أنس السبطي
منذ توقيع اتفاق التطبيع المشؤوم بين المغرب الرسمي والكيان الصهيوني والآلة الدعائية التبريرية لم تتوقف عن سعيها لشرعنته وتقريبه إلى الإنسان المغربي البسيط، ومن أهم الأوراق المعتمدة ورقة ما يعرفون بمغاربة “إسرائيل” أو الجالية المغربية في الكيان الصهيوني التي تستخدم من أجل الادعاء بوجود نسب مشترك بين المغرب والكيان الصهيوني وربط الصلة بقوم قيل عنهم أنهم مغاربة والإيحاء بأنهم أقرب من المشارقة ومن الفلسطينيين خاصة، باعتبار الإرث الثقافي والتاريخي المشترك المزعوم بيننا وبينهم وصولا إلى مساواتهم بأبناء المهجر في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها.
وقد ظهر هذا جليا في مونديال قطر، إذ حاول الإعلام المخزني عبثا أن يستثمر موجة مساندة أسود الأطلس العالية العابرة للحدود وأن يقحم في هذه الصورة عنصرا مشوشا عليها من خلال عرضه لبعض الاحتفاليات المصغرة بفوز المنتخب المغربي في الكيان الصهيوني، غير أن تلك المشاهد المصممة بعناية من أجل التسويق والمنمقة بخطاب المجاملات الرسمي من طرف المسؤولين الصهاينة لنظرائهم في المخزن لا تصمد أمام الفرحة العارمة لمغاربة أوروبا، فشتان ما بين التفاعل العفوي المجنون للمغاربة في فرنسا وبلجيكا وهولندا وغيرها وبين تمثيلية خروج بضع سيارات بأعلام مغربية كأقصى مستويات المؤازرة للفريق الكروي المغربي في كيان قيل أنه يضم ثاني جالية مغربية في العالم، مما يؤشر إلى حقيقة ارتباط “مغاربة إسرائيل” الوجداني ببلدهم “الأصلي” وإلى زيف مساواتهم بمغاربة العالم.
على أن الضربة القاصمة هي التي أتت من الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية، حيث أظهرت تفاعلا قل نظيره مع إنجاز أسود الأطلس، والتي ضربت الانعزالية المغربية في مقتل، جاء هذا في الوقت الذي كانت فيه السلطة تروج في أوساط المغاربة خطاب الكراهية لمحيطهم العربي والإسلامي وتوحي إليهم بأنهم محاطون بالأعداء حتى يتسنى لها فصلهم عن عمقهم لكي يصبحوا فريسة سهلة للطرف الصهيوني، وهو ما أفسد عليها احتفاليتها بعد أن أعتق مونديال قطر المغاربة ولو مؤقتا من الزجاجة التي أسرتهم فيها البروباغندا الرسمية.
إن اعتبار جزء من الصهاينة مغاربة هو محض تدليس، فلا يمكن لمن خرج من المغرب مكرها وظل قلبه متعلقا ببلاده حتى أورث حبها لأبنائه وأحفاده أن يقارن بمن خرج منها وهو يتبرأ من ثقافتها حاملا هوية بديلة وعقيدة سياسية لا علاقة لها ب “تمغربيت” والذين طعنوا الوطن فيما سبق بموالاتهم للمحتل الفرنسي. فكيف يساوى هؤلاء بمن ينحاز جلهم لبلدهم الأصلي وما تفضيلهم للمنتخب المغربي، غير قابل للنقاش، حين يتواجه مع منتخبات البلدان التي يستقرون فيها إلا مثال حي على ولائهم للمغرب حتى لو عرضهم ذلك للأذى المادي والمعنوي من طرف بعض المتطرفين الأوروبيين كما حدث في كأس العالم الأخيرة. ناهيك عن قيمتهم المضافة التي يقدمونها للرياضة المغربية التي تقتات على مواهبهم في ظل الضمور المحلي. فهل يقدم الصهاينة المغرب على كيانهم؟ وهل يستفيد المغرب من كفاءاتهم وخبراتهم؟
ثم إن الفرق كبير بين من دخل بلدان الغير ورأس ماله هو كده وعرق جبينه حتى أسهم في بناءها وبين من دخل إلى بلد لا يمت له بصلة بالسلاح فقتل واغتصب وشرد أهله، فكيف يراد لنا أن نعتز بالقتلة والسفاحين؟ وإن كانت العصبية قد تدفع البعض إلى نصرة من يشتركون معه في الأصل ظالمين أم مظلومين، فلماذا نلعن الدواعش المغاربة إذا؟ ولماذا نتبرأ من أباطرة المخدرات واللصوص المغاربة في أوروبا ونعتبرهم نماذج غير مشرفة لنا؟
كذلك فإن الفرق كبير بين من يعتز بموروثه الثقافي، بفنه وطبخه والذي يعمل على ترويجه في المحافل الدولية وبين من يسطو عليه ويعتبره جزءا من خصوصيته اليهودية كما يفعل كل صهاينة الكيان العبري مع الموروث العالمي الذي ينسبونه لغيتوهاتهم المغلقة وليس للبلدان التي أتوا منها؛ وإنه لمن السخف أن يشعر الإنسان المغربي بالقرب والألفة مع أشخاص بعيدين عنه يوظفون جزءا من تراثه لخدمة أجندات أخرى في الوقت الذي يخوض فيه مع أشقائه الجزائريين حربا ضارية حول نسبة الموروث المغاربي المشترك بينهما وبين المنطقة المغاربية برمتها لأحدهما رغم أن الآخر العربي والأوروبي لا يلمح أي فرق بين ثقافة بلديهما.
لا يمكن المقارنة بين من تسهم تحويلاته المالية في إنعاش الاقتصاد الوطني وفي إعالة أقربائه وانتشالهم من العوز ومن الفاقة وبين من يرى المغرب سوقا يضخ فيها منتوجاته، بين من لا يطلب شيئا من بلده في تعبير عن الحنين الحقيقي وبين من قنبل البلاد بالمزارات اليهودية الوهمية بداعي حنينهم الكاذب الذي يستغل في اتجاه عبرنة البلاد واختراقها وضرب سيادتها وإلحاقها بحظيرة نفوذهم.
الغريب أن دعاة المغربة المزيفين يتجاهلون أمرا ثابتا هو الارتباط التاريخي العميق للمغاربة بالقدس وأرض فلسطين وبالعائلات الفلسطينية والشامية بصفة عامة التي استقرت في الشام، والتي عرفت بتاريخها الناصع والتي تعد العلاقات معها أوثق من العلاقات مع العصابات الصهيونية نظرا لإسهامها التاريخي المتميز في الجهاد زمن الحروب الصليبية، والذين عرفوا أيضا بالزهد والتصوف وبرعاية الأماكن المقدسة في بيت المقدس، وهو ما أهلهم ليكونوا صلة وصل راسخة بين المغرب والمشرق.
إن البون شاسع بين من يده بيضاء على بلده الأصلي وبين الأيادي قاتمة السواد التي أضافت على سوأة العدوان على شعب شقيق سوأة دعم وإسناد ممارسات المخزن السلطوية الذي راهن على الالتصاق بها من أجل حمايته من الأخطار الداخلية والخارجية، والمحصلة أن الأوضاع زادت احتقانا على الواجهتين وازدادت صورة المغرب الرسمي تشوها بعد تطبيعه الآثم.
كاتب مغربي
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم