الرئيسية » مجتمع » إلى متى ستبقى هذا النظرة للمرأة في بلاد العرب والمسلمين؟

إلى متى ستبقى هذا النظرة للمرأة في بلاد العرب والمسلمين؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

محزنٌ أن تقرأ وتسمع أن المنظمات الدولية، ودول الغرب، هي من تتصدّى للتمييز والتهميش للمرأة في بعض( وأقول بعض) دول العالم الإسلامي، وتُدافع عن حقوقها، وذلك بدلا من أن تقوم حكومات هذه الدول من ذاتها بمنحِ المرأة المسلمة حقوقها كاملة وفْقَ معايير حقوق الإنسان العالمية..

ما اتّخذتهُ حكومة الطالبان بأفغانستان، من قرارات تمنع المرأة من حق التعليم، أمرٌ لا يُقرِّهُ دينٌ ولا قانونٌ ولا عُرفٌ ولا عاداتٌ ولا تقاليد، ولا عقل ولا منطق، ولا أي سببٍ في الكون..

تعامُل “الإسلام السياسي” مع المرأة، على مستوى دول أو دويلات أو إمارات أو حركات أو أحزاب، أمرٌ مرفوضٌ، ويتناقضُ مع كل المعاني الإنسانية، ويعكسُ طبيعة العقل المنغلق الذي يتعاملُ مع المرأة بهذا التضييق والكبت..

ad

مُطالبَةُ المرأة بمنحها حرية وضْعِ الحجاب، أو عدمهِ، ليس مَطلبا غير أخلاقي، أو فاحشة، كما يتحدّث بعض المتشدّدين.. بل هو أدنى حق من حقوق المرأة التي تساوت مع الرجُل في كل العالم، باستثناء، بعض دول العالم الإسلامي..

حتى المملكة العربية السعودية، المعروفة تاريخيا بالتضييق جدا على المرأة ولباس المرأة، وضرورة مرافقة المُحرَم لها في حِلّها وترحالها، اتّخذت في الحُقبة الأخيرة قرارات جريئة وموضوعية ومُنفتِحة، سمحت للمرأة بالتمتُّع بحقوق كثيرة كانت محرومة منها، ومنحتها الكثير من الحُريات الخاصّة والعامّة، وحرية لِبس الحجاب أم لا..

**

لستُ في صدد إثارة أي نقاش حول الحجاب، فقد كتبتُ عن ذلك في الماضي، ورأيي أن الحجاب عادةٌ وليس عبادةٌ.. وتفسير الآيات القرآنية المُتعلّقة بالحجاب مُختلفٌ عليها حتى بين مشايخ المسلمين.. ولا يمكن أن يكون الحجاب رمزا للعفة والحياء والحشمة والشرف، وعنوانا للأخلاق..

ويحضرني هنا مقطعٌ من موضوعٍ حول الحجاب كتبهُ بروفسور جامعي، وأستاذ فلسفة مشهور، وقال فيه:

(سواء كان الحجاب زيَّا أم آيديولوجْيا ، فإنه يقع في حقل الخيارات الفردية، ولا يجوز لأية إرادة سلطوية  مهما كان مصدر قوتها، أن تَحمِل النساء على خلعه أو ارتدائه، بل وليس الحجاب، أو غيره، سببا لاتخاذ موقف من المرأة. ويجب أن يكون وعي المرأة بذاتها صادرا عن إرادتها العقلية، وليس عن وعي الرجل بها. وإذا فكّرنا برغبة الرجُل في حجْبِ المرأة، أو كشفها، فإن كِلا الموفقين يصدران عن النظر إلى المرأة بوصفها فِتنة. المرأة في الأصل والفصل والواقع ليست فتنة وليست عورة، المرأة ذاتٌ حُرّة، ولها ما تشاء، وليس ما يُشَاء لها، وعندما نقول ذلك فإننا نخرُج من حقل النقاش العقيم حول المساواة بين المرأة والرجل، بل نكون في حقل الذات الحرة المُعبِّرة عن ذاتها قولا وفعلا)..

**

الأستاذة الجامعية الجزائرية الدكتورة “فوزية كراراز” ، ألّفتْ كتابا بعنوان: (نساء فاعلات في تاريخ الغرب الإسلامي من القرن الخامس الهجري إلى مُنتصف القرن السابع الهجري) ، أي بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي.

وقد وثَّقت الدكتورة فوزية أن المرأة المُسلمة فيما عُرِف بـ “الغرب الإسلامي” (وهذا مُصطَلح جدلي ومُختَلف عليه، وقد اخترعهُ المؤرخون الغربيون والمقصود بهِ المسلمين في تلك البلاد من ليبيا إلى المحيط الأندلسي بما فيها الضفة الشمالية الغربية من البحر الأبيض المتوسط، أي الأندلُس)، قد اقتحمت المجال السياسي والعسكري والعلمي والثقافي والاقتصادي والديني، فضلا عن دورها الاجتماعي، وأسهمت في بناء أجهزة الدولة، برأيها أو بِمالِها، وتذكُر من النساء الفاعلات في ذاك الزمن في ميدان السياسة والتأثير على ذوي الشأن، السيدة “أم ملال بنت المنصور بن يوسف الصنهاجي”، أخت الأمير باديس بن منصور.

وكذلك “زينب النفزاوية” لِما عُرِف عنها من ذكاء وعقل راجح ومعرفة بالأمور، وتأثير واسع، حتى وُصِفت بـ “الساحِرة”، وقد كتبَ عنها وعن سيرتها الفيلسوف وعالِم الاجتماع والمؤرِّخ، “ابن خلدون” ..

وفي ميدان الثقافة، كانت الأميرة الشاعرة،” أم الكرام بنت المعتصم بن صمادع”.. و الشاعرة الأندلسية

“اعتماد الرّميْكيَّة” وهي شاعرة أندلسية وتزوجت من “المُعتمد بن عباد” أمير إشبيلية..

وتأتي في المقدمة “ولّادة بنت المُستكفي” حبيبة الشاعر الأندلسي “ابن زيدون” ، والتي عاتبتهُ ذات مرّة حينما عَرِفت أنهُ يعشق جارية لها، فقالت:

لو كُنتَ تُنصِفُ في الهوى ما بيننا ــ لم تهو جاريتي ولم تتخيّرِ

وتركتَ غُصنا مُثمرا ـــ وجنحتَ للغصنِ الذي لم يُثمرِ

 وفي ميدان العلوم الدينية برزت نساء كثيرات، كما:

العالِمة الفقيهة “خيرونة الأندلسية” ونشرَت علوم الدين في مدينة “فاس” المغربية بعد أن نزحت من الأندلس..

و “حفصة” بنت الفقيه أبي عمران بن حماد الصنهاجي، و “زينب” بنت عباد سرحان، و “عائشة” المنوبية، التي تميّزت بتصوفها وأعمالها الخيرية..

                                            **

إذا هكذا كانت المرأة المُسلمة قبل ألف عام، فيما عُرِف بـ “الغرب الإسلامي”، ولا نتحدثُ هنا عن الشرق الإسلامي، ولا عن المرأة المُسلِمة في مكة والمدينة، أو بقية بلاد المسلمين..

فكيف يمكن لأصحاب الإسلام السياسي أن يتعاملوا معها وكأنها قاصرا، وعورة وفِتنة، وتحتاج إلى وصاية عليها، ونحن في القرن الحادي والعشرين..

كيف تصلحُ المرأة في الغرب أن تكون رئيسة جمهورية، ورئيسة وزراء، ووزيرة دفاع، وخارجية، ورئيسة برلمان أوروبي، ورئيسة مفوضية أوروبية، ورئيسة أكبر بنوك عالمية.. الخ، بينما عند أصحاب الإسلام السياسي يجبُ أن تكون تحت وصاية الرجُل، لِيُحدِّد لها ماذا تلبس، وكيف تظهر، وأن تتعلّم أو لا تتعلم..

والحديث هنا عن الإسلام السياسي الذي يؤمن بأن الشريعة هي من يجب أن تحكُم (وكلٍّ لهُ مفهومهُ الخاص عن حُكم الشريعة)، إذْ في بُلدان مُسلمة أخرى لا تنهج نهج الإسلام السياسي، شغلت المرأة المُسلِمة رئيسة وزراء، كما في الباكستان وبنغلادش..

**

باعتقادي هذا يسيءُ للإسلام، وهذا التعامُل مع المرأة من جماعات الإسلام السياسي، يُشجِّع بعض المتطرفين في بعض دول الغرب، للاستهزاء من الإسلام، كما يفعل بعض العنصريين الحاقدين الذين يحرقون القرآن الكريم، في السويد وغيرها.. وهذا أمرٌ مرفوضٌ بالمُطلق، ولا يُمكن أن يُبرّر تحت أي عنوان.. وعلى حكومات الغرب أن تضطّلع بمسؤولياتها إزاء هؤلاء، وتضع حدّا لهم.. فالقرآن الكريم ليس زعيما إسلاميا، وليس حكومة إسلامية، وليس حِزبا إسلاميا، كي نسخر منه.. إنهُ كتابا مقدّسا لدى كافة المسلمين، بكافة ألوانهم السياسية والفكرية والعقائدية والمذهبية والثقافية.. الخ.. كما الكتاب المقدّس في المسيحية أو اليهودية.. والغرب هو من يعترف أن الإسلام هو أحد الديانات الإبراهيمية، ويعزف على ذلك.. وهذا يعني أن كتاب الإسلام، يجب أن تكون لهُ حُرمَتهُ كما بقية كتُب الديانات الإبراهيمية..

ما يقوم به أولئك العنصريون إزاء القرآن الكريم، لا يخدم العلاقات بين الشرق والغرب، ولا يخدم الحوارات بين الأديان، ويتعارضُ مع كل توجهات الفاتيكان، والكنائس المسيحية الأخرى، من بروتستانتية وكاثوليكية وغيرها..

وأُكرِّر، سياسات الإسلام السياسي، كما الطالبان، وأمثالها، وموقفهم من المرأة، تُشجِّع العنصريين في الغرب للاستهزاء من الإسلام، وإن كانت لا تُبرِّر..

أعيدوا النظر بسياساتكم إزاء المرأة، فهي نصف المجتمع، بل قد تكون أكثر، وارفعوا وصايتكم عنها، وهي ليست ناقصة عقل ودِين، وليست عورة وفِتنة.. ولا تسيئوا لِبُلدانكم، وللإسلام، وللمرأة..

حركة التاريخ تسير للأمام وليس للوراء..

كاتب سوري وزير مفوض دبلوماسي سابق

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“التجاري السوري”: يطلب الحيطة عند تفعيل الحساب الالكتروني

مازن جلال خيربك:   قال المصرف التجاري السوري: إن مراجعات ترد إليه تتمحور حول عقبات تعترض الدخول إلى تطبيق المصرف الالكتروني للاستفادة من الخدمات الالكترونية ...