د. صبحي غندور
قبل أكثر من عقدٍ من الزمن، أقام “مركز الحوار العربي” في منطقة واشنطن، عدّة لقاءات خاصّة مع عددٍ من المفكّرين العرب المتفاعلين معه، نتج عنها إعداد مجموعة مبادئ فكرية لتكون بمثابة أرضيّة مشتركة للعرب الناشطين من أجل مستقبلٍ عربيٍّ أفضل.
وقد هدفت هذه “المبادئ السبعة” إلى توليد قناعة لدى عموم العرب بأهمّية التكامل بين الإصلاح السياسي والاجتماعي وبين العمل التدريجي لقيام اتّحاد فيدرالي بين الأوطان العربية، يحفظ وجودها ووحدتها واستقرارها، ويضمن نهوضها وتقدّمها. وهنا نصّ المبادئ التي نرجو أن تكون مساهمة متواضعة في جهود من يعملون الآن على تطوير وإصلاح أوضاعهم في أيّ بلدٍ عربي:
أولاً- مسألة الهُوية العربية
-
العرب أمَّة واحدة وهم ينتمون لثقافة واحدة ولخبرة تأريخية حافلة مشتركة. وتقوم عناصر وحدة الأمّة على الاشتراك في اللغة والثقافة والتاريخ والأرض والمصير المشترك. والعروبة ثقافة قومية يتمايز بها العربي بين سائر الثقافات ضمن العالم الإسلامي وخارجه. الانتماء للعروبة أعمُّ بالنّسبة للعرب من الانتماء لإقليم أو طائفة أو مذهب أو أصول إثنية. وفي هذا النسق، الهويَّة العربية ترعى وتتكامل مع خصوصيات الموطن والدين والأصول الإثنية.
2 الوضع الأمثل للأمَّة العربية ينشأ باتّحاد فيدرالي بين الدول العربية، وتحقيق ذلك يتطلّب عملًا دؤوبًا ونشطًا للإصلاح في الداخل، وسعيًا لبناء التضامن الفعّال في مجال العلاقات بين الدول العربية.
ثانياً- مسألة العروبة والإسلام
-
اعتبارُ كل المبادئ والقيم الدينية للرسالات السماوية معينًا مرشدًا لمهمّة الإصلاح.
-
الإسلام يرفض الإكراه في الدين ويعتبر الكرامة للإنسان من حيث هو إنسان: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ).
-
الحضارة الإسلامية يشترك في الانتماء لها كلّ العرب كيفما كان دينهم أو أصلهم الإثني. وللثقافة العربية خصوصية مركزية في الحضارة الإسلامية، كما اللغة العربية باعتبارها لسان قرآنه المجيد. في توحّد العرب دعمٌ للعالم الإسلامي، وفي التآلف بين المسلمين عالميًّا دعمٌ للنسيج الجامع بين العرب.
-
مبادئ الإسلام: العدل – المساواة – كرامة الإنسان – الشورى، هي أيضًا مبادئ عالمية إنسانية تتّصل بها، تُستمدّ منها، وتترتَّب عليها حقوق الإنسان ومستلزمات رعايته. وتطبيق هذه المبادئ في الحياة المعاصرة لا يجب أن تحدّه اجتهادات أو ممارسات الأوّلين.
ثالثاً- المسألة الديمقراطية
-
لكي يستعيد العربي نفسَه الحضاري، لكي يقتدر على البناء والإبداع، لكي يحيا حياةً حرَّة طيبة، يجب أن تصان حقوقه كإنسان وكمواطن في وطنه، يتمتّع بحقوق “المواطنة” بغضّ النظر عن دينه أو نسبه أو حاله الاجتماعي. ولا تصان حقوق العربي في وطنه في غياب نظام ديمقراطي حقيقي يكون الشعب فيه هو مصدر السلطات.
-
المبدأ الديمقراطي يرفض التمييز على أساس جنس أو لون أو أصل عرقي أو منشأ وطني أو انتماء طائفي أو مذهبي. والممارسة الديمقراطية السياسية السليمة تستوجب تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع العدل وتكافؤ الفرص والتنمية الاقتصادية الشاملة.
رابعاً- مسألة حقوق المرأة:
-
مبدأ المساواة بين النّاس أصيلٌ لا يُمسّ، ويعني التكافؤ بين الناس عمومًا في حقوق الإنسان وحقوق المواطنة. نعم، قد يتغاير الاستعداد لدى الرجال والنساء في أداء بعض الأدوار في الحياة، لكن ذلك لا يجيز خرقًا للتساوي بين الجنسين في الحقوق ولا في أهلية تولّي مسؤوليات قيادية والمشاركة السياسية والمدنية في سائر شؤون المجتمع.
خامساً- مسألة المنهج
-
يترشَّد اجتهاد الأمّة العربية في تقرير شأنها العام بالمنهج العلمي، وباعتماد العقل كمرجعية له، إذ بغير المنهج العملي لا يتأتّى استنباط بمعرفة وبناء على بيِّنة واهتداء بالتجربة والاختبار، وهي أمور لازمة لسلامة التشريع والتنظيم.
سادساً- مسألة نبذ العنف عربيًّا على الإطلاق
-
لا يُلجأ إطلاقًا لعنف لحسم أيِّ خلاف أو اختلاف، مهما بلغ، بين أطراف عربية، ففي ذلك خرقٌ لتضامن الأمَّة وهدرٌ لكرامتها، وتمكين للأجنبي من أن يتدخَّل فيفرَّق ويسود.
-
لا يجوز للسلطات أن تستخدم العنف في غير القضايا الجنائية، واللجوء للعنف في غير ذلك – سواء من السلطات أو من قوًى في المجتمع- يمثّل إفلاسًا فكريًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا، وتنكّرًا وإساءةً للعروبة وللديمقراطية وللقيم الدينية، ويفتح الطريق أمام الحروب الأهلية.
سابعاً- القيم الخُلقية في الشأن العام:
تتقدّم الأمم والمجتمعات وتتطوّر حضاريًّا بمقدار ما يرتبط الشأن العام فيها بضوابط أخلاقية تقوم على مجموعة من القيم التي تعدّ القيادات الصالحة لإدارة أمور النّاس. ومن دون هذه القيم الأخلاقية لا يمكن صيانة العمل العام في أي موقع رسمي أو مدني من مزالق الفساد والاستغلال. فبناء الجيل العربي الجديد، والإنسان العربي عمومًا، يتطلّب أولًا وأخيرًا الالتزام بالضابط الخُلُقي في كل شأنٍ عام.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم