط اقتصادية ما بين الشرق والغرب، تعمل على الاستثمار في ذلك النجاح لجهة خلق تراجم إقليمية له عبر السعي إلى خلق نوع من الاستقرار الإقليمي يكون فاتحة لتلاقيات من شأنها طرح ملف نظام الأمن القومي العربي على الطاولة، حيث الفعل وحده يمثل خطوة ومؤشراً مهماً لاستعادة المنطقة لنشاطها وبث الحيوية فيها من جديد.
مرة أخرى لم تضيع أبو ظبي اتجاه البوصلة الصحيح في قراءتها لـ«مفتاحية» دمشق التي تعني الكثير في ذلك المشروع، وإذا ما كانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي الأخيرة لدمشق قد كشفت عن دور إماراتي يريد أن يكون قريباً من ملف شائك من نوع التقارب السوري التركي، لكن الخطوة تشير أيضاً إلى رمي الإمارات بثقلها في مسار إيجاد حل مستدام للصراع السوري، الأمر الذي يمكن تلمسه في افتتاحية جريدة «الخليج» الإماراتية، المقربة من غرف صناعة القرار في أبو ظبي، التي جاء فيها يوم الخميس الماضي «طال أمد الأزمة السورية، وبات العمل لاسترجاعها إلى حضنها العربي مسؤولية قومية وإنسانية بل مهمة عاجلة، وهذا ما تقوم به دولة الإمارات».
سيرياهوم نيوز1-الوطن