| حسن محلي
أحمد داوود أوغلو جاء من حزب “العدالة والتنمية” بعد خلاف شخصي مع إردوغان ولا يختلف عنه كثيراً من حيث العقيدة والجذور الاجتماعية والثقافية والسياسية.
قيل عن أحمد داوود أوغلو إنه “مهندس السياسة الخارجية التركية بعد استلام العدالة والتنمية للسلطة نهاية 2002” حيث عيّنه رئيس الوزراء عبد الله غول مستشاراً له وبقي هكذا بعد أن أصبح إردوغان رئيساً للوزراء في آذار/مارس 2003. وقيل عن داوود أوغلو أيضاً إنه صاحب مقولة “صفر مشاكل مع دول الجوار” إلى أن عمل مع أصدقائه في المنطقة وخارجها على تدمير هذه الدول وفي مقدمتها سوريا.
وقال الإعلام الأميركي-اليهودي عن داوود أوغلو “إنه كيسينجر الشرق الأوسط” بعدما نسق مع حلفاء واشنطن إقليمياً ودولياً في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير ثم “الربيع العربي”. وكان قد قام بذلك من منطلقات دينية مذهبية لقيت الدعم الكبير من أنظمة الخليج وأسيادها في الغرب عندما كان وزيراً للخارجية ثم رئيساً للوزراء، إلى أن اضطر للاستقالة في5 أيار/مايو 2016، وقيل آنذاك إن إردوغان طرده من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة.
وفي 12 كانون الأول/ديسمبر2019 أعلن داوود أوغلو عن تأسيس حزب “المستقبل”، وأصبح زعيماً له ليبدأ حملة عنيفة ضد زعيمه السابق إردوغان متهماً إياه “بالاستبداد والديكتاتورية والفساد الخطير بأشكاله كافة”. وهي الاتهامات التي لم يعد يتطرّق إليها كثيراً بعد أن أصبح طرفاً فيما يسمى بالطاولة السداسية التي تضم 5 أحزاب أخرى وهي “الشعب الجمهوري” و”الحزب الجيد” وحزب “الديمقراطية والتقدم” وحزب “السعادة الإسلامي” والحزب “الديمقراطي”.
ويسعى زعماء الأحزاب الستة، وخمسة منها يمينية، إلى الاتفاق على مشروع مشترك يهدف للتخلص من إردوغان والعودة إلى النظام البرلماني الذي غيًره إردوغان في استفتاء نيسان/أبريل2017 ليصبح الحاكم المطلق للبلاد بعد أن سيطر على جميع أجهزة ومرافق ومؤسسات الدولة. وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء والمال و95% من الإعلام الحكومي و95% من الإعلام الخاص.
وبعد سلسلة من اللقاءات السابقة اجتمع الزعماء الستة في الخامس من الشهر الجاري في مقر حزب المستقبل الذي يتزعمه داوود أوغلو واتفقوا على أن يتم الإعلان نهاية الشهر الجاري عن مسودة الدستور الجديد، وربما عن اسم مرشح التحالف السداسي لانتخابات الرئاسة لينافس إردوغان، ومن المتوقع أن يكون زعيم “الشعب الجمهوري”، كليجدار أوغلو هو هذا المرشح.
وجاءت المفاجأة المثيرة بتصريحات داوود أوغلو بعد يوم من الاجتماع المذكور ليقول “إن الزعماء الستة اتفقوا على أن يقوم الرئيس الجديد المنتخب بمناقشة أي موضوع كان مع زعماء الأحزاب وأن يحصل على موافقتهم مسبّقاً”. وهو ما أثار نقاشاً كبيراً في الشارع السياسي والإعلامي خاصة بعد أن أطلق زعيم حزب “الديمقراطية والتقدم”، علي باباجان، تصريحات مماثلة اعتبرها البعض محاولة من داوود أوغلو وباباجان لنسف طاولة الحوار السداسي، باعتبار أن إردوغان وبوقه الإعلامي يشكّكان بجدية الطاولة السداسية ويقول “إن الزعماء الستة لن يتفقوا على أي شيء، وبفوز مرشحهم في الانتخابات سيدمّرون تركيا داخلياً وخارجياً لأن الرئيس سيضطر للحصول على موافقة الزعماء الستة وهو ما لن يتحقق بسبب الخلافات السياسية بين الأحزاب الستة وتاريخ زعمائها”.
فداوود أوغلو وباباجان جاءا من العدالة والتنمية بعد خلاف شخصي مع إردوغان ولا يختلفان عنه كثيراً من حيث العقيدة والجذور الاجتماعية والثقافية والسياسية. أما تامال كاراموللا أوغلو زعيم حزب “السعادة” فهو الأكثر إسلامية من الآخرين ومعروف عن زعيمة “الحزب الجيد” مارال اكشانار أنها من أصول قومية وهي التي انشقت عن حزب الحركة القومية، شريك إردوغان في الحكم الآن.
ومع أن الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو هو الحزب الوحيد ذو النفس “اليساري المعتدل” فإن زعيم الحزب الديمقراطي جولتكين أويصال هو الأكثر اعتدالاً مقارنة بزعماء الأحزاب اليمنية الأربعة الأخرى حتى إن لم تكن شعبيته عالية. فجميع استطلاعات الرأي تبين أن شعبية الأحزاب الأربعة باستثناء الشعب الجمهوري والجيد لا تتجاوز معاً نسبة 5-6% مقابل 27-28% للشعب الجمهوري و13-14% للحزب الجيد.
وتدفع هذه النسب الشارع المعارض إلى طرح سؤال مهم ألا وهو “لماذا يتحمّل كليجدار أوغلو كلاً من داوود أوغلو وباباجان وشعبيتهما لا تتجاوز 2% فيما يتهرب من التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي وشعبيته لا تقل عن 10% وفق جميع استطلاعات الرأي.
ويبدو واضحاً أن كليجدار أوغلو لا يريد أن يقال عنه إنه متحالف مع الإرهاب باعتبار أن إردوغان وإعلامه يتهمون الشعوب الديمقراطي بالإرهاب ويقولون عنه إنه الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني، علماً أن الشعوب الديمقراطي هو ثالث حزب سياسي من حيث المقاعد (56 مقعداً) بعد العدالة والتنمية (286) والشعب الجمهوري (134).
ومن دون أن يبالي داوود أوغلو بالانتقادات التي تعرّض لها بعد تصريحه الأخير عاد ليقول ليلة أمس “إن الرئيس المنتخب الجديد إذا استفرد بالسلطة ولم يسمع كلامهم فسوف يفجر أزمة سياسية”، متحدثاً عن صيغة جديدة للسلطة مفادها أن زعماء الأحزاب الستة سيكونون نواباً للرئيس كما سيكون لكل حزب مهما كانت شعبيته عالية أو متدنية حصة في الحكومة المقبلة والبرلمان.
واعتبر البعض موقف داوود أوغلو هذا “استفزازياً” ويهدف لمنع الرئيس الجديد من انتهاج أي سياسات خارجية لا تتفق ومزاجه الشخصي، ويعرف الجميع إنه لم يتغيّر خاصة في موضوع سوريا بعد أن انتقد إردوغان بسبب مساعيه للمصالحة مع الرئيس الأسد وتخليه عن المعارضة وكل القوى الإسلامية في المنطقة وفي مقدمتها الإخوان المسلمون في مصر وتونس وفلسطين. وهو ما يزعج الكثيرين داخل تحالف الأمة وقاعدته الشعبية التي لا تريد لداوود أوغلو أن يستلم أي منصب سياسي مهم بسبب ميوله الإخوانية التي تزعج غالبية الذين سيصوتون لتحالف الأمة.
ويتذكّر الجميع كيف أن داوود أوغلو قال عن أنصار واتباع “داعش” “إنهم مجموعة من الشباب المتحمس”، كما أنه اعترف بعد العملية الانتحارية التي نفذها “داعش” في أنقرة في 10 تشرين الأول/أكتوبر وأودت بحياة 109 من اليساريين بأن “شعبية حزب العدالة والتنمية تزداد بعد كل أول إرهابي”.
ودفعت تصريحات داوود أوغلو الأخيرة العديد من المحللين السياسيين إلى مهاجمته وقال عنه البعض إنه “حصان طروادة” لإردوغان داخل تحالف الأمة المعارض بوضعه الحالي والمستقبلي. فبتصريحاته الأخيرة أدّى داوود أوغلو دوراً مهماً في زعزعة ثقة الناخبين بتحالف الأمة واحتمالات فوز مرشحه على إردوغان، وهو ما تبينه جميع استطلاعات الرأي. وأياً كان هذا المرشح كمال كليجدار أوغلو أو مارال اكشانار أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، وكل ذلك شريطة أن يحظى هذا المرشح بتأييد الناخبين الكرد وعددهم حوالى 6 ملايين ناخب.
في جميع الحالات وأياً كانت مواقف داوود أوغلو المحتملة قبل اجتماع الزعماء الستة نهاية الشهر الجاري أو بعده فقد بات واضحاً أن هذا التحالف لم يستخلص الدروس الكافية من تجربة التحالف السداسي في المجر (مقالي بتاريخ 27/12/2022 بعنوان: تركيا والمجر.. إن الطيور على أشكالها تقع) والذي يضم حزباً يسارياً واحداً و5 أحزاب يمينية، لم يستطع أن يهزم رئيس الوزراء أوربان (وهو صديق حميم لإردوغان) في انتخابات نيسان/أبريل الماضي.
ويعرف الجميع أن إردوغان بعد أن يستنفر كل إمكانياته وإمكانيات الدولة سوف يشن هجوماً عنيفاً ضد تحالف الأمة وأحزابها بعد أن بات واضحاً أن هذا التحالف بتناقضاته الحالية سيخسر ثقة الجماهير التي كانت ترى فيه أملها الوحيد للتخلص من إردوغان وسياساته الخطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وتقول المعارضة إن هذه السياسات أوصلت البلاد إلى حافة الدمار بكل المعايير والمقاييس، ببقاء إردوغان في السلطة، ستزداد قساوة بعد أن يتخلص من أحزاب المعارضة ولن يبقى لديها بعد الآن ما ستقوله للشعب إذا لم تتفق فيما بينها على هدف واحد ألا وهو التخلص من إردوغان، هذا بالطبع إن كانت صادقة في مقولاتها حتى الآن!
سيرياهوم نيوز3 – الميادين