آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » عن كارثة الزلزال وأبعادها..!

عن كارثة الزلزال وأبعادها..!

كتبت د.ناديا خوست

 

في الكوارث ظلم وحشي. لأنها تجرف الطبيب الضروري للإنقاذ، والغشاش الذي رفع أبنية قاتلة، ولا تستثني الأطفال. لذلك تستنهض الجوهر الأخلاقي، فتتوهج فضائل النخوة والشهامة. هذا ما تجلّى في سورية بعروض الايواء والإطعام والإكساء والنقل والتبرع بالدم.

ربما شعرنا في لحظة الزلزال الأولى بالغضب فصرخنا: حتى الطبيعة دون قلب! بعد حرب طويلة علينا، زلزال كبير؟ ومن الحب، خيل إلينا أن الدمار قصد المناطق التي عانت أكثر من غيرها من أوجاع الحرب ولها الحظ الأكبر من الفخر بالشهداء.

بعد لحظة فقط، خفّت سورية كلها إلى هناك لتعمل في الإنقاذ. تنصت لتلتقط رعشة الحياة تحت الأنقاض. تتبرع للجرحى بدمها. تلفّ البردان بمعطفها. وتنشر مظلتها على المتناثرين في الحدائق، وهي تخفي دموعها.

وكأن الأوجاع السورية الكبرى أزاحت اللثام عن أخوّة الأشقاء. فعادت الخريطة تنبض من دجلة إلى شاطئ الجزائر وبيروت وعُمان. تنشد أشعار أحمد شوقي والشابي، وموطني، وبلاد العرب أوطاني، ونحن الشباب. وغمرتنا لهفة الأصدقاء من فنزويلا إلى كوبا والصين وباكستان. وفي هذا السياق الوهّاج، جلَونا المفردات. فصحّحنا بالمنطق صيغة “مساعدات إنسانية”: فحيث تشيّد المخابر البيولوجية التي تستولد الأوبئة الفتاكة وتحمّل بها الطيور المهاجرة، لا تطلب رقة القلب! وهل العقوبات غير قتل جماعي، يقفل الشبكة المالية العالمية على المحاصَر فيمنع عنه الطعام والدفء والدواء، ويقطع طرقات الشرفاء إليه!

المساعدات إذن قرار أخلاقي وسلوك إنساني، يعبّران عن سياسة وفكر. هكذا تبدو فرق الإنقاذ الروسية في سياق إعادة مطار الجراح إلى العمل في حلب بمساعدة روسية. وطائرات النجدة الجزائرية في سياق موقف الجزائر النبيل في القمة العربية. وقافلة العراق البرية على المسار الذي عبرته القوات العراقية المشاركة في حرب تشرين، وعبره الناجون من التصفيات خلال الغزو الأمريكي. وإخوتنا اللبنانيون حيث يجب أن يكونوا. أما الدفء القليل الذي ننعم به، والبنزين الذي نتنقل به، فهو طوال الحرب من بلاد سليماني ونظامي كنجوي والخيّام. في الوقت الذي تسرق فيه الولايات المتحدة بقوة السلاح، علناً، القمح والنفط السوري.

كان أبعد من الخيال أن يحدث زلزال! وأي زلزال! لكن يبدو أن الشعب السوري يُمتحن دائماً بما يذكّره بأصالته! ولنا أن نزهو بأن قيادة الدفة السورية لم تفقد لحظةً شجاعتها، فسددت المؤسسات لتواكب الوجدان العام في الإسعاف والإنقاذ. وها هم الذين حملوا واجب إدانة الفساد، يحملون اللوحات التي تسجل التبرعات بالمأوى والنقل والمداواة! والسوريون يتألقون بجمالهم حتى جرحى ومنكوبين!

بقيت بعض مسائل للتأمل: أولاً، هل سبب هذا الزلزال حركة الصفائح التكتونية، أم جريمة ارتكبها قطب يحرق الأرض كيلا يتراجع إلى قارته؟ تبيح الايديولوجيا العنصرية توظيف العلم في صناعة الكوارث. وليس مصادفة أن يقول شفاب مدير دافوس لا ضرورة لبقاء جميع سكان الأرض! ولا أن تستخدم كورونا في تجربة وباء شامل! فهل هذه الكارثة مشهد دام من الحرب العالمية؟ ألا يوحي تفجير المسيل الشمالي بتفجيرٍ مشابه يلغي مركز توزيع النفط والغاز المخطط في تركيا؟ تضاف هذه الأسئلة إلى تفجير برجي التجارة العالمية، وقتل الحريري، ونسف ميناء بيروت. وتضع ضرورة هزيمة الولايات المتحدة لحماية الحياة على الأرض.

ثانياً، تبيّن المأساة أن الأبراج لا تناسب بلاداً مهددة بزلازل طبيعية وسياسية وحروب. فلنأمل بألا يستنتج تجار العقارات نصب الأبراج بحجة ايواء الناس، بل أن يفرض العقلاء العمارة الأفقية والفراغات الخضراء التي تقلل ضحايا الكوارث وتنشر مساحات الأمان.

ثالثاً، نتمنى ألا نقع في فخ أفلام فيديو تستغل الكارثة فتلفّق احتفالات مقزّزة بإنقاذ طفل لتظهر لون خوذاتها. وقد سقطت قناة الميادين أمس في هذا الفخ.

(سيرياهوم نيوز3-صفحة الزميل علي نصر الله)

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...