آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » هل مُؤشِّرات الحرب أم السلام هي الأقوى في منطقتنا؟ ماذا تُحضِّر أمريكا وإسرائيل؟

هل مُؤشِّرات الحرب أم السلام هي الأقوى في منطقتنا؟ ماذا تُحضِّر أمريكا وإسرائيل؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

**

كثافةُ التحركات والأنشطة الأمريكية على أعلى المستويات العسكرية والدبلوماسية في المنطقة مؤخّرا، ليست عادية على الإطلاق..

رأس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن يزور القاهرة، والقدس، ورام الله، في أواخر كانون ثاني/ يناير الفائت 2023، ويلتقي في القاهرة الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري..

ينتقل إلى القدس ويلتقي رئيس الوزراء نتنياهو.. ثم يلتقي في رام الله الرئيس الفلسطيني محمود عباس..

عنوان كل اللقاءات هو الدعوة إلى وقف التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني، والتأكيد على استمرار الموقف الأمريكي بالالتزام بحل الدولتين، ولكن دون اتّخاذ أي إجراءات حقيقية وفاعلة تُلزِم إسرائيل بقبول هذا الحل، ووقفِ جرائمها، أو منعِ توسيع مستوطناتها، على حساب الشعب الفلسطيني..

**

الناخِب الإسرائيلي جاء بأعضاء للكنيست من أشدّهم تطرفا .. وهؤلاء شكّلوا حكومة من أسوأ الحكومات بتاريخ إسرائيل وأكثرها تطرُّفا دينيا وسياسيا.. فاقَت حكومات بيغين وشامير وشارون، في تطرفها ضد الشعب العربي الفلسطيني.. بل حتى الولايات المتحدة، والدول الغربية ذاتها، لم تحتمل التصريحات التي صدرت عن بعض أعضاء هذه الحكومة لشدّة تطرفها..

وهذه سعت لِقلب الطاولة حتى على السُلطة القضائية في إسرائيل، وقدّمت مشروعا في الكنيست لتعديل النظام القضائي، وتقليص صلاحيات المحكمة العُليا، وإلغاء قراراتها بأغلبية بسيطة من طرف الكنيست، وجعلِ السُلطة التشريعية والسُلطة التنفيذية، أقوى من السُلطة القضائية..

وبهذا يتمُّ تسييس القضاء ونسفُ كل مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث(التشريعية والتنفيذية والقضائية).. وهذا سيسمح بهروب نتنياهو من قرارات السلطة القضائية التي تلاحقهُ بتُهم الفساد.. إذ يمكنهُ إلغاء هذه القرارات في الكنيست، أي من خلال السُلطة التشريعية..

الأمر الذي أشعل الشارع الإسرائيلي بالاحتجاجات العنيفة، وقسّم المجتمع الإسرائيلي بشكلٍ حادٍّ جدا، لم يشهدهُ من قبل..

حتى أن مُفوَّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، دخلَ على الخط، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى تعليق مشروع التعديل القضائي، خشية تأثيرهِ على استقلالية القضاء..

**

وبما أن الحرب هي استمرارٌ للدبلوماسية ولكن بطُرُقٍ أُخرى، فلم يمضي شهرا على جولة رأس الدبلوماسية، الوزير بلينكن في المنطقة، حتى وصلها رئيس هيئة الأركان الأمريكية المُشتركَة، الجنرال مارك ميلي، إذ حطّ رحالهُ في إسرائيل أوّلا يوم الجمعة 3 آذار / مارس واستمرّت حتى يوم الأحد، وأجرى مُحادثات مع  قادتها، ومع رئيس الأركان ورئيس الموساد ووزير الأمن.. والله أعلم على ماذا اتّفقوا..

هذه الزيارة لها علاقة بتطورات الملف النووي الإيراني، وما يجري من دعايات إسرائيلية بأنّ إيران على مقرُبة كبيرة من امتلاك السلاح النووي، إذ بلغت نسبة التخصيب 84 بالمائة، وتحتاج فقط إلى ستّة بالمائة، لامتلاك القنبلة النووية.. هذه الأنباء تُروِّجها بقوة آلة الإعلام الإسرائيلية.. والهدف هو تحريض واشنطن للموافقة على ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية..

إيران، وسعيا منها لسحبِ كل الذرائع من أيدي الإسرائيلي والأمريكي، دعَت المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، لزيارة طهران، والتقى الرئيس إبراهيم رئيسي في 4 آذار / مارس 2023 ، وأجرى محادثات مع رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، وصرّح بعد ذلك أن المباحثات كانت بنّاءة، وأن إيران تتعهد بالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية بشأن مراقبة وتفتيش منشآتها النووية، وستسمح بإعادة تركيب أجهزة المُراقبَة الإضافية حسب اتفاق عام 2015 ، والتي تمّت إزالتها بعد انسحاب أمريكا منه..

**

رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، مارك ميلي، وبعد نهاية زيارتهِ لإسرائيل، قام بخطوة استفزازية جدا، إذْ دخل الأراضي السورية وزار قاعدة أمريكية شمال شرق سورية في مناطق الحُكم الذاتي الكردية المدعومة أمريكيا، في انتهاك صارخ للسيادة السورية، والتقى بالقائد الأعلى للقوات الأمريكية في العراق وسورية، وقائد قوات التحالُف الدولي، بذريعة تقييم الجهود الأمريكية بمحاربة داعش.. وتعهّد بزيادة عدد القوات الأمريكية..

وحينما سألهُ أحد الصحفيين المُرافقين إن كانت زيارته هذه تستحق كل هذه المُخاطَرة، أجاب: نعم إنّ هذه المهمة ضرورية.. وأنّ إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، والاستمرار في دعمِ أصدقائنا وحلفائنا بالمنطقة، هي من المهام الضرورية..

ولا يُعرَف إن التقى الجنرال ميلي بقادة قوات سورية الديمقراطية، التي تُعتبَرُ بمثابة جيش أمريكي..

هذه الزيارة أدانتها الخارجية السورية لأنها انتهاكا للسيادة، كما أنها أغضبت أنقرة لأنها تُقوِّي من مكانة قوات سورية الديمقراطية، فردّت عليها باستدعاء السفير الأمريكي بتركيا..

**

لم يُعرف إن كان الجنرال مارك ميلي قد زار أية عواصم عربية سرا في المنطقة خلال جولتهِ هذه، وقبل عودته إلى واشنطن.. ولكن من المعروف  أنّ مجموعة العمل المشتركة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي قد اجتمعت في الرياض من  13 إلى 16  شباط / فبراير 2023 ، وناقشت قضايا أمنية وعسكرية مهمة، كما الدفاع الجوي والصاروخي المتكامِل، والأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، والملف الإيراني..

وكان الوفد الأمريكي على مستوى عالٍ، إذ ضمّ المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران والقائم بأعمال منسِّق مكافحة الإرهاب، روبرت مالي، والمبعوث الأمريكي الخاص بالإنابة للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، كريستوفر لاندبرغ، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شبه الجزيرة العربية، دانييل بينيم، ونائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الدفاع عن الشرق الأوسط، دانا سترول..

وكان قد سبق هذا الاجتماع لقاءات عديدة بين مسؤولين عسكريين وأمنيين رفيعي المستوى، سعوديين وأمريكان..

**

لم يكَد يُغادِر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، المنطقة حتى وصلها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.. فزار الأردن والتقى الملك عبد الله، الأحد 3 آذار / مارس 2023 ، ثم انتقل إلى القاهرة، وإلى القُدس.. وبعدها زار العراق في زيارة غير مُعلَنة مُسبقا، وبعد 20 سنة على غزو العراق في 20 آذار 2003،  والتقى رئيس الوزراء العراقي شياع السوداني، ورئيس إقليم كردستان نيجيريفان بارزاني..

ولا ننسى أن الجنرال لويد أوستن كان قائدا للقوات الأمريكية في العراق.. وعارِفا بشؤون المنطقة..

وكان قد غرّد لدى وصوله للعراق قائلا: (هبَطنا في بغداد.. أنا هنا لإعادة التأكيد على الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، فيما نَمضي قُدُما نحو عراق أكثر أمنا واستقرارا وسيادة) ..

لا أعرف إن كان الوزير الأمريكي يمزح أم لا، حينما تحدّث عن عِراق أكثرُ أمنا واستقرارا وسيادة..

**

 كل هذه التحركات والاجتماعات، هي لتطمين حلفاء أمريكا، وتأتي على وقعِ تزايد التوتر بين الولايات المتحدة ومُدلَّلتها،إسرائيل، من جهة، وإيران من جهة أخرى، جرّاء عدم التوصُّل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، ووسطَ زيادة الكلام عن اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج، ووسطَ التوتر داخل إسرائيل ذاتها بعد تشكيل هذه الحكومة المتطرفة، وزيادة التوتر في الضفة الغربية، ومصلحتها(الحكومة) الهروب للأمام وإشعال حرب، كي تصرف الأنظار عن ممارساتها، وتُوقِف الاحتجاجات في قلب إسرائيل ضدها..

وتأتي أيضا وسطَ تصعيد المعارك في أوكرانيا، وزيادة التوتر بين أمريكا وحلفائها من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، وانعكاس ذلك على العالم كله، إن كان لجهة الطاقة أم لجهةِ الغذاء.. الأمر الذي انعكسَ فشلا على مؤتمر وزراء خارجية مجموعة الدول العشرين في نيودلهي في أوائل آذار 2023، وعدم الاتفاق على صيغة بيان ختامي..

وكذلك فشلَ قبلهُ مؤتمر وزراء المالية لمجموعة دول العشرين يوم 26 شباط /فبراير 2023، في نيودلهي أيضا، بالاتفاق على بيان ختامي.. وكلهُ بسبب الخلافات الحادّة حول الحرب في أوكرانيا..

**

بؤر التوتر عديدة في العالم.. وأبرزها في أوكرانيا، ثُمّ في شرق آسيا، وفي منطقة الخليج (واليمن مشمولة هنا)، وفي مضيق تايوان، وكان وزير الخارجية الصيني الجديد(وهو سفير سابق في واشنطن) قد صرّح في أول مؤتمر صحفي له: قائلا: إن العلاقة مع واشنطن “انحرفت بشكلٍ كبير” ..

ولا ننسى التوتر المُتصاعِد في فلسطين..

**

وهُنا يُطرَحُ السؤال: هل منطقتنا تعيش مخاطر المواجهَة العسكرية المُحتملَة؟ وهل مؤشِّرات الحرب، أم مؤشِّرات السلام، هي الأرجح؟

أكيد نريدُ أن تكون مؤشِّرات السلام هي الأرجح، ولكن ما كلُّ ما يتمنى المرء يُدرِكهُ، تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ..

كاتب سوري وزير مفوض دبلوماسي سابق

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التغريبة العربية .. خطأ الســنوار وحزب الله .. المآذن الراقصة ومسامير التاريخ وسوبرمان جنوب لبنان

  نارام سرجون   لاشك أن أصعب شيء في التاريخ هو الدخول في التاريخ .. ولاشك أن أسهل شيء في التاريخ هو الخروج منه .. ...