| إيناس رمضان
مالئ الدنيا وشاغل الناس لكنهم اختلفوا في تعريفه…هل الحب مجرد عملية كيميائية تجري في الدماغ؟
خفقان في القلب. تسارع في النبضات. تعرق. توتر! هل عرفته؟ يسمونه الحب، أو الافتتان، أو المشاعر المتدفقة، أو ألف مصطلح آخر. هذا الشعور يتفوق على كل المشاعر الأخرى في الكون. ربما تكون محظوظاً لو جربته مرة أو أكثر خلال حياتك، أو من هؤلاء الذين لم يصادفوه، لكنك بالتأكيد تعرفه.
أكثر من شعور؟
يقول جبران خليل جبران إن “الحياة بلا حب مثل شجرة بلا أزهار أو ثمار”. يتحدث هنا جبران عن أن الحب، على رغم كونه شعوراً، فإنه شبّهه بأشياء مادية وضرورية في الحياة. نحن نحب أو نقع في الحب لأن هذا ضرورة من ضرورات البقاء، بحسب ما يقول ويسلي أوينز في موقع “ميديام”. فالحب، من وجهة نظره، يحافظ على الأسرة والمجتمع، ويساعد على تربية أبناء أسوياء.
الوقوع في الحب سهل، لكن أن تجد إنساناً ملائماً للحب ليس بالأمر السهل، مثلما قال إريك فروم، في كتابه “فن الحب”، الذي نفى عنه أن يكون مجرد تعليمات سهلة في فن الحب، مؤكداً أن الحب ليس إحساساً عاطفياً يمكن أن ينغمر فيه الإنسان بسهولة، بغض النظر عن مستوى النضج الذي وصل إليه، بل يتطلب معرفة وإعداداً ووعياً ونضجاً.
يؤكد فروم أن الحب هو أمر متطور بتطور البشرية، فمفهوم الحب قبل الحضارات يتباين عن مفهوم الحب في عصور الزراعة، ويتباين عنه في عصر الثورة الصناعية، بحيث يمكن اعتبار أن الشخص الجذاب، بالنسبة إلى الطرفين، هو مكافأة الحب. وهذا الشخص الجذاب تتباين صفاته، بحسب المكان والزمان.
فمثلاً، في عشرينيات القرن الماضي، كانت الفتاة مدمنة السُّكْر والمدخنة والقوية الشكيمة والمليئة بالجنس جذابة، لكن مفاهيم اليوم مرتبطة أكثر بالوداعة. أمّا الرجل، فكان عليه في نهايات القرن الــ 19 وبداية القرن الــ 20 أن يكون عدوانياً وطموحاً، لكن اليوم عليه أن يكون اجتماعياً ومتسامحاً ليكون جذاباً، بحسب فروم.
الحب.. عملية كيميائية؟
لكن، ماذا عن هذا الشعور الذي يمكن ببساطة أن يغيّر طبيعة جسدك وعقلك. قد يغيّر درجة حرارتك أو نبضات قلبك؟ هل يمكن النظر إلى الحب كونه مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الجسم والمخ، بمعزل عمّا يمكن أن يمثله الحب أو الترابط إلى جانب إنسان يحفز داخلنا هذه التفاعلات؟
حسناً، الأمر، بحسب ويسلي، يبدأ بالدوبامين، الذي يجعلنا نشعر بالرضا ويشجعنا على الانتباه لمصدر محتمل للمكافآت، سواء كان ذلك من خلال اللمس الجسدي أو المحادثة أو الطعام أو “الحب”.
وفي حين أن مستوى هذا الهرمون تمكّن شخص واحد فقط من دون غيره من رفع مستوياته في الجسم، ففي الوقت نفسه، يبدأ المخ تعطيل عمل أجزاء منه مسؤولة عن الخوف والحزن، وكذلك المناطق المسؤولة عن التفكير المنطقي.
على مدار الأعوام، يستخدم المخ الأوكسيتوسين لتقوية الروابط الاجتماعية بيننا وبين شركائنا، وتساعد أنشطة، مثل العناق والتقبيل، على إطلاق ذلك الهرمون، وعلى تكوين روابط قوية بالشركاء.
إذاً، هل يمكن اعتبار الحب مجرد تفاعل كيميائي؟ الإجابة نعم، لكن هذا لا ينفي أن يكون الحب أكبر من ذلك. إنه تجربة حسية وشعورية، تمر في مراحل متعددة، بدءاً بالانجذاب نحو شخص ما، وصولاً إلى الالتزام الكامل فيما يتعلق بعلاقة به.
قد تكون مدونة العلوم، التابعة لــ “بي بي سي”، شرحت الأمر بطريقة أكثر تعقيداً من ذلك. لكن، باختصار، فإن الهرمونات التي يفرزها المخّ في حالة الحب، مثل الأوكسيتوسين والفازوبريسين، مسؤولة عن تطور العلاقة والترابط بين الشخصين.
هل شعرت يوماً بأنك لا تستطيع الابتعاد عن شخص تحبه؟
“نظر الحبيبُ إِليَّ من طرفِ خفي
فأَنى الشِّفَاءُ لمدنَفٍ من مُدْنف
ودنا فسكَّن نارَ قلبي خدُّه
أَسمعتُمُ ناراً بنارٍ تَنْطَفِي”
ليس أروع من كلمات ابن سناء الملك، التي يصف فيها قرب الحبيب من حبيبه، وكيف يشبه الأمر ناراً داخله، الأمر ليس مجازاً، بل للعلم قول في هذا.
الأمر، بحسب “بي بي سي”، يعود إلى أن تطوير الهرمونات التي يفرزها المخ يشجعنا على تكوين علاقات ملتزمة، على رغم كون العلاقات أمراً مادياً. ثبت أن الأوكسيتوسين يزيد في مقدار الوقت الذي تُمضيه في التحديق في عيون من تحب، كما أنه يعزز قدرتك على قراءة مشاعر شخص ما.
صحيح أن فهم الهرمونات وتفاعلها يمكّننا من البحث عن كيفية الوقوع في الحب، لكن هناك أشياء أخرى، مثل عوامل الثقافة والتاريخ والقيم، يمكن أن تؤثر أيضاً في فرص الوقوع في الحب.
نظرية الحب
لا يمكن اعتبار أن أشكال الحب المألوفة بين الرجل والمرأة هي الأنواع الوحيدة من الحب، التي تعمل فيها الكيمياء نفسها، والمؤثّرات نفسها الخاصة بالترابط وتقوية العلاقات وغيرها. ربما تلك النظرة الشاعرية تنفي أنواع الحب الأخرى، هل سمعت يوماً بشمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي؟
تلك العلاقة الروحية القائمة في الأساس على الحب، لم يكن غرضها علاقة عاطفية. كانت علاقة حسية وتجربة صوفية مجردة، اكتشفنا فيها رحلة الزاهدَين داخل نفسيهما، كأنّ كلاً منهما رسول للحب، وفق طريقته الخاصة.
تلك العلاقة تم تجسيدها في عدد من الكتابات الأدبية، أبرزها “قواعد العشق الأربعون” لأليف شافاق.
ولعل أبرز وأصدق المقولات كانت للرومي، بحيث قال: “يتكون الفكر والحب من مواد مختلفة”. هذا الطرح الذي اتفق معه فيه إريك فروم، الذي يؤكد أن هناك نظرية للحب كشيء مجرد يجب أن تتحقق أركانه بالمعرفة، أو كما قيل في القاعدةالـ 12: “إن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلّا وينضج أثناء رحلته”.
يؤكد فروم أيضاً أن فهم نظرية الحب يبدأ أولاً بفهم نظرية الإنسان ووجوده، وكونه لم يتقدم إلّا عبر تطوير عقله والرغبة في الاندماج والتوق إلى الحرية. ومع ذلك، من أجل تحقيق الحب عليه أن يكون محافظاً على تفرده، وأيضاً على توحده مع الآخرين، وأن يحتفظ بتكامله، قائلاً: “في الحب يحدث الانفراق: أن اثنين يصبحان واحداً، ومع هذا يظلان اثنين”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين