ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ حلفاء الناتو اختلفوا بشأن توريد الدبابات لأوكرانيا، ما يشير إلى انقسام ناشئ داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أنّ آراء أعضاء حلف شمال الأطلسي باتت تختلف حول قضايا استراتيجية الناتو للعام المقبل، وحول دعم أوكرانيا في الأشهر القليلة المقبلة. ويدور معظم الجدل القائم، وفق الصحيفة، خلف أبواب مغلقة، “لكن عدم رغبة ألمانيا في توفير دبابات ليوبارد 2 أصبح معروفاً للجميع”.
وبيّنت الصحيفة أنّ ممثلي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “منزعجون بشكلٍ واضح من الطريقة التي سارت بها مفاوضاتهم مع نظرائهم الألمان” هذا الأسبوع. لكن في الحقيقة يرى البعض في واشنطن أنّ مخاوف المستشار الألماني أولاف شولتس الحقيقية تكمن في حقيقة أن العالم، في رأيه ليس مستعداً لرؤية الدبابات الألمانية بالقرب من الحدود الروسية، وهو ما سيكون بمثابة تذكير بـ “الغزو النازي في الحرب العالمية الثانية”، وفق رأي الصحيفة.
وتضغط الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، على برلين بضرورة إمداد كييف بدبابات “ليوبارد 2″، الأمر الذي يلقى خشية وتردداً كبيرين لدى شولتس والكثير من الساسة، بإرسال هذه الدبابات إلى كييف، تفادياً للمواجهة المباشرة مع روسيا.
تردد ألماني وضغط غربي
حاول المسؤولون في الاجتماع الأخير أمس الجمعة في قاعدة “رامشتاين” الجوية في ألمانيا، التقليل من شأن الخلاف، لكن برلين لا تزال “مصرة على أنّها لن تكون الدولة التي تتخذ الخطوة الأولى بمفردها”.
وقال مسؤولو دفاع غربيون في اللقاء إنّهم فشلوا في التوصل إلى اتفاق لإرسال دبابات قتالية إلى أوكرانيا، في انتكاسة لآمال كييف في الحصول بسرعةٍ على الأسلحة التي وصفها الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأنّها “حاسمة للمرحلة التالية من الحرب”.
وكان المسؤولون يأملون في التوصل إلى اتفاق بشأن إرسال دبابات “ليوبارد 2” الألمانية الصنع التي تخزنها العديد من الدول الأوروبية. لكن ألمانيا رفضت إرسال “ليوبارد” الخاصة بها إلى أوكرانيا أو إعطاء موافقتها لدول أخرى لتصديرها، ولا تريد أن تكون أول من يتخذ الخطوة، بل تشترط أن تقوم الولايات المتحدة قبلها بخطوة إرسال دبابة “أبرامز” إلى كييف.
وسرعان ما انتقد بعض الأوكرانيين وكذلك الحكومتان البولندية واللاتفية الفشل في التوصل إلى اتفاق. وجادلوا بأنّ “الدبابات ضرورية لاستعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا، والدفاع ضد هجوم روسي متوقع في الربيع المقبل”.
بدوره، قال وزير الخارجية البولندي زبيغنيو راو، على “تويتر”، إنّ “تسليح أوكرانيا من أجل صد العدوان الروسي ليس نوعاً من ممارسة صنع القرار. تتم إراقة الدم الأوكراني بشكلٍ حقيقي”، مضيفاً “:هذا هو ثمن التردّد بشأن عمليات تسليم ليوبارد، نحن بحاجة إلى العمل الآن”.
ومع ذلك، سعى المسؤولون الأميركيون والألمان إلى التقليل من شأن الخلافات، مؤكّدين أنّ ألمانيا قد توافق على إرسال ليوباردز إلى أوكرانيا لاحقاً.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، للصحافيين في قاعدة “رامشتاين” الجوية، إنّ ألمانيا “حليف موثوق به، وقد ظلوا على هذا النحو لفترة طويلة جداً”.
وأكّد نظيره الألماني، بوريس بيستوريوس، أنّ بلاده ستبدأ جرد مركباتها في حالة التوصل إلى اتفاق في المستقبل، وستبدأ تدريب الأوكرانيين على كيفية استخدام الدبابات، مضيفاً “هذا لا يعني المساس بالنتيجة”. وأضاف: “إنّه الاستعداد ليوم قد يأتي، وعند هذه النقطة سنكون قادرين على التصرف على الفور وتقديم الدعم في غضون فترة زمنية قصيرة جداً”.
ومنذ بداية الحرب، قامت إدارة بايدن بمعايرة شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا بعناية، مما أدى إلى كبح أسلحة أكثر قوة، لتجنب إثارة تصعيد روسي.
ولكن بعد سلسلةٍ من النجاحات في ساحة المعركة، وفق الموقع، أقنعت أوكرانيا البيت الأبيض ومؤيديه الغربيين بالتخلي عن سلسلة من المحرمات، وتوفير أسلحة هجومية أكثر قوة، بما في ذلك مركبات المشاة القتالية.
وهذا الأسبوع، تم تقديم مركبات “سترايكر” الأميركية المدرعة. ومع ذلك، ظل توفير دبابات القتال الرئيسية خطوةً صعبة، كانت العديد من البلدان مترددة في اتخاذها.
وبدأ ذلك يتغير في الأسابيع الأخيرة، حيث أعلنت بريطانيا عن شحنة من الدبابات إلى أوكرانيا، وزاد الضغط على ألمانيا من قبل دول أوروبا الشرقية والبلطيق للسماح لها على الأقل بإرسال دباباتها “ليوبارد 2″، والتي يبلغ عددها حوالى 2000 دبابة موزعة على 14 دولة في جميع أنحاء أوروبا.
لكن حتى هذه الخطوة تم استبعادها في الوقت الحالي، مما خلق إحباطات واسعة النطاق، خاصة وأن الوقت ينفد لشحن الدبابات إلى أوكرانيا وتدريب جنودها على استخدامها.
بدوره، قال وزير خارجية لاتفيا، إدغارس رينكيفيكس، إنّ “العديد من الدول، بما في ذلك لاتفيا، تكثّف المساعدة العسكرية لأوكرانيا، لكنها ليست كافية”، مشدّداً “يجب توفير دبابات ليوبارد لأوكرانيا الآن!”.
ألمانيا: لن نذهب بمفردنا في عمليات تسليم الأسلحة لكييف
يصر المسؤولون الألمان على أنّ برلين لا تقف في الطريق، ويلمحون إلى أنه ربما هناك مخاوف لدى دول أخرى بشأن اتخاذ هذه الخطوة من دون تحالف أوسع. وقال وزير الدفاع الألماني إنّه “لا يوجد توافق موحد في الآراء”، مضيفاً: “الانطباع الذي تم إنشاؤه من حين لآخر بأن هناك ائتلافاً موحداً وأن ألمانيا تقف في الطريق، خاطئ”.
وكان شولتس، قد كرّر إصراره في الأشهر الأخيرة، على أنّه لن يسمح لألمانيا “بالذهاب بمفردها” في عمليات تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا. وطلبت ألمانيا من الولايات المتحدة المساهمة ببعض دبابات “أبرامز” كجزء من الحزمة. لكن البنتاغون قاوم، وفق الصحيفة، بسبب العقبات اللوجستية التي تشكلها مركبة تستهلك الكثير من الوقود وتتطلب صيانة مستمرة.
عندها، حاولت الحكومة الألمانية تخفيف الانطباع بأنّها طالبت الولايات المتحدة بتزويد دبابات “أبرامز”. وفي مؤتمر صحافي أمس الجمعة، قال المتحدث باسم المستشار، شتيفن هيبستريت، إنّ ألمانيا تتبع ثلاثة مبادئ: “الأول هو دعم أوكرانيا قدر الإمكان. والثاني هو منع حلف شمال الأطلسي وألمانيا من أن يصبحا طرفين متحاربين. أما الأمر الثالث هو أنّنا لا نسير بمفردنا على المستوى الوطني، ولكننا ننسق بشكلٍ وثيق جداً مع شركائنا الدوليين، وقبل كل شيء الولايات المتحدة الأميركية”.
مخاوف من انتقام روسيا من ألمانيا
“من المرجح أن ينبع إحجام ألمانيا، عن إرسال الدبابات، من المخاوف بشأن مخاطر التصعيد والانتقام المحتمل من قبل روسيا”، كما قال ثورستن بينر، مدير معهد السياسة العامة العالمية في برلين.
وأضاف الأخير: “ستكون خطوة بحجم إرسال دبابة القتال الرئيسية ليوبارد، إلى أوكرانيا، خطوة مهمة، ولذلك، هي أي برلين، تريد أقصى قدر من الطمأنينة من الولايات المتحدة”.
كما لفت إلى أنه “يجب أن يكون هناك شيء في رؤوسهم حول استهداف روسيا لألمانيا انتقاماً لإرسال هذا النوع من دبابات القتال الرئيسية المميزة، وهو ما لم يفصح شولتس عنه”.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة للتقليل من شأن الانقسامات بين الحلفاء الغربيين، أظهر الفشل في التوصل إلى اتفاق أنّه لا تزال هناك خلافات كبيرة بين مؤيدي أوكرانيا، وخاصةً بين دول أوروبا الشرقية التي تطالب بتحرك سريع، والدول التي اكتفت بالدعوة إلى توخي الحذر.
من جهته، قال نائب وزير الخارجية البولندي، باول جابلونسكي، بعد الاجتماع: “كل يوم يستحق وزنه بالذهب، أوكرانيا بحاجة إلى الدعم، لذلك نواصل هذا الضغط الدبلوماسي معاً”، مضيفاً: “سنستخدم أساليب مختلفة للإقناع المباشر وغير المباشر، ونأمل أنّ يتغير هذا الموقف، كما كان الحال مع أنظمة صواريخ باتريوت”.
كذلك، قالت ماري أغنيس ستراك-زيمرمان، رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الألماني وعضو الائتلاف الحاكم، إنّ تصريحات وزير الدفاع الألماني الأخيرة أوضحت أنّ دولاً أخرى مترددة أيضاً في تسليم دبابات، لكنها أضافت: “من غير الواضح ما هي مخاوفها”.
من المؤكد أن عدم التوصل إلى اتفاق سيخيب آمال الكثيرين في أوكرانيا، بمن فيهم زيلينسكي، الذي ناشد المسؤولين مباشرةً قبل بدء المحادثات.
“حصلنا على مئات الإشادات وليس على مئات الدبابات”، قال زيلينسكي في خطاب مصور، معقّباً: “يمكننا جميعاً استخدام آلاف الكلمات في المناقشات، لكن لا يمكنني استخدام الكلمات بدلاً من البنادق”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين