كمال خلف
في سورية وحول سورية ثمة سيل من التحليلات، والتصورات، والاسئلة واحيانا الشطحات والخزعبلات والشعوذة الصحافية التي ما ان تنطلق من مكان ما حتى تصبح تماثل الحقائق، ويبني عليها محللون وكتاب تصوراتهم لماهية المرحلة المقبلة، لا يمكن انكار ان الصورة في سورية بما يعني ملفات عدة ضبابية، على رأسها مسار التقارب السوري التركي، في هذا الملف الجانب التركي يصرح ويطلق المواقف بشكل متواتر عن رغبة عقد قمة بين الأسد واردوغان، وعن خريطة طريق للعلاقات السورية التركية وعن مواعيد تقريبية لجدول اعمال الاجتماعات، بينما الجانب السوري صامت لا يعلن ولا حتى يسرب ويتحرك بحذر وهدوء معهود تاريخيا في الدبلوماسية السورية.
اثار المشهد في سورية الانتباه مؤخرا نظرا للحراك الدبلوماسي الذي طرأ عليه تمثل باللقاء الذي جمع وزراء دفاع “سورية وتركية وروسيا” في موسكو وزيارة وزير الخارجية الاماراتي “عبد الله بن زايد” الى دمشق بعد هذا اللقاء الثلاثي بأيام وما سبق كل ذلك من وصول وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي يحمل رسالة لم يكشف حتى الآن عن مضمونها او الجهة المرسلة: اضف الى ذلك الزيارة التي كانت مقررة بداية الأسبوع الماضي للرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الى دمشق، والتي تأجلت لاسباب غير معروفة، وما جرى بعدها من اتصالات سورية إيرانية متسارعة تمثلت بالمكالمة الهاتفية بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ونظيره الإيراني حسين امير عبد اللهيان، والزيارة التي قام بها في اليوم التالي “امس” معاون وزير الخارجية السورية ايمن سوسان الى طهران.
كل ذلك تسبب بازدحام في التوقعات والتحليل وتكهنات حول المسارات، واحيانا تخيلات نعتقد ان لا أساس لها وان باتت الان تشبه المسلمات لدى الرأي العام.
سنحاول من خلال هذه العجالة وضع بعض النقاط على الحروف في محاولة لقراءة المشهد وفق تصورات نعتقد انها اقرب للواقع.
العلاقات السورية التركية تشهد حراكا بلا شك، والأتراك جادون في عقد اللقاءات ومستعجلون بعقد القمة بين الأسد واردوغان، لكن المعضلة الرئيسية ليست في ذلك، انما في مدى الاستعداد التركي لتوفير متطلبات سورية الملحة. دمشق تفحص النتائج الممكن الاتفاق عليها اكثر من اهتمامها بموعد القمة.
صحيح ان وزير الخارجية التركي “مولود جاويش اوغلو” صرح حول إمكانية عقد لقاء ثلاثي على مستوى وزراء خارجية “سورية وروسيا وتركية” منتصف هذا الشهر، وان هناك من جزم في ضوء هذا التصريح، وبناء على زيارة “عبد الله بن زايد” الى دمشق ان الاجتماع سوف يعقد في أبو ظبي، لكن اعتقد ان هذا لن يحدث. واستبعد إمكانية عقد لقاء ثلاثي على لوزراء الخارجية منتصف هذا الشهر، والأرجح ان الاجتماعات العسكرية سوف تستمر الى حين نضوج مرحلة الانتقال الى لقاء على مستوى سياسي. اما دعوة الامارات لعقد هذا الاجتماع في أبو ظبي اعتقد ان بن زايد لم يطرح ذلك على الأسد من الأساس، وان الحديث عن ذلك مجرد كهنات او تخيلات.
المدهش هو ما سمعته على لسان احد المحللين ان بن زايد جاء الى دمشق بهدف بحث مسألة رفات الجاسوس الإسرائيلي “ايلي كوهين”. من المؤكد انه استند الى مناشدة ابنة الجاسوس كوهين الامارات ان تلعب دور الوسيط في هذا الملف في مقابلة معها لاحدى للمحطات التلفزيونية الإسرائيلية قبل شهر، ولم يستند الى معلومة من أي نوع او أي مصدر، واعتقد ان هذا الكلام من مخيلة قائله، الامارات لم تطلب ولن تطلب شيئا من هذا القبيل من سورية، لاسباب يعرفها جيدا المتابعون الجديون لهذا الملف، ولطبيعة وصيغة العلاقات الامارتية السورية.
اما عن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى دمشق فقد كانت مقررة فعلا وتم تأجيلها لاسباب غير معروفة، وكان مقررا ان يغادر الرئيس الإيراني من دمشق مباشرة الى انقرة لعقد قمة مع الرئيس اردوغان، وكان مقررا ان يعقد لقاءا مع كافة الفصائل الفلسطينية في دمشق بما فيها حركة حماس بحضور القياديين خليل الحية وصالح العاروري، وقد تكون الاتصالات الكثيفة التي تجري الآن بين دمشق وطهران بهدف ترتيب موعد الزيارة المقبل، والتي يبدو انها ستحصل خلال وقت قريب جدا، وعلى الأرجح ان الاجتماع المنتظر بين وزراء الخارجية سيكون رباعي وليس ثلاثيا وفي طهران وليس أبو ظبي.
كل هذه التطورات والمواعيد مرهونة بنتائج الاجتماعات التمهيدية، وسبق ان فصلت في المقال السابق الملفات على طاولة التفاوض ونظرة كل طرف نحوها، والعوائق والمعضلات التي تعترض التوصل الى اتفاق قابل للتنفيذ، وأكرر القول ان المسار في بدايته وليس في خواتمه السعيدة، وينتظر الطرفين عمل شاق وبحث في التفاصيل وتذليل صعوبات، بما انتجته حرب السنوات العشر من تعقيدات في الجغرافية السورية.
سورية لديها مصلحة استراتيجية في افضل العلاقات مع تركية بحكم الجوار والحدود الطويلة والتاريخ المشترك بين البلدين أيا كان من يحكم تركية، ومن مصلحة تركية اصلاح العلاقة مع بوابة الشرق وان تكون مراجعة السياسات العدائية السابقة مراجعة مبنية على قرار استراتيجي وليس في اطار التكتيكات الانتخابية المرحلية، بناء الثقة ليس مستحيلا لكن يحتاج الى وقت وجهد ونوايا صادقة والتزام بالعهود والاتفاقات وتنفيذها.
الأيام القادمة حبلى بالاحداث والتطورات، وقد تكون الصورة أوضح للمهتمين بالشأن السوري، امنيتنا في هذا العام ان تستعيد سورية عافيتها، وينعم شعب سورية بحياة تليق بحضارته وتحضره وقيمته العالية في هذا المحيط العربي.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم