تحسين حلبي
حين رأى رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اهتمام معظم الدول العربية بسورية الشقيقة والمبادرة التي قامت بها تلك الدول لتقديم المساعدات لها بعد وقوع الهزة الأرضية في عدد من مدنها في الشمال، أدرك أن مخططاته الهادفة لترسيخ حالة الانقسام بين دول المنطقة، بدأت تتعرض لهزة عكسية لن يدفع ثمنها سوى دولة الاحتلال التي وجدت نفسها مشلولة عن تغيير هذا الاتجاه في الوضع الإقليمي، فسارع بطريقة لا تنطلي على أحد بالإيعاز لوسائل إعلامه العبرية والعربية بالزعم «بأن سورية طلبت من تل أبيب تقديم مساعدة منها» بهدف التشويش على المشهد العربي المتضامن، ثم حين أكد وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، زيف وبهتان هذا الزعم الرخيص، عاد نتنياهو وطلب من وسائل إعلامه القول إن «أحد المسؤولين في إحدى الدول هو الذي طلب منه تقديم المساعدة وليس سورية»، وفي النهاية امتنع عن الاستمرار في هذه الأكاذيب، لكن السؤال المطروح هو لماذا تقلق تل أبيب من حملة تضامن دول المنطقة وبهذا الشكل مع سورية؟
من الواضح تماماً أن كل ما ينتج عن الاستعمار والاستيطان من كيانات مصطنعة يتبع سياسة «فرق تسد» الشهيرة التي تبناها وفرضها الاستعمار البريطاني والفرنسي على العالم العربي، وخاصة حين فرض تقسيم بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى تمهيداً لاستيلاد كيان يستخدمه الأوروبيون باسم الصهيونية في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني والأمة العربية. ولا شك أن كل حكومات هذا الكيان كانت منذ عام 1948 تدرك أن كل تضامن عربي وإقليمي مشترك يخدم مصالح شعوب هذه المنطقة سيشكل هزيمة لسياسة «فرق تسد» ويؤدي إلى شعور هذا الكيان بالعزلة، وإلى ضعف في قدراته وتعطيل في وظائفه التي أنشئ من أجل تنفيذها ضد هذه الأمة في هذه المنطقة، ولذلك كانت حكومة نتنياهو نفسها تنفذ هذا المبدأ الاستعماري منذ عام 2009، وهي التي استغلت الحرب التي أعدتها واشنطن وتل أبيب على سورية منذ عام 2011 لتمزيق سورية وكل أشكال التضامن والتعاون التي كانت الدول العربية تسعى إليها وتعمل على بناء قواعدها بين جميع دول المنطقة العربية والإسلامية.
الكيان الإسرائيلي يدرك أن استهدافه العدواني لسورية وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، سيواجه عراقيل لا يستطيع تجاوزها في هذه الظروف الإقليمية والدولية بعد كارثة الزلزال، وهو يخشى بالقدر نفسه من استحقاقاتها على الأرض، وخاصة لأن جدول العمل العربي والإقليمي ما زال يتمسك بكل أشكال التضامن الإقليمي من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق سورية باستعادة الجولان العربي السوري المحتل.
الكل يدرك أن غياب التضامن والتعاون العربي المشترك في القضايا العربية والإسلامية المركزية، وأهمها موضوع الأراضي العربية المحتلة، كان الكيان الإسرائيلي يستغله لتوسيع خططه لشل قدرة دول المنطقة على تحقيق مصالح شعوبها، ولا يخفى على أحد من المتابعين لشؤون الكيان الإسرائيلي وسياساته، أن عدداً من المحللين في وسائل الإعلام العبرية بدأ يعرب عن مخاوفه من هذه المبادرات العربية تجاه سورية والأفق الذي يلوح لانفراج في العلاقات بين دول المنطقة، وخاصة تجاه إيران التي يجمعها مع سورية تاريخ من الصمود والمقاومة ضد أعداء هذه الأمة والطامعين بنهب ثرواتها، ويرى هؤلاء المحللون أن كل جديد في التضامن مع سورية سيؤدي إلى استقرار في العلاقات بين دول المنطقة وشعوبها بما فيها إيران، وهذا ما يلحق الضرر بمصالح الكيان الإسرائيلي الذي بذل جهوداً هائلة لشن حرب على إيران وعلى سورية ولم يتمكن من تشجيع الولايات المتحدة طوال 14 عاماً على خوضها إلى جانب تل أبيب.
ربما يحمل الزمن القريب بعد كارثة الزلزال هذه، لسورية وتركيا مشهداً جديداً يكون جديراً بالوفاء لضحايا هذا الزلزال من سوريين وأتراك، وحين يحدث هذا الجديد في علاقات كل دول المنطقة، فلن يكون الرابح سوى شعوبها، وفي مقدمهم الشعب العربي في فلسطين وسورية ولن يكون الخاسر سوى دولة الاحتلال.
سيرياهوم نيوز1-الوطن