| عبد السلام بنعيسي
عرضت حكومات ومنظمات دولية من شتى أنحاء العالم تقديم الدعم بعد أن ضرب الزلزال المدمر وسط تركيا وشمال غرب سوريا. وجاءت المساعدات الدولية من جميع جهات المعمورة، بما في ذلك من حكومة حركة طالبان بأفغانستان التي تعاني بلادها من أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة، وأرسلت مساعدات إلى تركيا وسوريا، وذلك ((من منطلق التعاطف الإنساني والأخوة الإسلامية…))، حسب ما جاء في بيان وزارة خارجية حكومة طالبان. وعلى غير عادته، تأخر المغرب في تقديم المساعدة، أو إرسال فرق الإغاثة إلى الأماكن المنكوبة، واكتفت وكالة الأنباء الرسمية المغربية بنشر برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أرسل المغرب، على الأقل، برقية تعزية إلى الرئيس التركي، أما إلى الدولة السورية فإن المغرب لم يكتف، فحسب، بعدم تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري إزاء هذه الكارثة المروعة التي ضربته، بل إنه لم يبادر لإرسال حتى برقية تعزية إلى القيادة السورية في هذا المصاب الجلل الذي صعق السوريين. حبذا لو تكرمت علينا السلطة في المغرب، وشرحت للرأي العام المغربي، عبر وسائل إعلامها الرسمية، الأسباب التي حذت بها لاتخاذ هذا القرار الغريب والعجيب تجاه الدولة السورية. لتقل للمغاربة ما هي الدوافع التي أدت بها لاتخاذ هذا القرار، فمن حقهم البسيط معرفتها.
علاقات المغرب بالجزائر التي تناوئه في وحدته الترابية كانت مقطوعة ومتوترة، ولكن حين اندلاع الحرائق في غابات منطقة القبايل، عرضت الدولة المغربية على نظيرتها الجزائرية وضْعَ طائرات مغربية، لإطفاء الحرائق، رهن إشارتها، كمساعدة مغربية للجزائر في تلكم الظروف العصيبة، فلماذا لم يقم المغرب بالشيء نفسه مع الدولة السورية. مهما كانت الخلافات القائمة بين دمشق والرباط، هذا إن كانت هناك خلافات فعلا، فإنها لا ترقى إلى مستوى التوتر الحاصل في العلاقات بين المغرب وجارته الشرقية، فلماذا كان المغرب متسامحا وعارضا دعمه للجزائر في حين بخل به، وحجبه عن سوريا؟؟؟؟
إذا كان الدستور عبارة عن تعاقد يجمع الحاكم بالمحكومين، وأن على الطرفين احترامه والالتزام بكافة بنوده، وإذا كانت هوية المغرب، طبقا لدستوره: ((عربية – إسلامية، وأمازيغية، وصحراوية حسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية))، وإذا كانت سوريا، كما هو معروف، دولة عربية محورية، وأنها تُعتبر، قلب العروبة النابض، فإن السلطة المغربية، بموقفها هذا الذي لم تقدم فيه أي دعمٍ لسوريا في محنتها، تتحدى النص الدستوري الذي وضعته لنفسها، وتدوس عليه بقدميها، وتحديدا الفقرة التي تحثُّ فيه على ضرورة ((تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة)). ألا يدخل تقديم المساعدات لسورية في باب: توطيد وشائج الأخوة والتضامن مع الشعب السوري الشقيق؟؟؟؟ ألم يشارك المغرب في حرب أكتوبر 1973 بتجريدة عسكرية إلى جانب الشعب السوري، على أساس أنه شعبٌ شقيق؟؟؟؟ هل كان شعبا شقيقا في الماضي ولم يعد كذلك اليوم؟ ومتى وكيف حدث هذا التحول؟ ولماذا لم يقع إخبار المغاربة به؟؟؟؟
عقب المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة مع نظيره اليمني وزير الخارجية وشؤون المغتربين بالجمهورية اليمنية أحمد عوض بن مبارك الذي كان في زيارة للرباط، حيث قال بوريطة ((إن لقاء اليوم كان مناسبة لاستحضار عمق وقوة العلاقة التي تجمع بين البلدين والشعبين))، وهي علاقات، قائمة حسب قوله، ((على الأخوة الصادقة والتضامن وعلى الدعم المتبادل فيما يخص القضايا الأساسية للبلدين))، أي المغرب واليمن، وعقب زيارة بوريطة للعراق، وإعادة فتح المغرب لسفارته ببغداد، وفي ضوء الكلمات الدافئة المتبادلة بينه وبين نظيره العراقي، استبشر مغاربة عديدون خيرا بهاتين الخطوتين، ومنّوا النفس بإمكانية عودة المغرب إلى محيطه العربي متحررا من الضغوط الفرنسية والأمريكية والصهيونية التي تروم عزله عن هذا المحيط للاستفراد به، وإخضاعه لأجندتها، لكن الموقف المتخذ في ظل الزلزال الذي ضرب سوريا، يُبيّنُ أن الدبلوماسية المغربية تعاني من تخبط، وارتجالية، وعشوائية، وأنها لا تعرف ماذا تريد، وإلى أي تجاه تسير.
أي معنى لعدم تقديم مساعدات مغربية لسوريا؟ بماذا يفيدنا ذلك نحن المغاربة؟ ألا يضرُّ هذا التصرف بالمكانة الاعتبارية للمغرب، ويهزها هزّاً في أعين المراقبين، والمهتمين، وعموم الجماهير العربية والإسلامية؟ وهل دول العالم ستثق في دولة المغرب التي تتنكر لدولة شقيقة لها، التي هي سوريا أثناء كارثة مهولة حلّت بها؟ هل من مصلحة المغرب أن يبدو بلدا مجردا من الأخلاق ومن القيم الإنسانية؟ ألا يكون لذلك مردودٌ سلبي على المغرب في معركته من أجل الحفاظ على وحدته الترابية؟؟؟
المساعدات المغربية التي كان يتعين تقديمها لسوريا قد لا تغطي ولو واحد في المليون من الحاجيات الملحة للشعب السوري، وقد لا تكلف الميزانية المغربية إلا النزر القليل، ولكنها كانت ستُسَجَّلُ صفحة غراء في كتاب التضامن العربي، وستحسب للرصيد المغربي الزاخر بالكرم، والشهامة، والوقوف إلى جانب المحتاج، والملهوف، وضحية الكوارث الطبيعية. لكن الخاسر في عدم تقديم الدعم لسوريا وتركيا، هو المغرب، وليس لا تركيا، ولا سوريا…
والمؤسف هو أنه باستثناء فدرالية اليسار التي استنكرت عدم تقديم المغرب الدعم والمساعدات لسوريا وتركيا، فإن باقي الأحزاب السياسية أشاحت بوجهها للضفة الأخرى، ولم تدل بأي تصريح أو بلاغ يشجب هذا الموقف ويحتج عليه، فحتى الإسلاميون بمن فيهم المنضمون في حزب العدالة والتنمية، والمنتسبون لجماعة العدل والإحسان سكتوا عن هذا القرار، ولم يقولوا في شأنه أي كلمة، وكأن الخرس قد أصابهم على حين غرة، علما بأن الكثيرين منهم كانت لديهم علاقات جيدة مع تركيا. إنه موقف مخجل بالنسبة للكثيرين من المغاربة..
سيرياهوم نيوز 3 – رأي اليوم