الدكتور خيام الزعبي
الخلافات بين قطر من جهة وسورية من جهة أخرى، لا تخفى على أي متابع للشأن العربي، إلا أن هناك تغييرات وإرادة دولية بدأت تتضح معالمها في الملف السوري، خاصة بعد الخطوات العربية المتسارعة نحو إعادة العلاقات مع دمشق، التي من خلالها شارفت لعبة كسر القيود على نهايتها، فلا غريب أن يسمع السوريون في يومنا هذا تصريحات قطر أن تستعيد مواقفها وإعادة النظر بالسياسة التي أدت إلى القطيعة مع دمشق، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل ستتحقق مصالحة ثنائية بين دمشق والدوحة، أم أنه من الصعب تحقيق ذلك بعد أن بقيت قطر وحيدة بين دول المنطقة ؟
بعد حدوث الزلزال الأخير دخلت سورية مرحلة جديدة حيث تغيّر الموقف الرسمي العربي إلى حدّ كبير، وبدأت الاتصالات المقطوعة تعود من جديد بين العواصم العربية ودمشق، وبدأت المساعدات التي تشكل مقدمة لفكّ الحصار الظالم على سورية تتوافد بشكل كثيف، وبدأت الوفود الرسمية العربية تحج إلى دمشق، مع المطالبة بالإسراع في عودة العرب لحضن سورية من جديد وأن تكون القمة العربية المقبلة في الرياض هي تتويج وترجمة فعلية لكلّ هذه التحركات الإيجابية على الأرض.
بمتابعتي للأحداث لم أتفاجأ من قيام قطر على افراغ مبنى السفارة السورية بالدوحة، وإخراج ما يسمى ممثلي “الائتلاف” المعارض تماشياً مع إعلان تركيا رغبتها بإعادة وتطبيع العلاقات مع دمشق، في هذا السياق ذكر مستشار الائتلاف وائل الخالدي في تغريدة على «تويتر» أن الدوحة قامت بإفراغ مبنى السفارة السورية في العاصمة القطرية تمهيداً لتسليمه للحكومة السورية، وإنه تم نقل القائم بأعمال السفارة بلال تركية إلى مبنى ملحق.
على خط مواز، وبناءً على توجيهات تركيا وتمهيداً للتطبيع مع دمشق، فإن العديد من قادة تنظيم الاخوان في تركيا قاموا بنقل عوائلهم إلى لندن وبعضهم نقلوهم لدول أوروبية أخرى، وأن من يختار البقاء سيلتزم بالصمت الإعلامي، كما أن أن الدول الممولة (قطر وتركيا) توقفت عن تغطية النفقات المالية والمصاريف الشخصية وأجور السفر التي تترتب على النشاطات السياسية والاجتماعية والندوات والاجتماعات التي يقوم بها أعضاء “الائتلاف” في المدن التركية.
ومن هنا أرى بأن الشعب القطري يؤيد الخطوات التي تخدم مصالح سورية وقطر وأمنهما القومي، وبالتالي فهو يرحب بإعادة قطر علاقاتها مع دمشق من أجل مصالح البلدين، وفي قراءة سريعة لكواليس التحول السريع التي فرضت على الجانبين السوري والقطري إنهاء الخلاف وفتح صفحة جديدة، عدة عوامل وعلى رأسها، مأزق السياسة القطرية في سورية بعد أن رهنت مجمل نشاطاتها الدبلوماسية والإستخباراتية والإعلامية والمالية على مدى 12 سنة بمشروع إسقاط النظام في سورية، وصمود سورية فالجيش السوري وعلى الرغم من كل أشكال الإستهداف ودموية الصراع التي تقوم بها القوى المتطرفة والميليشيات المسلحة مازال يمتلك العقيدة القتالية ويتقن قواعد الاشتباك ويحرر الأرض والإنسان، بالإضافة الى بسط الجيش السوري وسيطرته على معظم الأراضي بعد أن كان الوضع في البداية معاكسا، فضلاً عن تطبيع الدول العربية وحتى الاوروبية مع دمشق.
لذلك يبدو ان قطر اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية دون التهديد باستخدام القوة ضد سورية، وهنا يمكنني القول إن الدلالات و التوقعات تشير الى أن يتوجه وفد قطري رسمي الى دمشق لتسوية الخلافات مع الحكومة السورية بأسرع وقت ممكن مع بقاء الاحتمالات مفتوحة ولو بدرجة ضعيفة لعدم وجود ثوابت تحكم علاقات النظام بشكل عام، لكن كما نرى فإن مسار التوافق وترميم العلاقات ما زال هو الراجح عن طريق تعزيز العلاقات وإيجاد حلول واقعية لكل الخلافات والمشاكل الواقعة بينهما.
يبدو أن مشهد إنتصار سورية سيكون عنواناً بارزاً خلال المرحلة القادمة، فالمشاهد القادمة من مختلف دول العالم واستقبال الشعب السوري للوفود الرسمية بعد غياب دام أكثر من12 عاماً، ورؤية فرحة السوريين وهم يستقبلون إخوتَهم العرب في عقر دارهم دليل على ضرورة فرض الاستقرار لتحقيق النهضة والرفاه لكافة الشعوب العربية.
بإختصار شديد يمكنني القول: أن سورية ستبقى الداعم الأول وخير عون لكل مشروع عربي يدعو للوحدة وستبقى قلب العروبة النابض، كونها القادرة على إستعادة الزمام ولململة شتات النظام الإقليمى العربي من جديد وتثبيت أركانه ونحن على يقين أن إصطفاف السوريين وأشقائهم العرب كافة سيكون الصخرة التي تتحطم عليها أطماع القوى الإستعمارية والمضي بوطننا الغالي على قلوبنا ” سورية” نحو الأفضل.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم