حضرت الدولة بكل مؤسساتها، ومعها دول صديقة وشقيقة وفية، وغاب كثير من دول العالم عن فاجعة السوريين وما أصابهم جراء الزلزال الذي راح ضحيته المئات وآلاف المصابين مع دمار هائل طال المباني والمرافق والبنى التحتية.
وفي ثالث أيام الكارثة، واصلت المؤسسات السورية بكل قطاعاتها وكوادرها وأدواتها استنفارها، وانحصرت جهود الجميع باتجاه المحافظات المنكوبة، فيما تواصلت عمليات الإنقاذ بما توفر من إمكانيات نال الحصار والعقوبات منها، ووقف في وجه إنقاذ سوريين أبرياء لاحقتهم عقوبات الغرب حتى إلى تحت الأنقاض.
ومع تواصل عمليات الإنقاذ، واصل ملوك ورؤساء دول شقيقة وصديقة تقديم التعازي للرئيس بشار الأسد الذي تلقى أمس اتصالات هاتفية من سلطان عمان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وملك الأردن عبد اللـه الثاني، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، أعربوا خلالها عن تعازيهم للرئيس الأسد وللشعب السوري بضحايا الزلزال والاستعداد لتقديم المساعدة، ودعم جهود الحكومة السورية في عمليات الإنقاذ والإغاثة.
كما تلقى الرئيس الأسد اتصالاً من رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان الذي تقدم بالتعازي وأكد أن أبناء طائفة الموحدين في لبنان كما في سورية مستعدون لتقديم كل دعم وتكافل لإخوانهم في المحافظات كافة التي ضربها الزلزال.
تأكيد دول شقيقة وصديقة استعدادها للوقوف إلى جانب السوريين تزامن مع مواصلة هبوط طائرات المساعدات في المطارات السورية حيث حط في مطار اللاذقية، 5 طائرات روسية محملة بمساعدات غذائية وإغاثية وطواقم فنية وتجهيزات تكنولوجية نوعية تساعد في استشعار أماكن المحاصرين تحت الأنقاض وساهمت بالفعل أمس بإنقاذ عدد منهم.
كما وصل أمس إلى مطار اللاذقية طائرة مساعدات إيرانية وأخرى إلى مطار حلب هي الثالثة خلال يومين، وحطت أربع طائرات جزائرية في مطار حلب، إضافة إلى طائرة شحن تتبع لمؤسسة الطيران العربية السورية قادمة من ليبيا وطائرة إيرانية، فيما حط بمطار دمشق الدولي طائرة مساعدات إماراتية وأكد القائم بالأعمال في سفارة الإمارات بسورية عبد الحكيم إبراهيم النعيم لـ«الوطن»: أن الإمارات مستمرة في الجسر الجوي ويومياً سيكون هناك طائرات تصل إلى المطارات السورية إضافة إلى انطلاق عدد من الشاحنات من الإمارات باتجاه دمشق.
كما أوعز رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أمس بتقديم 50 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال، كذلك أعلنت الإمارات أول أمس عزمها إنشاء مستشفى ميداني، وإرسال فريق بحث وإنقاذ وإمدادات إغاثية إلى سورية، لمساعدتها على تجاوز تداعيات الزلزال.
ووصلت أيضاً لمطار دمشق الدولي ثلاث طائرات مصرية حملت 52 طناً من المساعدات مساء أمس وصرح القائم بأعمال سفارة مصر من مطار دمشق الدولي بأن مصر تقف إلى جانب سورية والسوريين في هذه المحنة الاستثنائية.
وبحسب مصادر «الوطن»، فإنه من المنتظر أن تحط صباح اليوم طائرة مساعدات قادمة من الهند، كما من المتوقع أن تصل تباعاً يوم غد طائرات مساعدات من تونس والأردن وأخرى من فنزويلا وأرمينيا، كما أعلنت الباكستان أنها بصدد إرسال طائرة مساعدات إلى سورية.
وتزامن وصول طائرة المساعدات العراقية مع إعلان الحكومة العراقية إرسال 650 طناً من المواد الغذائية إلى سورية، كما أعلنت قوات الحشد الشعبي أن مجموعة من المديرية العامة للهندسة العسكرية التابعة للهيئة انطلقت إلى سورية لتقديم المساعدات، وإخراج المحاصرين تحت الأنقاض.
وأفادت مصادر عراقية أن أرتال الحشد الشعبي تواصل دخولها المنافذ الحدودية العراقية السورية، وصرح مصدر مسؤول في سفارة جمهورية العراق بدمشق لـ«الوطن» عن وصول قافلة صهاريج محملة بالمشتقات النفطية بتوجيه من رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني.
ويصل اليوم إلى سورية وفد وزاري من بيروت لبحث الإمكانيات اللبنانية للمساعدة في مجال الإغاثة يضم وزير الخارجية اللبناني عبد اللـه بوحبيب ووزير الأشغال العامة والنقل والشؤون الاجتماعية هكتور حجار والزراعة عباس الحاج حسن والأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، وأعلن وزير الأشغال اللبناني أمس فتح الأجواء والموانئ اللبنانية، لتسهيل وصول المساعدات وفرق الإنقاذ إلى سورية.
وقال حجار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام لبنانية: «سيتم فتح مرفأي طرابلس وبيروت ومطار بيروت أمام شركات النقل الجوي والبحري للرسو في الموانئ اللبنانية والهبوط في مطار بيروت مع الإعفاء من الرسوم والضرائب لتسهيل وصول المساعدات إلى سورية»، مضيفاً: «هذا أقل ما يمكن تقديمه للشعب السوري».
التحركات الإنسانية التي حضرت من قبل عدد من الدول، تزامنت مع تواصل الأعمال الإغاثية وسط استنفار العناصر الصحية والإغاثية والفرق التطوعية والطبية من مختلف المحافظات وتوجهها نحو المحافظات المتضررة لتقديم الخدمات الصحية العلاجية، عبر التنسيق مع غرفة عمليات المحافظة ومديريات الصحة لإجلاء الإصابات والجثامين ونقلها إلى الطبابة الشرعية، كما تواصل العمل لانتشال الضحايا، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من المواطنين، وأعلنت محافظة حماة إنهاء عمليات إخراج الضحايا العالقين تحت الأنقاض إثر الزلزال.
حصيلة غير نهائية
وزارة الصحة بدورها أعلنت عن تسجيل 812 وفاة و1449 إصابة، في محافظات حلب واللاذقية وحماة وريف إدلب وطرطوس، في آخر تحديث حتى ساعة إعداد هذا التقرير، كما تمكنت الفرق الطبية من انتشال ثلاثة أشخاص من تحت الأنقاض على قيد الحياة في محافظتي حلب واللاذقية، وتم نقلهم إلى المشافي لتلقي الخدمة الصحية العاجلة.
و تم في حلب إنقاذ 92 شخصاً من تحت الأنقاض بجهود قوات الدفاع المدني وقوات الجيش العربي السوري ومؤازرة الدفاع المدني الجزائري والهلال الأحمر السوري.
من جانبها أفادت مصادر أهلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيمات المسلحة لـ«الوطن» بأن حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غرب سورية ارتفعت لأكثر من 810 وأكثر من 2200 مصاب حتى اللحظة.
وقالت المصادر: إن عدد ضحايا الزلزال مرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العائلات تحت الأنقاض ونقص المعدات والآليات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، مشيرة إلى أن 210 مبان تدمرت بشكل كامل، وأكثر من 520 مبنى تصدع بشكل جزئي، كما تصدعت آلاف المباني والمنازل.
بالتوازي خصص مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية أمس 50 مليار ليرة كمبلغ أولي لتمويل العمليات الإسعافية المتخذة لمعالجة آثار الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد.
عرنوس في اللاذقية
كما وصل وبتوجيه من الرئيس الأسد رئيس الوزراء حسين عرنوس مع وفد حكومي إلى محافظة اللاذقية ومدينة جبلة للاطلاع على عمليات الإنقاذ هناك، حيث تفقد عدداً من المواقع المتضررة ومراكز الإيواء والمشافي، وأكد في تصريح لـ«الوطن»، أن الحكومة لن تدخر جهداً على بذله في خدمة الأهالي إلا وستقدمه لهم وتسعى لإراحة الناس بشتى الوسائل، وقال: «ما يعزينا هو تكافل الشعب السوري الذي تُرفع له القبعة سواء في التبرعات أم التعاون والإنقاذ وفي كل المشاركات بجميع المواقع المتضررة».
وفي رده على سؤال «الوطن» حول الحلول الحكومية لمن فقدوا منازلهم، قال عرنوس: إن الحكومة رصدت 50 مليار ليرة للتعاطي مع الأمور الضرورية لإعادة التأهل والمساهمة في الإصلاح لكن هذا الرقم لا يعيد المباني التي تضررت أو يعيد بناء المتضرر، ونأمل أن يكون هناك موقف إيجابي من كل دول العالم للتعاطي مع هذا الواقع وبالتالي فمن حق الشعب السوري على كل العالم أن يقف إلى جانبه في هذه المحنة.
وبين عرنوس أنه تم تكليف كل المحافظات للقيام بجرد دقيق للمباني التي انهارت وهذه تم الانتهاء منها، ولكن هناك خوف وقلق عند الأغلبية العظمى من الناس وأضاف: «المحنة كبيرة وهناك أضرار واضحة ومباشرة».
وزير الدفاع في حلب
من جهته اطلع وزير الدفاع العماد علي عباس وبتكليف من الرئيس الأسد على أعمال الإنقاذ وتفقد الأضرار التي خلفها الزلزال بحلب، وعمليات رفع الأنقاض في عدد من أحياء المدينة التي تعرضت بعض مبانيها للسقوط، والتي تتم بمشاركة جميع الجهات الحكومية والأهلية في المحافظة إلى جانب وحدات الجيش العربي السوري.
من جهتها، فعاليات أهلية اقتصادية وشخصيات فنية، في المحافظات السورية، أطلقت أمس حملة لجمع التبرعات والمعونات للمناطق المنكوبة، حيث لاقت هذه الحملة تفاعلاً كبيراً ووصلت التبرعات خلال ساعات قليلة إلى مليارات الليرات.
بالتزامن، تلقى وزير الخارجية والمغتربين أمس عدداً من الاتصالات الهاتفية والرسائل من وزراء خارجية تونس عثمان الجرندي وليبيا نجلاء المنقوش والسودان علي الصادق علي والفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني في سلطنة عمان، ومن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، أعربوا فيها عن تعازيهم ومواساتهم الحارة وتضامنهم العميق مع الشعب السوري، وأهالي الضحايا والمتضررين من الزلزال الذي ضرب سورية.
المقداد: كارثة الزلزال كبيرة
وفي مقابلة له مع قناة «الميادين» اعتبر المقداد أن «كارثة الزلزال كبيرة، مشيراً إلى أن ما زاد في عمقها هو ظروف سورية الصعبة لكونها تحارب الإرهاب ومن يدعمه.
وأوضح المقداد أن العقوبات على سورية زادت في صعوبة الكارثة، مشدداً على أن الدولة تتابع، على المستويين الخارجي والداخلي، تعبئة الدعم لمساعدة ضحايا الزلزال.
ولفت إلى أن الرئيس الأسد طلب وضع إمكانات الدولة في عمليات الإنقاذ والإغاثة، وقال: «كل المستشفيات في سورية وضعت لعلاج ضحايا الزلزال، وكثير من الدول أرسلت المساعدات إلى سورية، موجّهاً الشكر إلى القادة الذين اتصلوا معزين، ومعبّرين عن رغبتهم في المساعدة.
وبيّن المقداد أن الظروف صعبة جداً، مؤكداً حاجة سورية إلى المساعدات التي بدأت تصل فعلاً، وأشار إلى أنه مهما بلغ حجم هذه المساعدات، فإن سورية في حاجة إلى المزيد.
وطلب المقداد، من الدول الأوروبية إرسال المساعدات، مؤكداً أن إرسالها الآن من أوروبا ليس في حاجة إلى طلب وبيروقراطية إدارية، فالمساعدات الإنسانية لا تخضع للعقوبات، وفق القوانين الدولية، لذا، لا داعي للتذرع بذلك.
وأضاف: «هناك دول عربية سارعت إلى تقديم الدعم، وأخرى وعدت بتقديم المساعدات»، وسورية عانت ازدواجية المعايير في السياسة الدولية، علماً بأن «هناك كثيراً من الدول تتواصل مع دمشق عبر القنوات الخلفية».
وبيّن أن هناك دولاً غربية قدّمت ملايين الدولارات إلى الإرهاب وفشلت، والآن تحلم بالعودة إلى علاقات طبيعية مع سورية، وقال: «هناك وضع إنساني صعب وإذا لم تكن الدول الغربية قادرة على تقديم واجباتها الإنسانية، فإن شعوب العالم ستبتعد عنها».
وبشأن الظروف الصعبة التي تعاني منها سورية بسبب الحرب والحصار، أكد المقداد للميادين أن المسلحين دمّروا كل الإمكانات السورية من سيارات ورافعات ومعدات، في وقتٍ هناك ناس تحت الأنقاض ونحن بحاجة إلى آلات لرفعها.
وقال «العقوبات الأميركية تمنع عن سورية كل شيء بما في ذلك شراء الدواء»، وتوجه المقداد للرئيس الأميركي جو بايدن بالقول: «ألم تقم الدولة السورية بفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخاضعة للمسلحين»، مؤكداً أن الدولة السورية مستعدة للسماح لدخول المساعدات لكل المناطق، شرط ألا تصل إلى الإرهابيين.
حبوباتي: ارفعوا الحصار عن سورية
إشارة المقداد إلى دور العقوبات الأميركية الغربية في محاصرة السوريين وعرقلتها عمليات الإغاثة، أكد عليها رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري خالد حبوباتي، الذي طالب في مؤتمر صحفي أمس برفع الحصار والعقوبات عن سورية، مشدداً على أن العقوبات الاقتصادية التي تأثرت بها البلاد تشكل اليوم العائق الأساسي أمام عمليات إنقاذ المتضررين من الزلزال، لعدم وجود المعدات اللازمة التي منع الحصار وصولها وحصول سورية عليها، وقال: «تشكل العقوبات الاقتصادية التي تأثرت بها البلاد العائق الأساسي لحصول سورية على هذه المعدات الثقيلة، ونطالب برفع الحصار والعقوبات للمساعدة»، مشيراً إلى أن «الأعمال الإنسانية والإبداء والرغبة بالتعاون بتقديم المساعدة للشعب السوري نقدره، لكننا بحاجة للمساعدة من كل المجتمع الدولي، وأناشد الاتحاد الأوروبي وكل أعضاء الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، يكفي مذلة بالنسبة لنا، نحن نقدر ونحب الأوروبيين، وهناك علاقات تاريخية معهم، ولكن آن الأوان بعد هذا الزلزال أن ترفع العقوبات، ونريد الحصول على المعدات، نريد الحصول على سيارات إطفاء ومعدات ثقيلة لعمليات الإخلاء، وهذه المشاكل موجودة بسبب العقوبات، وهذه العقوبات ضد الشعب السوري، وهذا نداء للاتحاد الأوروبي والتعاطف معنا يأتي بالتعامل مباشرة معنا، ارفعوا العقوبات الاقتصادية عن سورية، ونحن مستعدون للتعاون، وأطالب برنامج الغذاء الأميركي بالتعاون معنا، ونطلب مساعدته في هذا الوضع الصعب، وأناشد برنامج المساعدات الأميركية بتقديم المساعدات للشعب السوري».
وشدد حبوباتي على أن الهلال الأحمر العربي السوري هو لجميع فئات الشعب السوري، مؤكداً أن المنظمة على استعداد لإرسال قافلة مساعدات إلى إدلب عبر الخطوط، وقال: «أبناء إدلب أهلنا ولا شأن للمنظمة بالمجموعات المسلحة، والمنظمة مستعدة لإرسال قافلة مساعدات، ونحن جاهزون للدخول لجميع المناطق المنكوبة وإرسال قوافل المساعدات عبر الخطوط إلى المناطق المنكوبة في إدلب».
المناشدات لرفع الحصار والعقوبات لاقت آذاناً صماء أميركية- غربية، عبرت عنها التصريحات الصادرة عن العواصم الأوروبية والتي أكدت رفضها التعاطي مع المحنة السورية وإصرارها على تقسيم الشعب السوري وإرسال مساعداتها لفئة محددة منه، رغم تصريحات منظمة الصحة العالمية عن عدم توافر الوقود في سورية، والذي سيشكل تحدياً كبيراً لعملية الاستجابة لمساعدة المتضررين من الزلزال، كما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الوضع الإنساني في سورية بالمروع مؤكدة أن هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها.
سيرياهوم نيوز1-الوطن