| عبد الفتاح العوض
مثل البشر المدن تحزن أيضاً… كيف نامت حلب ليلة أيقظها الزلزال وكيف سمعت اللاذقية نحيب البحر وكيف تلقت حماة نواعيرها وهي تعنّ من الألم؟
أبتعد أكثر.. كيف تحزن المدن؟
حزنها مثل البشر لكنها لا تذرف دموعاً ولا تسمع لها نحيباً ولا تصرخ ألماً.. المدن الحزينة تنبعث منها رائحة خاصة هي عطر الحزن!
هذه لغة عاطفية لكننا نحتاجها الآن..
نحتاج أن نحضن أنفسنا ونجمع شتات قلوبنا التي تاهت هنا وهناك…
تتوجع من حال بلادها التي كانت ثم صارت.. تتألم من حال ناسها التي شبعت ثم جاعت..!
ألسنا بحاجة لأن نعالج أنفسنا قطعة قطعة….. عضواً عضواً فليس في جسدنا مكان إلا وفيه طعنة من الزمن.
أشياء كثيرة توحي هذه الأيام أن ربيع البلاد قادم… هي أخبار خجولة عن انفتاح من هنا واتصالات من هناك وزيارات تفتح نوافذ أمل.. لكن هو ذاته يبعث على الحزن… فمنذ متى بتنا نطرب لزيارة أو نفرح لاجتماع ونحن الذين تعلمنا أن العالم يبدأ بنا وينتهي إلينا.
من أكثر ما يثير الانتباه أن مدننا تحاول ألا تظهر حزنها للآخرين.. تكاد تترفع عن إبداء شكواها.. وتتعفف عن إعلان حالها. تبدأ صباحاً بحياكة ثوب أمل تنسجه خيطاً خيطاً من مراثيها وماضيها والكثير من حسن الظن بمستقبلها.
الذين يريدون أن يعرفوا كم مدننا حزينة ينبغي أن يكون لهم حاسة «إحساس».. بغيرها لا تعرف كم حزننا. لا تبحث بعيونها لترى دمعة ولا تراقب تجاعيد وجهها فلن تلمح ملامحها وهي مقهورة.. فقط يمكنك أن تشم رائحة الحزن بقلبك، بقلبك وليس بأنفك.
تسألها لماذا أنت حزينة وتجيبك هي تصاريف الزمن عندما يدنسها عدو ويستبيحها غاصب.. تحزن وهي تسمع أولادها يغازلون مدينة أخرى مراهقة لعوب…. تحزن لأن الماضي أنصفها والحاضر أتعبها…
وكيف تتجملين بالصبر.. لأن المدن تحزن لكنها لا تبكي… تعاني ولكنها لا تشكو وتعرف أنها قادرة من جديد على السعادة.
في أزماتنا وما أكثرها نرتقي بأوجاعنا.. ومن ذاق راق.. هكذا نحن صوفيون حتى بأحزاننا.
ماذا تفعل المدن لتغتسل من أحزانها؟
مثل البشر تعالج نفسها بنفسها، تتلو آيات العمل وتذكر أوراد الأمل وتصنع ربيعها الخاص..
لست من الذين يغشهم الوهم الكاذب… دمشق وأخواتها تتحضر لتخلع أثواب الحزن وتطلق ضحكاتها نسائم فرج وفرح.
أقوال:
– دواء الدهر الصبر عليه.
– يا بلادَ الدموع التي لا تَجفُّ.
– مَتى تَغسلُ الشَّمسُ هذا البُكاءْ؟!
– متى من طول نزفك تستريح؟ سلاماً أيها الوطن الجريح!
– تدور علينا عيون الذئاب، فنحتار من أيها نحتمي.
– لست حزيناً لأن الناس لا تعرفني، ولكني حزين لأني لا أعرفهم.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن