محمد نور الدين
فجّرت زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، مفاجأة بإعلانها، يوم أمس، الانسحاب من «تحالف الأمّة» المعارِض، ورفْضها ترشيح زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو. إعلانٌ سيُسعد بلا شكّ السلطة الحاكمة التي ستتمسّك عندئذ بموعد الاستحقاق الرئاسي في 14 أيّار، لتستفيد قدْر الإمكان من تشظّي جبهة معارضيها، فيما سيحيي في المقابل أسوأ كوابيس هذه الأخيرة، والتي خسرت بخروج «الجيّد»، بين 12% إلى 15% من الأصوات، يُحتمل إمّا أن تُجيَّر لمصلحة الرئيس رجب طيب إردوعان، أو لآقشينير، في حال قرّرت هي أيضاً المنافسة على الرئاسة. أمّا إردوغان، وإذ يراقب ما يجري على جبهة خصومه، فقد يمضي نحو فوزٍ يبدو أقرب، على رغم كلّ المصائب التي خلّفها عهده
هل حَسَم «تحالف الأمّة» المعارِض، بأحزابه الستّة (أو الخمسة)، خياره بتحديد اسم مرشّحه إلى انتخابات رئاسة الجمهورية المزمع إجراؤها مبدئيّاً في 14 أيار المقبل؟ هذا السؤال طُرح بقوّة في أعقاب اللقاء رقم 12، الذي جمع أحزاب التحالف، على مدى 8 ساعات، أوّل من أمس، في مقرّ «حزب السعادة»، وانتهى إلى ما قيل إنه «تفاهم مشترك» يُرتقب الإعلان عن ماهيّته بعد غدٍ الإثنين، وفق بيان صدر عن المجتمعين، وفُسّر على أن الأخيرين اتّفقوا على اسم مرشّحهم للرئاسة. لكن حَراك رئيسة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، الذي أعقب اللقاء، أثار بلبلةً حول حقيقة نتائجه؛ إذ تداعت «الرئيسة» مباشرةً إثر اجتماع «تحالف الأمّة»، إلى استدعاء أركان حزبها، عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً، واكتفت – يومها – بالقول إن «كلّ شيء سيكون جيّداً، وتركيا ستكون جيّدة». لكنّها عادت وأعلنت، يوم أمس، انسحابها من التحالف المعارِض، ورفْضها ترشيح زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو.
ad
وسبق هذا الإعلان، ما كشفه الصحافي مراد صابونجو، رئيس التحرير السابق لصحيفة «جمهورييات»، نقلاً عن «مصادر من داخل الاجتماع»، من أن آقشينير اقترحت مجدّداً ترشيح رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أو رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش. وبما أن الأوّل محاصَر بقرار قضائي مبدئي قد يحرمه من العمل السياسي في أيّ لحظة، تكون رئيسة «الحزب الجيّد» حصرت الترشيح عمليّاً بياواش. وبحسب صابونجو، فإن كيليتشدار أوغلو قال لآقشينير: «هل يعني هذا أنْ أقوم وأغادر الطاولة؟»، فيما كان رئيس الشؤون المالية في «الجيّد»، أوميت ديك باير، يغرّد، في هذا الوقت، بأن «الأمّة أكبر من خمسة أحزاب»، تأكيداً لموقف الحزب المعارض لترشيح كيليتشدار أوغلو. ووفق رواية صابونجو، عرض رئيس «حزب السعادة»، تيميل قره موللا أوغلو، في بداية اجتماع الخميس، ترشيح زعيم «الشعب الجمهوري»، وأيّده في ذلك رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، ورئيس «حزب الديموقراطية والتقدّم»، علي باباجان، كما رئيس «الحزب الديموقراطي»، غولتكين أويصال. وهنا، ردّت آقشينير: «(…) إمّا أكرم إمام أوغلو أو منصور ياواش، وإلّا سأنهض وأغادر». فبادر كيليتشدار أوغلو إلى الردّ عليها، قائلاً إن «إمام أوغلو وياواش سيواصلان عملهما في رئاسة البلدية (وهما ينتميان إلى حزبه)»، لتردّ هي أيضاً: «إذن، عليّ أن أستشير قيادة حزبي من جديد»، ما دفع كيليتشدار أوغلو إلى الردّ مجدّداً: «إذا تطلّب الأمر، نُصدر بياناً بتوقيع خمسة أحزاب (من دون «الحزب الجيّد)»، فسألت: «هل يعني هذا أن أنهض وأغادر؟». وفي هذه الأثناء، تدخّل رؤساء الأحزاب الآخرون لتهدئة الأجواء، فانفضّ الاجتماع وغادرت آقشينير للقاء أركان حزبها، فيما ذهب كيليتشدار أوغلو إلى الاجتماع مع أحزاب يسارية، ومنها «حزب العمّال التركي»، ورئيسه أركان باش، على أن يجتمع أيضاً مع «جبهة العمل والحرية».
ad
تُبيّن استطلاعات الرأي أن الرئيس التركي يمكن أن يفوز، على رغم تراجع حظوظه
وإذا كانت السلطة متماسكة، فإن المعارضة مقسومة بين كتلتَين: «تحالف الأمّة» المؤلّف من ستة أحزاب معارِضة أساسية – قبل انسحاب «الحزب الجيّد»؛ و«جبهة العمل والحرية»، وعموده الأساسي «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي. وفيما سيكون للحزب الكردي مرشّحه الخاص الذي لم يعلن عن اسمه بعد، فإن «تحالف الأمّة» كان لا يزال يشهد شدّ حبال بين زعيم «الشعب الجمهوري»، وزعيمة «الجيّد». وما يزيد الأمور تعقيداً أن «الشعوب الديموقراطي» أعلن صراحةً أنه لن يصوّت لياواش في حال اقتضى الأمر التصويت لمرشّح مشترك، وذلك نظراً إلى جذوره القوميّة المناوئة للأكراد، في وقت تحتاج فيه المعارضة إلى الصوت الكردي لينجح مرشّحها الواحد من الدورة الأولى للانتخابات. ومع أن المرشّح الأبرز للمعارضة هو كيليتشدار أوغلو، فإن عدم خروج «لقاء الستّة»، أوّل من أمس، باسم واحد، وإرجاء الإعلان حتى يوم الإثنين، خلقا أجواء تشاؤمية ظهّرها إعلان «الجيّد» الانسحاب من التحالف. واعتباراً من يوم أمس، أصبحت المعارضة أمام تحدٍّ كبير جداً، إذ إن رفض آقشينير تبنّي ترشيح كيليتشدار أوغلو، سيشكّل ضربة كبيرة للمرشّح المشترك، وسيصبّ في مصلحة الرئيس رجب طيب إردوغان، ذلك أنه سيقلّص الثقة لدى الناخب في إمكانية أن تنجح المعارضة في إيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها تركيا، وسيدفع الناخب المترّدد إلى التصويت لإردوغان، على اعتبار أنه البديل المنطقي.
ad
ويعني خروج آقشينير من «تحالف الأمّة» أن المعارضة ستخسر ما بين 12% إلى 15% من الأصوات، وأن مرشّح الأحزاب الخمسة المتبقّية سيحصل تالياً على 30%-32%. كذلك، يعني إمكانية أن تُرشّح آقشينير نفسها منفردة إلى الانتخابات، وبالتالي أن يتأجّل الحسم إلى الجولة الثانية، في حال لم يتمكّن إردوغان من الفوز في الجولة الأولى. وستدفع كلّ أحزاب المعارضة، بما فيها «الجيّد»، ثمن تشظّي «صورة الإجماع»، فضلاً عن أن تراجع كيليتشدار أوغلو عن الترشّح ليس ممكناً، خصوصاً وأن رئيسَي بلديتَي أنقرة وإسطنبول، هما من حزبه، ولا يمكن أن يتمرّدا على قرار «الشعب الجمهوري». وعلى هذا، ستكون الصورة، يوم الإثنين، على الشكل التالي: انقسام المعارضة وإعلان الأحزاب الخمسة المتبقّية ترشيح كيليتشدار أوغلو؛ أو تأخير الإعلان مرّة جديدة.
إلى ذلك، وبعدما لمّح إردوغان، في خطاب أمام نواب حزبه يوم الأربعاء الماضي، إلى موعد الانتخابات، بالقول: «هذه الأمّة إن شاء الله ستقوم بالمقتضى في 14 أيار»، ذكرت صحيفة «حرييات» أن الرئيس سينشر قرار «تجديد» الانتخابات في الجريدة الرسمية، يوم الجمعة المقبل. وعلى ضوئه، ستعلن «اللجنة العليا للانتخابات» موعد الجولة الأولى من الاستحقاقَين الرئاسي والنيابي يوم 14 أيار، والجولة الثانية، إذا اقتضى الأمر، يوم 28 أيار، على أن يتقدّم المرشّحون للنيابة باستقالاتهم قبل يوم 16 آذار، وأن تعلَن القائمة النهائية للمرشّحين للنيابة، يوم 10 نيسان. وبحسب مسؤول الحملة الانتخابية لـ«حزب العدالة والتنمية»، إرتان آيدين، فإن شعار الحزب للانتخابات سيكون مرتبطاً بحدث الزلزال وتضميد الجراح، وهو: «الآن، من أجل تركيا». وفي ما خصّ انتقاد المعارضة لطلب إردوغان الصفح عن التقصير الذي حصل في الأيّام الأولى لحدوث الزلزال في السادس من شباط الماضي، قال الرئيس التركي إن «الحديث عن التقصير وطلب المغفرة ليس ضعفاً، بل مظهر للإخلاص والصدق بيننا وبين الأمّة»، فيما اعتبر عبد القادر سيلفي أن طلب الصفح هو «مقاربة صحيحة وإنسانية».
ad
في هذا الوقت، أطلق الباحث المعروف في استطلاعات الرأي، بكر آغيردير، موقفاً لافتاً، قال فيه إن الرئيس التركي يمكن أن يفوز، على رغم تراجع حظوظه. وأضاف: «زلزال السادس من شباط سيؤثّر حتماً في خيارات الناخب، لكن الأكثر أهميّة هو موقف المعارضة وخريطة الطريق التي سترسمها، والتي ستحدّد نتائج الانتخابات. ذلك أن الخطاب المعارِض فقط للسلطة لا يكفي، إذ إن هناك ضرورة لوجود رؤية كبيرة ووعود بالتغيير». وبحسب آغيردير، فإن «احتمالات خسارة “تحالف الجمهور” للغالبية في البرلمان قائمة، لكن رجب طيب إردوغان، وعلى رغم تراجع حظوظه، لديه فرصة للفوز في انتخابات الرئاسة. ولكن هذا أيضاً مرتبط بمشاعر الكتلة الناخبة التي إذا كانت تعتقد فعلاً أن تغيير السلطة يهدّد مسألة بقائها، فستصوّت لمصلحة السلطة التي ستنقل احتفالات تدشين المساكن الجديدة على 46 محطّة تلفزيون موالية». وأشار آغيردير إلى أن تأجيل الانتخابات غير ممكن دستوريّاً، ولكن حقيقة أن المعارضة غير متّفقة في ما بينها قد تعمل لمصلحة السلطة، مضيفاً أن «عدم ذهاب الشباب إلى الانتخابات، يعمل لمصلحة السلطة أيضاً»، ومعتبراً أن الأزمات الكبيرة التي مرّت على تركيا تحتاج إلى «حكاية أكبر» وإلى رؤية من قِبَل المعارضة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية