آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » «صناعة الخوف» بين بيرنارد ليفي ودبابات «ليوبارد».. هل ستغلق حمامات الدم؟!

«صناعة الخوف» بين بيرنارد ليفي ودبابات «ليوبارد».. هل ستغلق حمامات الدم؟!

 

| فراس عزيز ديب

 

صناعةُ الخوف هي من أقدمِ الأساليب التي يلجأ إليها الإعلام لتمريرِ ما يريد إلى الجهةِ المستهدَفة سواء أكانت شعوباً أم حكومات يصنفها كمعادية، قد يكون الهدف نبيلاً، فالترهيب من إجرامِ الراديكاليين يُسهم في شد الصفوف للدفاعِ عن الوضع القائم، قد تكون بروباغندا هدفها كسر الروح المعنوية للجهة المستهدَفة، هذا الأسلوب لجأَ إليه الغرب منذ بدايةِ ما يسمى الربيع العربي لكن بأسلوب مبتكر عبر خلق تلك الشخصية التي تتمتع بكاريزما وتعويمها كبوصلة لنجاح هذا الحراك أو ضمان حصولهِ على الدعم المطلوب، تلك الشخصية التي تُشعل حرب المعنويات، تصبح نذيرَ شؤم، بودار سقوط وإلى ما هنالك من التوصيفات التي أرادَ جعلها نقطة تتمركز حولها نظرات الشعوب، من هنا جرى الزج بصور الصحفي الفرنسي الداعم لإسرائيل بيرنارد ليفي مع كل حدث ومع كل تظاهرة خرجت في الدول التي ضربها ربيع الدم العربي، هم يدركون بأن أغلبية هذه الشعوب لم تسمع يوماً ببيرنارد ليفي أما أغلبية المنتفضين ضد حكوماتهم فهم أساساً يعتبرون كتباً ككتبِ بيرنارد ليفي رجسٌ من عملِ الشيطان على طريقةِ تلكَ التي تقدِّم العقل على النقل، لكن الهدف لم يكن قراءةَ ليفي من عدمهِ، الهدف هو تعويم صورتهِ لتصبح بوصلة للرعب، أسلوب صناعة الخوف هذا، يلجأ إليه الغرب كلما تبنى معركة أو خسر معركة أو التعمية على تراجعاتٍ، فما الجديد؟

 

ركَّزت أغلبية الصحف والبرامج السياسية الأوروبية خلال الأسبوع المنصرم حديثها عن النقاش الدائر حالياً في دول «ناتو» عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا تُعتبر كنقلةٍ نوعية في مسار الحرب أهمها الدبابات المتطورة كـ«ليوبارد» الألمانية و«لكلير» الفرنسية و«أبرامز» الأميركية و«تشالنجر» البريطانية، كانت النقاشات التي تظهر على الإعلام توحي وكأن «ناتو» بيدهِ قلب المعركة متى يشاء، لكنهُ كان يتريث كحمامة سلام لا يريد زج نفسه بالمعركة مباشرةً على أمل أن يعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى رشدهِ ويوقف الحرب وينسحب من أوكرانيا! وسط هذا التركيز على وصولِ الدبابات من عدمهِ كان هناك الكثير من التناقضات المهمة التي تجاهلها الإعلام، هذهِ التناقضات لا يمكن القفز فوقها عند التعاطي مع الحدث بمعزل عن وصول الدبابات من عدمهِ نوجزها بما يلي:

 

أولاً: كان من الواضح أن مطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لن تتوقف حتى بعد إقرار بعض الدول إرسال دباباتٍ حديثة، زيلنسكي طالبَ بطائرات مقاتلة حديثة وأنظمة دفاعٍ جوي والكثير من المطالب التي دفعَت بالعديد من المواطنين الفرنسيين مثلاً للسخريةِ من طلباتهِ بالقول: «لا نعلم إن كان يريد وجبات «السومو فيمي» مع النبيذ طازجة له ولجنوده»! قد يبدو للبعض وكأنَّ زيلنسكي يحاول ابتزاز الناتو بهذهِ المطالب لكن في الحقيقة لا يبدو بأن هذا الشخص قادر على ابتزازِ أحد لأنه عملياً أوقع نفسه بالمحظور من دون ضمانات مسبقة، زيلنسكي بات اليوم يقولها وبصراحة طالما أننا نخوض معركة الناتو فعليهم أن يكونوا كُرماء، لكنه لم يدرك منذ اليوم الأول للحرب بأن لهذا الكرم الأوروبي خطوطاً حمراً يتمنى الروسي قيام «ناتو» بتجاوزها لأن من سيدفع الثمن المباشر هم الأوكرانيون فقط ولا أحد غيرهم، من دون أن ننسى بأن قيام الروس بجر «ناتو» أكثر فأكثر للتورط العلني بهذه الحرب وباعتراف الأطراف المعادية لروسيا، ساعد القيادة الروسية بتوثيق روايتها بأن ما يجري في أوكرانيا هي حرب ضد «ناتو» وليس عدواناً روسياً ضد أوكرانيا! ولتسويق هذه الفكرة أثر كبير حتى في الداخل الروسي نفسه.

 

ثانياً: يقول المثل الشعبي «بحصة بتسند جرة»، لكن في العلوم العسكرية لا يبدو هذا الكلام قابلاً للصرف لأن الوقائعَ والعتاد والتضاريس فقط هي من تحكُم، من هنا يبدو السؤال الذي يتردد كثيرون في الغرب من الإجابة عنه والذي يدحض رواية «صناعة الخوف» الغربية عبرَ تعويم حدث تسليم الدبابات الحديثة: هل حقاً أن هذه الدبابات قادرة على قلب المعارك؟

 

الجواب هنا مزدوج، ينطلق أولاً من القدرات الروسية على إخراج هذه الدبابات من المعركة عبرَ ما تمتلكه من أسلحة مضادة للدروع، لن نُسهب هنا في التفاصيل العسكرية التي سنتركها لأهلها لكن هل من عاقل يظن بأن الروس دخلوا هذه المعركة وهم لا يمتلكون سلاحاً كهذا! هل نُعيد تذكير البعض بمجزرة الميركافا الإسرائيلية خلال حرب تموز 2006؟ في الجانب الآخر هل يمكن فعلياً لما ستتلقاه أوكرانيا من دبابات أن تسهم في تغيير مسار المعركة تحديداً أن الأرقام التي يتحدث عنها الإعلام مضحكة غير قادرة على تغطية الجبهات المفتوحة غير المحمية أساساً بأنظمة دفاع جوي متطورة، على هذا الأساس لا يبدو بأن صناعة الخوف هنا ستُجدي نفعاً لأن الميدان في النهاية هو من سيحكم وحكمه قد يكون قاسياً ونعيد ونكرر للأسف لن يدفع ثمنهُ إلا الشعب الأوكراني مباشرة والأوروبيون بشكلٍ غير مباشر.

 

ثالثاً: يُقال إن المعاركَ الحقيقية تكشف مواقع الخلل في الجيوش، لكن من الملاحظ بأن دول الاتحاد الأوروبي الفاعلة خاصةً ودول «ناتو» عامةً قبلَ أن تخوض أي معركة ظهرت لديها مواقع الترهل وليسَ الخلل، كنَّا نظن بأن تقرير «لوفيغارو» الفرنسية عن نقصٍ في عددِ الدبابات الفرنسية «لوكلير» سيعوق تنفيذ التزاماتها تجاهَ المساعدات الأوكرانية وتأجيله عدةَ شهور، مجردَ هروبٍ من الواقع، لكن هذا الكلام أكده النائب عن حزب اليمين المتطرف لوران جياكوبيلي الذي أكد وجودَ هذا النقص بل إنه ذهبَ أبعدَ من ذلك عندما حذر من مآلات هذه المساعدات وعدم القدرة على ضبطها، ألهذا الحد يثقون بقدرات الجيش الأوكراني؟! الأمر لم يتوقف عند الفرنسيين فحسب، مسؤولون في البنتاغون كذلك تحدثوا عن النقص في دبابات «أبرامز» سيعوق وصولها إلى أوكرانيا قبل شهور! كذلك حذت كل من بريطانيا وألمانيا حذوهم، هذا التهرب الديبلوماسي يطرح سؤالاً منطقياً، هل هو نقص فعلي أم هروب لبق؟

 

ببساطة لا يبدو الجواب غامضاً، وإلا كيف لهذه الجيوش الأوروبية أن تهدد هنا وهناك وهي أساساً تعاني من نقص بعتادها؟ أين مصانع السلاح التي تدر تجارتها نصف ميزانيات بعض الدول؟ من الواضح بأنه هروب لبق، لكن في النهاية هذا الهروب لن يمنع وقوع الكارثة، نصف التورط لا يبدل شيئاً في حقيقة أن «ناتو» تورط، لكن نصف التورط هذا يجب فهمه أيضاً بالسياق الأهم، هل باتت هذه الحرب عبئاً على من يغذيها؟

 

لا يحتاج أي متابعٍ لمسار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب الدول الأوروبية حصراً، الكثيرَ من الوقت للاقتناعِ بهذه النتيجة، لكن بهذا السياق هناك فكرة لابدَّ من المرور بها، إذ دائماً ما يحاول البعض سلخَ ما يجري في هذا العالم عن المسارات المتشابكة من الحرب الأوكرانية إلى الحرب الاقتصادية وصولاً إلى حمامات الدم المفتوحة في شرقنا البائس، هناك مثلاً من يقول: لنحل مشاكلنا قبل الكلام عن الحرب الأوكرانية- الروسية، وهل الحرب في سورية منفصلة عن ذلك؟ هناك من يقول لنحل أزماتنا الاقتصادية قبل الحديث عما يعانيه الأوروبيون من أزمات، هذا كلام جميل لكن ببساطة لا يمكننا تجاهل ما يعانيه الأوروبيون لأنه انعكاس للحرب على أوكرانيا التي هي أساساً متشابكة مع كل الملفات من بينها الحرب على سورية، ولنتذكر دائماً بأن صناعة الخوف لا تستند فقط إلى ما يقول الآخر، لكن إلى ما نبديه نحن من ردات فعل.

 

أما في السياق السياسي وهو الأهم، فإن الأصوات التي ارتفعت للمطالبة بوقفِ إمداد النظام الأوكراني بالدبابات هي خير دليلٍ على أن هذهِ الحرب باتت عبئاً قد يتم التخلص منه في حال تجاوز ناتو فكرة التمادي في إمداد السلاح، الكثير من الأحزاب الأوروبية ترى بأوروبا ساحةَ حربٍ مقبلة إن لم يتم لجمَ هذا الانخراط، هل كان حديث الفرنسيين والأميركيين عن الحاجة لأشهر كي يتم وصول الدبابات إلى أوكرانيا وما بينها من فترات تدريب للطواقم الأوكرانية هو نوع من التسويف لخلقِ فرصةٍ لسلامٍ منشود؟ ربما لأن ما من مصلحةِ أحد الوصول إلى حافةِ الهاوية عندها لا تنفع صناعة الخوف، لأن الخوف في المعارك المصيرية يصبح عبئاً على الوجود!

 

سيرياهوم نيوز 1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هكذا تكلم اينشتاين….

  باسل علي الخطيب و كان أن تقيأها ( بي بي) : من كان يقول عنا أننا أهون من بيت العنكبوت، لن يقول ذلك بعد ...