كلما صدر تقرير عن الأمم المتحدة عن حال القراءة في العالم، صرخنا من أعماق قلوبنا: يا للهول!. فالعرب في ذيل الأمم القارئة، وهم لا يعطون الكتاب سوى القليل جداً من وقتهم في العام، بحيث إن العربي لا يقرأ سوى صفحة واحدة في أفضل الأحوال، في حين يقرأ الفرد في أماكن أخرى من العالم أكثر من ثمانين كتاباً في السنة.. التقارير تؤكد أن أمة “اقرأ” تمر في أسوأ حالاتها في هذه الحقبة التاريخية، ليس من ناحية القراءة وحسب، بل من مجمل النواحي الأخرى، وهو ما يغفل عنه تقرير الأمم المتحدة المشار إليه، فتراجع القراءة يبدو منطقياً لدى شعوب كاملة تعاني شظف العيش والجوع ولا تنشغل عقولها إلا بالبحث عن أسباب البقاء على قيد الحياة .
النتيجة صادمة من دون شك، لكن في كل مرة يُفصل فيها العامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عن العامل الثقافي، تقع تلك التقارير في المطب نفسه، فالمنطق يقول: إنه من الصعب وجود تنمية ثقافية على صعيد المجتمع في غياب تنميات اقتصادية واجتماعية، وإذا ما علمنا أن دخل الفرد في بعض الدول العربية لا يتجاوز ستمئة دولار سنوياً، يمكن أن نتخيل حجم التنمية الثقافية الحاصلة في هذه البلدان.. في جميع الأحوال، فإن عينات بسيطة من الوسط الجامعي يمكن أن تشير إلى واقع القراءة.. فلنتابع:
يقول سامر، طالب إنكليزي، إنه يكتفي بقراءة المنهاج الجامعي من أجل النجاح في الامتحان، ولا يرى أن هناك ضرورة لقراءات أخرى لأن هذا العصر هو للاختصاص ومن الأفضل أن يركز الإنسان على مجاله فقط!. أما بالنسبة لسلوى، طالبة أدب عربي، فالعذر نفسه، فهي لا تكاد تلحق تتمم واجباتها الجامعية حتى تنزل إلى دوامها في أحد محلات بيع الألبسة من أجل أن تؤمن مصروف الجامعة.. أما سعيد، طالب معلوماتية، فيرى أن القراءة اختلفت في هذا العصر حيث يمكن للإنسان أن يأتي بأي معلومة عبر كبسة زر على محركات البحث، وبالتالي لا داعي لقراءة الكتب بالنسبة إليه بل لابد من التركيز على التكنولوجيا الحديثة والتعامل معها بشكل محترف
لا نعلم بالضبط، الحال الذي سيكون عليه خريج الآداب إذا لم يكن من هواة القراءة، فالمعروف أن العلوم الإنسانية لا يمكن أن تكتفي بالمنهاج الجامعي وحسب بل هي طريق طويل من الاطلاع والبحث المعرفي، أما بالنسبة إلى موضوع سهولة العثور على أي معلومة عبر شبكة الانترنت، فالمشكلة تكمن في كيفية استثمار هذه المعلومات في الحياة العملية، فإذا كانت هذه المعلومات كامنة في محركات البحث ولم تنتقل إلى الأدمغة فكيف سيحصل الإنسان على الفائدة المطلوبة في سلوكه العملي أثناء الحياة؟
العربي لا يقرأ سوى ست دقائق في السنة!
مفارقات كثيرة تواجهنا كلما صدر تقرير عن الأمم المتحدة أو مؤسسات أخرى، يتناول حال القراءة في العالم العربي، فالفرد العربي لا يقرأ سوى ست دقائق في العام، بينما يقرأ الأوروبي مئتي ساعة سنوياً، وبحسب تقرير التنمية البشرية عن اليونسكو عام 2003، فإن المواطن العربي يقرأ أقل من كتاب بكثير، وكل ثمانين شخصاً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة.. هذا الأمر تؤكده أرقام دور النشر التي لا تطبع أكثر من ألف نسخة من أي كتاب سنوياً، ولا يتجاوز عدد الكتب المطبوعة على المستوى العربي سبعة آلاف كتاب سنوياً بينما يتجاوز المليون في دول أخرى.
مداخيل قوية.. وقراءات ضعيفة!
لابد من الإشارة هنا إلى أن الدول العربية التي يعتبر الفرد فيها من أصحاب الدخول العالية التي تصل إلى أكثر من سبعين ألف دولار في السنة، تعاني أيضاً من ضعف القراءة، وهذا الأمر إن دل على شيء فهو يؤكد المشكلة المعرفية العربية على صعيد التأليف والإبداع التي أدت إلى استقالة العرب من الإنتاج المعرفي العربي والذي يظهر أكثر ما يمكن عبر المحتوى الرقمي العربي الذي يعتبر من أفقر المحتويات في العالم.. المسألة متشعبة وتتحمل الكثير من البحث والحديث، لكن ما هو مؤكد أن هناك مصيبة تعصف باللحظة التاريخية العربية سواء تحدثنا من ناحية الذهن أو الجسد على حد سواء.
(سيرياهوم نيوز-تشرين)