| د. محمد رقية
يقول المثل “مجنون رمى حجر بالبير الف عاقل ماشالها”
وهكذا صار بِنَا في عصر التواصل الاجتماعي واتصالات اللحظة والكم الهائل من المواقع والصفحات الالكترونية التي لكل منها هدف والكثير منها تسيرها المخابرات العالمية فأنت مثلا وانت جالس في مكتبك وأمام الكومبيوتر أو المحمول تستطيع أن تصنع الحدث في أي مجال كان وخاصة في الحرب الاعلامية والغزو الثقافي وتنشره على العالم خلال ثواني على أنه حقيقة مطلقة ولا يستطيع أحد أن يكتشفك إلا قلة من المتخصصين الذين لايستمع اليهم أحد وتبدأ عمليات النسخ واللصق بدون اي تفكر او تفعيل للعقل ، بعضهم للشهرة وجمع اللايكات والمال وبعضهم مدفوعين بقوى سرية وبعضهم بسطاء وجهلة ينقلون بحسن نية .
انتشر بعد الزلزال الذي حدث صباح ٦شباط ٢٠٢٣ في تركيا بشكل واسع مقالين احدها باسم د. مجدي والثاني م خلف وعدة فيديوهات وكلها متشابهة بالمضمون يقولون فيها بأن الزلزال غير طبيعي ووراءه أمريكا .
وقد أرسل لي العديد من الأصدقاء المقالات والفيديوهات لإبداء رأيي بهما وهل ما يدعونه صحيح ؟
بعد اطلاعي على المقالين والفيديوهات وجدت ان فيهما تجميع معلومات متناقضة جداً.
مرة يقولون ان مشروع هارب وقواه العظيمة هو سبب الزلزال ، ومرة يقولون تفجير نووي في قاعدة انجرليك النووية ، ثم يقولون تفجير نووي تركي روسي، ثم يقولون بأن التفجير نووي على عمق ١٠كم ، ثم يقولون بأن التفجير في بحر مرمرة ، ثم يقولون بأن السبب هو مرور المدمرة الأمريكية في بحر مرمرة ،ثم يقولون بأن قوة الزلزال غير مسبوقة ولا تتناسب مع حركة الصفائح التكتونية ، ثم يقولون من المفروض حدوث تسونامي يصل الى قبرص لو كانت هذه الزلازل طبيعيه ولا يعلمون أن الزلزال على اليابسة لا يحدث تسونامي وحتى لو كان في بحر ضيق يمكن أن لا يحدث تسونامي، ثم يقولون بأن كمية الاشعاعات النووية تفوق المعدل الطبيعي ولكن يناقضون أنفسهم بنفس الجملة بالقول أن الاشعاع لا يصل الى درجة الاشعاعات الناتجة عن التفجير النووي، ثم يقولون بعدم تأثر قاعدة انجرليك بالزلزال ولايعلمون بأن القاعده محمية من الزلازل وقبل ذلك قالوا السبب هو تفجير نووي في القاعده نفسها، لاحظوا التناقض الشديد في كل شيء. ثم يقولون بعدم تأثر الكيان الزائل بالزلزال ولا يعلمون بأن الزلزال وصل الى الأرض المحتلة بشدة ضعيقة ٣،٩ درجة لبعدها عن المركز.
ثم يقولون بخروج عدة مصادر للتنبؤ بهذه الزلازل قبل حدوثها ولم نسمع سوى بالعالم الهولندي فرانك وقد دخلت على صفحته وشاهدت لقاءه على الميادين هو لم يتنبأ بل توقع بحدوث زلزال في المنطقة بين ٣٠ يناير و٣ فبراير ولم يحدث زلزال خلال تلك الفترة ، انما حدث في ٦ فبراير شباط، وهذا لم يفدنا في شيء، وكنت أنا قد أشرت في مقالي عن السدود التركية ومخاطرها الذي نشر في ٣١ أيار ٢٠٢١ بإمكانية حدوث زلزال خلال عدة سنوات، هذا كله توقع من معطيات موجودة على الأرض . والفرق كبير بين التوقع والتنبؤ
فالتنبؤ يحدد زمن الحدوث بدقة بدون أي خطأ،.أما التوقع فبدون توقيت محدد .ثم يشيرون الى المناورات العسكرية الأمريكية في قبرص واليونان وأنها كانت لإجلاء ضحايا الزلازل.وأن القناصل الأوروبية اغلقت أبوابها.ثم يقولون بأن الشق الأرضي على عمق ١٠كم لا يمكن أن يحدث زلزال طبيعي
ثم يقولون بأن التفجير ربما كان قادما ” من عمق بحر مرمرة
ثم يقولون بأن الشقوق تحت ١٢ كم لا تحدث أي تأثير زلزالي ولا يعلمون بأن بعض البؤر الزلزالية يمكن أن يصل عمقها الى أكثر من ٣٠٠ كم.
ثم يبدأ الحديث في السياسة وتوتر العلاقات الأمريكية التركية وعن التسليح والعلاقات مع الروس الخ ويخلصون الى ضلوع الولايات المتحدة في حدوث زلزال تركيا.
- يقول المثل مجنون يحكي وعاقل يفهم
▪︎إن ما ذكر تخبيص بتخبيص وبعيد عن المنطق والعلمية في كل شيء وحكاية التفجير النووي مضحكة فعلاً (ومفكرينها فتيشة منرميها ومنمشي) ولا يعلمون بأن أي تفجير نووي يمكن أن تسجله كل محطات الرصد في العالم ويتم تحديد موقعه بدقة ، وستملأ الاشعاعات النووية المنطقة كلها ولا ينجو أحد من الناس القاطنين في المنطقة
- إن أي تفجير كبير في البحر وخاصة بحر مرمرة الصغير والمغلق كان يمكن أن يرفع الأمواج إلى أكثر من ٣٠ مترا” وكانت غرقت كل المدن الساحلية التركية المطلة على هذا البحر .
- مشروع هارب معروف وهو مخصص للتحكم في المناخ ومركزه في ألاسكا ويتبع له خمس محطات ثابتة وليس متحركة وكنت من أوائل من كتب عنه وعن الكمتريل منذ عام ٢٠١١ وهو هنا ليس له دور
- والأغرب القول بأن مركز الزلزال على عمق ١٠ كم لا يسبب دمار ولا يعلمون بأن عمق المركز ١٨ كم وهو عمق ضحل بالمقارنة مع المراكز العميقة ، وكلما كان أقرب الى السطح ازداد الدمار
- والغريب ان أحد المقالات صادر في 7 شباط أي صباح اليوم الثاني للزلزال فكيف له ان يجمع كل هذه المعلومات خلال نصف نهار وخاصة الشدة الاشعاعية ومن قام بإجرائها والناس مازالت تحت الأنقاض . وكيف وصلت له بهذه السرعة وهو في كندا ونشرها صباح اليوم الثاني
- وحول اغلاق القنصليات ترى أنقرة أن إغلاق القنصليات حملة دولية ضد تركيا تقودها الولايات المتحدة. وأما أهداف هذه الحملة فهناك عدة أهداف يمكن تحقيقها من خلال إغلاق القنصليات، بعضها متعلقة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقع إجراؤها في 14 أيار/ مايو القادم، وأخرى متعلقة بموقف تركيا من انضمام السويد إلى حلف شمالي الأطلسي “الناتو”
- وحول المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة في قبرص فهي بدأت في صباح ٦ شباط اي يوم حدوث الزلزل وليس قبل كما تزعم التقارير وستستمر حتى 24 فبراير، وإنها تجري “بالتعاون مع القيادة الأوروبية للقوات المسلحة الأمريكية، والخارجية القبرصية والحرس الوطني في قبرص”.
- يجب ان يعلم الجميع بأن المنطقة كلها من البحر الأحمر وحتى بحر مرمرة والأسود في تركيا إقليم زلزالي كبير وأن تركيا من أخطر بلدان العالم زلزاليا” لتصادم ثلاث صفائح على ارضها ، وهي الصفيحة العربية والصفيحة الأفريقية وتحت الصفيحة الأناضولية ضمن الصفيحة الأوراسية وقد حدث في المنطقة ٢٨٧ زلزال كبير خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية وفق ما أوضحت دراسة الزلازل التاريخية . وحدوث الزلزال متوقع في أي لحظة .
- الزلزال طبيعي ومعروف موقعه وعمق البؤرة الزلزالية وشدته بدقة ووصل تأثيره الى دائرة نصف قطرها 900كم وقوة التفجير تعادل حسبما أشار رئيس أحد مراكز الرصد الزلزالي في تركيا و إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” 500 قنبلة نووية من النوع الذي ألقي على هيروشيما في اليابان عام 1945
و تم تسجيل أكثر من ألفي هزة ارتدادية، في الأيام التالية للزلزال وهذا لا يحدث إلا في الزلازل الطبيعية.
- على ما يبدو ان الهدف من هكذا تقارير اظهار قوة أمريكا بأنها القوة التي لا تقهر وأنها تستطيع أن تفعل ما تريد دون أن يقف بوجهها أحد لتقول أنا ربكم الأعلى فاعبدوني .
- لا تستطيع لا أمريكا ولا غيرها احداث هكذا زلزال بهذه الطاقة العظيمة ولو تستطيع أن تفعل أقل منه لفعلته في دمشق وليس في تركيا صديقة أمريكا .
- والسؤال هنا هل سيطرش الجواب كل الصفحات والمواقع كما تطرش هذه التقارير والفيديوهات ؟ أكيد لا ، لأن وراء تلك التقارير أياد خفية تنشره وتعممه بسرعة البرق والمثل الذي حكاه لنا أجدادنا هو حكمة تاريخية يجب ان تنقش بماء الذهب “مجنون رمى حجر في البير .. ألف عاقل ما شالوها”.
* باحث أكاديمي وكاتب سياسي
(سيرياهوم نيوز3-الكاتب)