الرئيسية » الزراعة و البيئة » بين أربعينية وخمسينية.. روزنامة خاصة بشتاء الفلاح السوري

بين أربعينية وخمسينية.. روزنامة خاصة بشتاء الفلاح السوري

| سارة سلوم

قسم العرب قديماً الشتاء إلى أربعينية وخمسينية، تعرفوا إلى خيراتها من خلال ملاحظات اعتادوا تتبعها للتنبؤ بشدة البرد وغزارة الأمطار فيها. ما قصتها؟ وكيف يمضي الفلاح في سوريا هذه الفترة من العام؟

قضى أجدادنا أعواماً طويلة في ملاحظة الظواهر الطبيعية ومراقبة تغيرات الفصول الأربعة وأحوالها الجوية، ولخّصوا ما وصلوا إليه في روزنامة شفهية وصلت إلينا عبر ذاكرة كبار السن، وما لبثت أن تحولت إلى ثقافة شعبيّة ما زال الكثيرون يعملون بها.

يحتلّ فصل الشتاء الذي يمتد 90 يوماً أهميّةً كبيرة في هذه الروزنامة. قسمه العرب إلى “أربعينيّة” تتكون من 40 يوماً، تبدأ في 21 كانون الأول/ديسمبر، وتنتهي في 30 كانون الثاني/يناير. أما القسم الثاني، فهو “الخمسينيّة”، التي تمتد 50 يوماً، تبدأ من الأول من شهر شباط/فبراير، وتنتهي في 21 آذار/مارس.

الأربعينية مؤشر لقياس جودة الموسم الزراعي

يجلس أبو محمد على شرفة منزله في ريف جبلة، متأمّلاً فسحته الأمامية، بعدما زرعها بالفاصولياء. يحتسي قهوته الصباحيّة مستمتعاً بشمس أحد أيام شهر كانون الثاني/يناير  الدافئة، ويقول للميادين نت: “الأربعينية هي العمود الفقري لفصل الشتاء، ففيها البرد الشديد والثلوج والأمطار الكثيرة، وهي بالنسبة إلينا، نحن الفلاحين، المؤشر الذي يدل على جودة الموسم الزراعي”.

ويضيف: “إذا كانت ماطرة، فهذا يعني أن معظم أيامها ستكون كذلك، وسيكون الموسم وفيراً. أما إذا بدأت ببردٍ وجفاف، فهذا يعني أن معظم أيامها سيكون بارداً، ولن يكون الموسم كما يجب”.

يحفظ الرجل الستّيني الكثير من الأمثال التي يعرفها من جده عن هذه الفترة، ولا يوفّر فرصةً كي يرددها مراراً وتكراراً أمام أحفاده الذين “لا يهتمون بالزراعة والتراث كسائر أبناء جيلهم”، بحسب تعبيره.

ويتابع: “نحن نقول مثلاً: “المربعانية يا بتربع يا بتقبع”. هنا “تربع” بمعنى تسمن، لكثرة المطر والعشب، و”بتقبع” أي تضعف وتزول لقلة المطر والعشب، ونقول أيضاً: “المربعانية يا شمس بتحرق يا مطر بيغرق”، ما يعني أن المردود الطيب يُحدَّد بكمية المطر الذي هطل خلالها، فتكون سنة خير، لأن الأربعينية في “كوانين”، وهما شهرا المطر الغزير والأساسي في فصل الشتاء”.

“الأربعينية والخمسينية” بالنسبة إلى أبو محمد هما مدرسته الزراعية وبوصلته في العمل، فهو يقوم خلالها بتحضير مساكب وأصائص لزراعة البذار المتنوعة من الخضار والتبغ وتقليم “الدوالي” في أول 15 يوماً من شهر شباط/فبراير، إضافةً إلى تطعيم أشجاره المثمرة.

يستذكر ابن ريف جبلة أن جو الأربعينية كان أقسى قبل نحو 50 عاماً مما هو عليه اليوم، ويختم: “تساقط المطر كان يستمر لأشهر من دون توقف. ما زلت أذكر كيف كان أبي يجلب الرفش صباحاً ليبعد الثلوج عن باب المنزل، كي يتسنى لنا الخروج”.

الكشك والحطب أساسيان لاتقاء برد أربعينية الشتاء

“الأربعينيّة قاسية، ومدافئ الحطب هي الوحيدة القادرة على حمايتنا من هذا البرد”. بهذه العبارة، يبدأ أبو صلاح حديثه إلى الميادين نت بعدما وضع “حملة الحطب” في فناء المنزل الخلفي كي ترتبها زوجته.

يلتقط أنفاسه قليلاً ويقول: “في هذه الفترة من كل عام، تنتعش تجارة الحطب بشكلٍ كبير. إنها وسيلتنا الوحيدة، نحن سكان القرى البعيدة، كي نحصل على الدفء، في ظل عدم توفر الكهرباء أو المازوت”.

ورغم قساوة البرد في “الأربعينية”، فإنَّ أبو صلاح ينتظر هذه الفترة من كل عام من أجل الطعام الّذي تطبخه زوجته، فهي “تُعدّ ألذ كشك في العالم”، بحسب تعبيره.

الكشك أو “الجشج”، بلهجة أم صلاح الرقاوية، أكلة شتوية معروفة في جميع المحافظات السورية، لكنها تختلف بطريقة تحضيرها وطبخها. تقول: “في العادة، نقوم بإعداد الكشك نهاية موسم الصيف ونخزنه لفصل الشتاء، لكونه طعاماً يعطي طاقة حرارية للجسم. وقبل طهوه بساعات نقوم بنقعه،ثم نفركه بين راحتي اليدين حتى يصبح الخليط سلساً، ونضعه على النار مع إضافة السمن البلدي والقليل من حبات اللوبياء المسلوقة، بحسب رغبة العائلة”.

تعلّمت السيدة الخمسينية من أهل زوجها في الساحل السوري كيف يضيفون البرغل إلى اللبن، على عكس أهل تدمر مثلاً، الذين يضيفون الطحين، لكنها ما زالت تنفذ الطريقة التي تعلمتها من أهلها في الرقة، والتي تتلخص بخطوات سريعة تشرحها قائلة: “نخلط اللبن مع الحنطة في وعاء بمقادير مناسبة، ومن ثم نقوم بتخميرها مدة يومين حتى تصبح على شكل عجينة، ونضع القليل من الملح، ثم نكوّرها ونعرّضها للهواء والشمس حتى يحافظ الكشك على لونه الأبيض. بعدها نقوم بربطها بخيط على شكل قلادة ونعلقها في زاوية ساحة المنزل”.

ما قصة سعد بطل الخمسينية؟

تقسم “خمسينية الشتاء” إلى 4 أقسام، تسمى “السعود”، مدة كل واحد منها 12 يوماً ونصف يوم. لهذه التسمية قصة تراثية شهيرة نقلتها الجدات لأبنائهن في الساحل السوري، تحكي عن شاب يدعى سعد كان راعياً. عزم على السفر في يوم دافئ مشمس من أيام الشتاء، لظنه أن الفصل انتهى.

ورغم نصيحة والده بأن يحمل معه ما يقي به نفسه من البرد، سواء الفراء أو الحطب، فإن الشاب تجاهل النصيحة، وأخذ ناقته والخراف، لكن الجو تغير فجأة في منتصف الطريق، فهطلت الأمطار الغزيرة والثلوج، واشتد البرد، فلم يكن أمام سعد سوى أن يذبح ناقته التي يملكها ليحتمي بفروها من شدة البرد. لذلك، سميت هذه الفترة باسم “سعد الدابح”، وتُوصف أيامها بأنها الأشد برداً، وقيل فيها: “سعد ذبح، كلبو ما نبح، وفلاحو ما فلح، وراعيه ما سرح”.

بعدها تأتي فترة “سعد بلع”، التي لاحظ فيها سعد أن الأمطار التي هطلت بشدة ابتلعتها الأرض، وقيل فيها: “سعد بلع طاب الماء وانبلع”، وتليها فترة “سعد السعود”، حين أشرقت الشمس على سعد بعد العاصفة، ففرح فرحاً شديداً، وأراد قطع أغصان الشجر ليشعل النار لينعم بالدفء، فوجد أن الماء يسري فيها. لذلك، قيل: “سعد السعود يدب الماء في العود ويدفئ كل مبرود”.

أما “سعد الخبايا”، فهي آخر فترة من خمسينية الشتاء، إذ تبدأ الأفاعي وغيرها من الحيوانات التي تعيش فترة السبات الشتوي بالخروج من الأرض، وتخرج الفتيات للمشي في الجو المعتدل، ويقال فيها: “سعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا”.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرارة أعلى من معدلاتها والجو بين الصحو والغائم جزئياً

‏   توالي درجات الحرارة ارتفاعها التدريجي لتصبح أعلى من معدلاتها ‏بحوالي 3 إلى 5 درجات مئوية لمثل هذه الفترة من السنة، نتيجة ‏تأثر البلاد ...