علاء حلبي
متساوقاً مع السعي الأميركي لاستثمار ملفّ المساعدات الإنسانية إلى سوريا، في تصعيد الضغوط على كلّ من دمشق وموسكو، وتوسيع دائرة نفوذ واشنطن في الشمال، يشتغل رجل «القاعدة» السابق، أبو محمد الجولاني، على توسيع رقعة سيطرته هناك، مستغلّاً انشغال تركيا بكارثتها الداخلية، وانفتاح معابر إضافية لتمرير المعونات على الحدود معها، وتشتُّت مُنافسيه مِن بين الفصائل الموالية لها. وبحسب المعلومات، فإن الجولاني يتطلّع إلى قضم أعزاز ومعبرها (باب السلامة)، ليضمّه إلى ذلك الذي يسيطر عليه فعلياً في ريف حلب (باب الهوى)، ما يعني، في حال تَحقّقه، تحكّم «هيئة تحرير الشام» الكامل باقتصاد المنطقة الخارجة عن سيطرة دمشق، وفرْضها خريطة ميدانية جديدة لن يكون من السهل إبطالها
في أعقاب عرقلته إدخال مساعدات إنسانية وإغاثية إلى المنكوبين في الشمال السوري من خلال خطوط التماس، بدأ زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، مستغِلّاً سماح دمشق بفتح معابر إضافية لتمرير مساعدات عبر الحدود (من تركيا) لمدّة ثلاثة أشهر، تكثيف نشاط جماعته على الأرض، تمهيداً على ما يبدو لقضم مناطق جديدة، من دون التورّط في معارك جانبية. ويترافق ذلك مع اشتغاله على ضمّ مزيد من الفصائل المنتشرة شمالي حلب إلى «الهيئة»، استكمالاً لخطوات كان بدأها قبل وقوع الزلزال في السادس من شباط، وتُوّجت بإعلان مجموعة فصائل تشكيل «تجمّع الشهباء» المرتبط مباشرة بـ«تحرير الشام». ووفقاً لمصادر «جهادية» تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن رجل «القاعدة» السابق يعمل على مجموعة خطوط متوازية في الوقت نفسه، بدءاً من تحصين «بيته الداخلي» عبر تكثيف الحملات ضدّ المقاتلين غير السوريين، ومحاولة دفْعهم إلى الخروج من سوريا وتحديداً إلى أوكرانيا كبديل مُتاح أمامهم، مروراً بتضييق الخناق على بعض الفصائل السورية خوفاً من انتقال الاقتتال المتوقَّع في الشمال السوري إلى إدلب، وصولاً إلى تقديم دعم مالي إلى بعض الجماعات في ريف حلب. أيضاً، شكّل الجولاني مجموعة مهمّتها توسيع دائرة العلاقات الخارجية، سواءً مع الجهات المانحة بما فيها منظمة الأمم المتحدة، أو على الصعيد السياسي والاستخباراتي مع كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا.
ad
عملية الاختراق التي يعمل عليها الجولاني مدعومة بشكل مباشر من شخصيات موجودة في قطر
وتَلفت المصادر نفسها إلى أن الظروف التي فَرضها الزلزال وفّرت بيئة مناسبة لتنمية نشاط «الهيئة»، خصوصاً بعد تراجُع حضور تركيا المشغولة بكارثتها الداخلية، كاشفةً أن عملية الاختراق التي يعمل عليها الجولاني تأتي مدعومة بشكل مباشر من شخصيات موجودة في قطر، وهو ما ظَهر بوضوح خلال ندوة نظّمها مراسل قناة «الجزيرة»، أحمد زيدان، ضمّت مستشار الجولاني وأحد أبرز مُهندسي تحوُّله عن «القاعدة»، عبد الرحيم عطون، إلى جانب مجموعة من رجال الدين في قطر وخارجها، عنوانها تشكيل غرفة موحّدة لآليات توزيع المساعدات، تتحكّم بها «تحرير الشام» بشكل كامل. وتُمثّل المساعدات الوافدة عبر معبر «باب الهوى» في ريف إدلب أكثر من 80% من حجم المعونات الآتية عبر الحدود، في وقت تستثمر فيه تركيا انفتاح معبر باب السلامة لترحيل سوريين بشكل دائم من أراضيها. وفي هذا المجال، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن عدد هؤلاء تجاوَز العشرين ألفاً حتى الآن، بالإضافة إلى آلاف السوريين الذين يحملون بطاقة الحماية التركية المؤقّتة، والذين سُمح لهم بزيارة أقربائهم لمدّة ثلاثة أشهر في الداخل السوري.
ad
وعلى صعيد المساعدات الأممية والدولية التي يتمّ تمريرها إلى الشمال المنكوب، بدا واضحاً التحكّم المركزي المفرط الذي يمارسه الجولاني عليها، عبر تحديد آليات استلامها وتوزيعها، على الرغم من إفساحه مجالاً لبعض الفعاليات والجمعيات (عددٌ منها يتبع بشكل كامل لـ«الهيئة») بشكل مضبوط. ويُضاف إلى ما تَقدّم وضْعه يده على بعض خطط الإعمار، والمساكن البديلة المؤقّتة، الأمر الذي يعني تعزيز قدرات «تحرير الشام» الاقتصادية، ومضاعفة الاحتكاك المباشر مع الجهات المانحة، وبالتالي اكتساب الجولاني شيئاً من «الشرعية» بوصْفه سلطة الأمر الواقع، وهو ما يتوافق مع توجّهات الولايات المتحدة لإفشال المساعي الروسية للحلّ في سوريا. وأمام هذه المعطيات، تتوقّع المصادر أن يعمد الجولاني إلى زيادة وتيرة الهجمات التي تنفّذها مجموعات تابعة له على نقاط الجيش السوري على خطوط التماس التي رسمها «اتّفاق سوتشي» الروسي – التركي، بهدف حشْد المزيد من الفصائل خلْفه، وترسيخ نفسه وجماعته كقائد للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة في الشمال، فضلاً عن قضْم مناطق جديدة في ريف حلب (بعد إحكام سيطرته على عفرين في وقت سابق)، سواءً عبر استقطاب تشكيلات جديدة إلى صفّه، أو عن طريق عمليات أمنية أو عسكرية صغيرة لا تستدعي الانخراط في اقتتال مباشر وواسع النطاق مع الجماعات المناوئة لـ«الهيئة»، والتي تعيش هذه الأيام حالة ضعف وانقسام شديدَين.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية