|
عانى العديد من دول الاتحاد الأوروبي من عجز في الميزانية في السنوات الأخيرة، ولم تتعاف هذه الدول بالكامل بعد من الوباء. لذلك، فإن نمو الإنفاق العسكري يعني تحويل الأموال إليه من الصناعات الأخرى.
كتب الخبير الاقتصادي الروسي ورئيس قسم الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة الحكومية للإدارة، يفغيني سميرنوف، في صحيفة “إزفستيا” الروسية، مقالاً بعنوان “المستقبل الغامض“، تحدث فيه عن مدى تأثير الإمدادات العسكرية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا، بضغط من الولايات المتحدة الأميركية، على اقتصادات بلدان الاتحاد في المرحلة المقبلة.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
منذ بداية الأزمة الأوكرانية، بدأت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في زيادة الإنفاق الدفاعي المخطط له بشكل حاد، في موازنات السنوات المقبلة. على الرغم من سعي أعضاء الاتحاد الأوروبي لعقود إلى خفض الإنفاق الدفاعي (فيما يتعلق بإجمالي الناتج المحلي)، إلا أنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتحت ضغط من حلف شمال الأطلسي، اندفعت في الاتجاه المعاكس.
أما بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فتعهد العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالتزامات صارمة لزيادة الإنفاق العسكري، إلا أن التزامات كهذه لا يمكن الوفاء بها دفعة واحدة وبسرعة. نظراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أكبر ميزانية دفاعية، لا تضاهى مع الاتحاد الأوروبي، فمن غير المرجح أن يكون النمو في الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي ملحوظاً بشكل خاص على الخلفية العامة لحجم الإنفاق العام في حلف الناتو، لكنه سيؤثر بشكل خطير على اقتصادات دول الاتحاد، على سبيل المثال، دول البلطيق…
عانى العديد من دول الاتحاد الأوروبي من عجز في الميزانية في السنوات الأخيرة، ولم تتعاف هذه الدول بالكامل بعد من الوباء. لذلك، فإن نمو الإنفاق العسكري يعني تحويل الأموال إليه من الصناعات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، عانى الاقتصاد الأوروبي من ضغوط خطيرة، أثارتها أزمة الطاقة نتيجة لانخفاض صادرات الطاقة من روسيا. في ظل هذه الخلفية، من الصعب تنفيذ أي عسكرة جزئية للاقتصاد الأوروبي.
كما أن العديد من الدول الأوروبية هي اقتصادات متطورة تتمتع بضمانات اجتماعية جادة ودخول مستقرة. في الوقت نفسه، لا شيء تقريباً للاستهلاك الخاص في بلد معين ينتج عن تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية. فبالنسبة للاستهلاك الذي يعتبر، كما نعلم، أساس النمو الاقتصادي، تكون النتيجة صفراً.
من غير المحتمل أن تكون أوروبا الغنية جاهزة لمثل هذا التحول في المسارات. لكن ما نشهده أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي يزيد حجم المساعدات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، والتي أصبحت أيضاً اختباراً خطيراً وعبئاً على ميزانيات هذه الدول. لم يساهم رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي في الأشهر الأخيرة إلا قليلاً في نمو الاستهلاك، ما أدى فقط إلى تفاقم مخاطر التضخم المصحوب بالركود الاقتصادي للعديد من البلدان الأوروبية. فإذا استمر الطلب من أوكرانيا للحصول على المساعدات، ومن المرجح أن يكون حجم المساعدات المطلوبة كبيراً جداً (ولا توجد أي فرضيات عكس ذلك اليوم)، فسيواجه عدد من دول الاتحاد الأوروبي الحاجة إلى إنتاج أسلحة ومعدات عسكرية، وفي صناعة الدفاع، حيث ستنعكس القرارات الحكومية أرباحاً لصالح الشركات المصنعة.
مما لا شك فيه أن شهية المستثمرين في هذا المجال ستزداد، كما ستتزايد اهتماماتهم، ولكن في مجالات أخرى، ستزداد المخاطر، وستنخفض الربحية، وهذا ينطبق بشكل خاص على الصناعات المدنية التي تستهلك الطاقة بكثافة، والتي تعاني بالفعل من تأثير الأزمة.
من غير المرجح أن تبدأ معظم دول الاتحاد الأوروبي في إنتاج أسلحة على نطاق واسع، فلا يرتبط نمو الإنفاق الدفاعي فيها بإنتاج الأسلحة والمعدات، ولكن باستيرادها. ومع ذلك، أصبحت هذه الواردات أكثر تكلفة، حيث زادت المنافسة على إمدادات الأسلحة في العالم بشكل كبير. سيعني ذلك تكاليف استيراد إضافية (وهي تكاليف “مشتتة للانتباه”)، ما سيؤدي إلى إلقاء العبء على ميزانيات البلدان، وفي كثير منها سيسهم في زيادة عبء الديون.
من الضروري أيضاً مراعاة أن التخطيط للإنفاق الدفاعي من قبل دول الاتحاد الأوروبي يتم بمعزل عن وضع رؤية اقتصادية شاملة (كما كل قرارات الاتحاد المتعلقة بأمن أوروبا). وسيؤدي هذا إلى نقص في التماسك، وبالتأكيد إلى حدوث تشوهات هيكلية، حيث تحتاج بعض البلدان إلى مزيد من التمويل. للمناسبة، لم تنجح سياسة مجتمعية واحدة للاتحاد الأوروبي.
إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد الاستمرار في اتباع سياسة مالية ونقدية واحدة، فيجب أن تكون أيضاً متسقة مع تخطيط ميزانيات الدفاع. لذلك، تفضل الدول عدم القيام باستثمارات طويلة الأمد في المجمع الصناعي العسكري، ولكن القيام لمرة واحدة وبشكل فردي (بدون الاتفاق على مستوى الاتحاد) بشراء الأسلحة والمعدات العسكرية من خارج الاتحاد الأوروبي.
هذه هي في الأساس عمليات شراء قصيرة الأمد تهدف إلى سد الثغرات الحالية في صناعة الدفاع. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن معظم التعاون العسكري الفني لدول الاتحاد الأوروبي يتم خارج القارة الأوروبية. وهذا يجعل من الصعب تنفيذ استراتيجية عامة للعسكرة الجزئية.
أخيراً، لم تكن أوروبا ببساطة مستعدة لدعم الأعمال العسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد، ما أدى إلى استنفاد مستودعات دول الاتحاد الأوروبي لمجموعات واسعة من الأسلحة التي يجب تعويضها، خاصة وأنها تواجه في خطر الحرب في المستقبل. بناء على البيانات المتوفرة حول عمليات تسلم الأسلحة غير المنسقة، لبلدان الاتحاد، من قبل العديد من المصدرين المختلفين، يمكننا استنتاج أنها ستقلل من كفاءة الصناعات الدفاعية ككل. تبدو هذه المشكلة حادة، بالنظر إلى الهيكل المعقد والمتباين للتعاون العسكري التقني للاتحاد الأوروبي والمستوى العالي من التجزئة وعدم الاتساق في صناعة الدفاع، وضعف التنسيق بين الصناعة والسياسات الصناعية والابتكار في أوروبا بالمجمل.
بشكل عام، فإن الخطر الرئيس على اقتصاد الاتحاد الأوروبي، في سياق الصراع الحالي، يتمثل في عدم وجود معلومات موثوقة حول الإنفاق على المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة لأوكرانيا، فاحتمال انتهاء العملية العسكرية الروسية الخاصة غير مؤكد. ولا يزال هذا بلا شك حجر عثرة أمام المخططين الاقتصاديين الأوروبيين.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين