نبيه البرجي
هو الغزو الروسي لأوكرانيا أم الغزو الأميركي لروسيا؟
علينا أن نعترف، سكان الطبقات الدنيا، والطبقات ما دون الدنيا، من الكرة الأرضية، بأن الأميركيين مخلوقات ما فوق البشرية، وأنهم وجدوا لقيادة العالم. الديانة الأميركية حلت محل الديانات الثلاث التي لم تعد أكثر من بقايا لاهوتية تتأرجح بين تخوم الغيب وتخوم التاريخ…
هذه هي الصورة الآن. ولطالما قارن الكاتب الألماني غانتر غراس، الحائز نوبل في الآداب، رجل البيت الأبيض بالكاوبوي الذي كان، وهو في الطريق الى كولورادو، يقتحم الحانات الخشبية، ويطلق النار، عشوائياً، على من في الداخل. أليس هذا ما يفعله الأميركيون في طريقهم الى أقاصي الأرض، وربما الى أقاصي السماء؟
غراس قال”ما يعنيهم أن يبقوا في قيادة العالم ولو اقتضى ذلك تحويله الى حطام. أميركا تموت اذا كانت في المقعد الخلفي. قنبلة هيروشيما لا تزال في ذاكرتنا”.
ألهذا تخوض الحرب ضد روسيا، وغداً الحرب ضد الصين، وان قال فريد زكريا”ما يحدث كما لو أنها حرب أميركا على… أميركا”.
فارق هائل بين الأرمادا العسكرية، والأرمادا المالية، والأرمادا الاعلامية، الأميركية، والامكانات الروسية، وهذا ما بدا جليّا في الميدان. ولكن ثمة مسألة لا يفقهها الأميركيون، وهي أن الروس الذين دحروا نابليون بونابرت، مثلما دحروا أدولف هتلر، على أبواب موسكو، يعتبرون أن الأميركيين يغزون بلادهم عبر أوكرانيا.
لنلاحظ الخط البياني للتصعيد على الأرض، من المعونات المالية والاستشارية، الى الصواريخ البعيدة المدى، والقنابل الذكية، مروراً بالمدافع والدبابات. ماذا بعد ذلك؟ المجانين فقط يظنون أن باستطاعتهم أن يزرعوا راياتهم فوق قباب الكرملين.
هنا النقطة الفلسفية في الحرب. الروس يدافعون عن بقائهم. فولوديمير زيلينسكي يدافع عن بقائه، وهو الذي أتي به من العالم الكوميدي الى العالم التراجيدي لكي يفتح أبوابه أمام الغزو الأميركي، دون أن يتنبّه، بدماغ الدمية أو بدماغ الذبابة، الى أن بلاده تموت ليس فقط تحت الأحذية الروسية. أيضاً تحت الأحذية الأميركية.
الجنرال الأميركي السابق مايكل ماينيهان لا يستبعد، اذا ما بقي الصراع على ايقاعه الحالي، أن يبعث البنتاغون بالجنود الأميركيين الى أوكرانيا “في هذه الحال سنكون أمام قهقهات التنين أم أمام قهقهات الشيطان؟” ليضيف أن ما يحدث استنزاف كارثي لكل من أميركا وروسيا لمصلحة الصين…
أصوات في أوروبا، وان كانت الأصوات القليلة التي لم تتأثر بالضجيج الأميركي، ترى أن الأميركيين لم يختبروا، على أرضهم، مرارات الحروب، وويلات الحروب. ادولف هتلر دخل الى باريس لا الى واشنطن. جوزف ستالين دخل الى برلين لا الى لوس انجلس. لهذا، وهم يقاتلون على أراضي الغير، لا يفعلون سوى أنهم يمنعون”الهنود الحمر” من المس بقبعة الكاوبوي!
السناتور جون ماكين كان يسخر من الأوروبيين، ومن دعوة البعض الى اعادة هيكلة النظام العالمي ليتواءم وتطورات القرن. أعاد الى الذاكرة كيف أن القارة العجوز بقيت، على مدى قرون، مسرحاً لحروب بين ملوك تتحكم بهم”الشهوة الى النساء”، أو”الشهوة الى السلطة”. لا شيء سوى قعقعة السلاح. المايسترو الأميركي هو من كرّس واقعاً جديداً في القارة لتغيب عنها الصراعات.
حقاً، الى أين تريد أن تذهب أميركا (وتجر معها الكرة الأرضية). مليارات تلو المليارات الى النيران. هذه “استراتيجية الانزلاق”. لم يعد السؤال الى أين تذهب أميركا بل الى أين تنزلق أميركا (وينزلق العالم معها)؟
اذا كان جو بايدن يراهن على أن يجثو القيصر (بوتين) بين يدي الجنرال مارك ميلي، مثلما جثا الامبراطور (هيروهيتو) بين يدي الجنرال دوغلاس ماك آرثر، عليه أن يعلم أن المشهد تغير كثيرأ. ثمة أزرار نووية في الغرفة المجاورة. أي أصابع تصل اليها أولاً ما دام بايدن، أو بوتين، لا يستطيع التراجع نصف خطوة الى الوراء؟ الاثنان يمسكان تكتيكياً بأوراق الدم…
الشيطان اياه من يفتح، عادة، أبواب الجحيم. من هو الشيطان هنا؟ حدقوا جيداً في ما وراء المشهد…
(سيرياهوم نيوز1-الديار)